الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 30 / أبريل 13:02

اعتراف امريكا بفشل برنامجها لتدريب المعارضة السورية/بقلم: عبد الباري عطوان

كل العرب
نُشر: 09/08/15 07:44,  حُتلن: 07:51

عبد الباري عطوان في مقاله: 

النجاح الوحيد الذي يحسب للسياسة الأمريكية هو توفير كل أسباب القوة والتفوق والحماية لدولة العدوان الاسرائيلي وهو نجاح لا يعود لها بالدرجة الأولى وإنما الى خنوع الانظمة العربية وضعفها وإنعدام الوازع الديني والاخلاقي والوطني لدى معظمها ولا نستثني السلطة الفلسطينية

ما هي هذه المعايير الأمريكية؟ الاجابة بكل بساطة أنّ يحارب هؤلاء الجماعات "الجهادية" وان يكونوا منزوعي الوطنية والاخلاق والكرامة وكل قيم العروبة والاسلام.. مطلوب من هؤلاء ان يتحولوا الى "مرتزقة" يقاتلون من اجل المال والمال فقط

امريكا تعتمد في رسم استراتيجياتها على حلفاء فاسدين وبنوك معلومات تنفق عليها ملايين الدولارات من اجل تقدم معلومات ودراسات لا تمت للحقيقة بصلة ليس لانها تريد تضليل امريكا ما عاذ الله وانما لانها غير مؤهلة عمليا للقيام بأي مهمة نافعة وموضوعية

تعيش الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في الشرق الأوسط حالة "انكار" دائمة عنوانها الأبرز عدم اعترافها بفشل استراتيجيتها، والهزيمة في جميع حروبها، وإعتمادها في معظم الأحيان على المرتزقة والفاسدين.
هذه الإدارة دربت الجيش العراقي وانفقت عليه اكثر من 26 مليار دولار، وانهزم قبل أن ينخرط في أي مواجهة مع قوات "الدولة الاسلامية"، وقادت تدخلا عسكريا في ليبيا، ولم تحصد غير الفوضى الدموية، وحاصرت ايران لاكثر من ثلاثين عامًا، ورضخت في نهاية المطاف، ووقعت معها اتفاق يعترف بها كقوة نووية.
النجاح الوحيد الذي يحسب للسياسة الأمريكية هو توفير كل أسباب القوة والتفوق والحماية لدولة العدوان الاسرائيلي، وهو نجاح لا يعود لها بالدرجة الأولى، وإنما الى خنوع الانظمة العربية وضعفها، وإنعدام الوازع الديني والاخلاقي والوطني لدى معظمها، ولا نستثني السلطة الفلسطينية.
حتى هذا النجاح يظل مؤقتا، وبدأ يتآكل وبسرعة ملحوظة، لان هذه الفوضى الدموية التي زرعتها الولايات المتحدة في المنطقة من خلال تدخلاتها العسكرية هي الحاضنة الادفأ للجماعات الاسلامية المتشددة، وهؤلاء سيصلون حتما الى العمق الاسرائيلي، سواء كانوا من اتباع المذهب الشيعي او السني.

***
بالامس اعترف المتحدث بإسم إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما أنّ برنامج وزارة الدفاع (البنتاغون) لتدريب "المعارضة السورية المعتدلة" التي من المفترض أنّ تقاتل هذه الجماعات المتشددة قبل "الدولة الاسلامية" و"جبهة النصرة" "فشلت فشلا ذريعا". وقالت قناة "سي بي اس" الأمريكية التي نقلت كلام هذا المتحدث "انه تم القضاء او إختفاء نصف فرقة المقاتلين حتى قبل ان يحتكوا بـ "الدولة الاسلامية"، واضافت ان هذه الخسائر لحقت بهم نتيجة المعارك مع "جبهة النصرة"، ونوهت أنّ البنتاغون انفق على تدريب 60 مقاتلا خلال شهرين اكثر من 42 مليون دولار، فيما تدقق الاستخبارات الامريكية في صلاحية سبعة آلاف متطوع آخرين، للتأكد من مدى توافقهم مع المعايير الامريكية لقبولهم.
ما هي هذه المعايير الأمريكية؟ الاجابة بكل بساطة أنّ يحارب هؤلاء الجماعات "الجهادية"، وان يكونوا منزوعي الوطنية والاخلاق والكرامة، وكل قيم العروبة والاسلام.. مطلوب من هؤلاء ان يتحولوا الى "مرتزقة" يقاتلون من اجل المال، والمال فقط.
بمعنى آخر ان العقيدة القتالية لهؤلاء هي "حب المال" لا غير، وان يضحوا بأرواحهم من اجل حفنة متواضعة منه، لانهم عاطلون عن العمل، وبلدهم سورية مدمر من قبل الامريكيين، وحلفائهم بالدرجة الاولى.
كيف يمكن ان يصمد هؤلاء او امثالهم في مواجهة اسلاميين، اتفقنا معهم او اختلفنا، عقيدتهم القتالية هي "الشهادة"، ويتنافسون فيما بينهم على ارتداء الاحزمة الناسفة، والوقوف في مقدمة طابور العمليات الانتحارية او "الانغماسية"، حسب ادبياتهم؟
حركة "طالبان" التي قاتلت الاحتلال الامريكي لبلادها طوال الاعوام الـ14 عاما الماضية تتواضع امام جبهات مقاتلة مثل "الدولة الاسلامية" و"النصرة" و"احرار الشام"، وهزيمة اي من هذه الجماعات على ايدي هؤلاء الشباب المغرر به، تحت مسمى "الاعتدال" شبه مستحيلة، إن لم تكن مستحيلة فعلا، ولذلك سيهربون من الميدان، او سيرفعون رايات الاستسلام البيضاء، او حتى قمصانهم، اذا تعذر عليهم وجودها، بمجرد خروجهم من المعسكرات الأمريكية التي يتمركزون فيها.
من الصعب ان نتصور أنّ أمريكا التي فشلت في هزيمة طالبان والمقاومة العراقية، مثلما فشلت في القضاء على تنظيم "القاعدة"، بعد حرب على الارهاب استمرت عشرين عاما، نقول من الصعب عليها أنّ تهزم "الدولة الاسلامية"، وحتى اذا افترضنا انها نجحت في ذلك بمساعدة حلفائها العرب والاتراك، فان هذه الهزيمة ستكون مؤقتة ومكلفة جدا ماديا وبشريا.

***
امريكا تعتمد في رسم استراتيجياتها على حلفاء فاسدين، وبنوك معلومات تنفق عليها ملايين الدولارات من اجل تقدم معلومات ودراسات لا تمت للحقيقة بصلة، ليس لانها تريد تضليل امريكا، ما عاذ الله، وانما لانها غير مؤهلة عمليا للقيام بأي مهمة نافعة وموضوعية.
اربع سنوات والمخابرات الامريكية تشرف على تسليح المقاتلين لاسقاط النظام السوري، بينما ينشغل الحلفاء العرب والاتراك في تكوين الاجسام السياسية، وينفقون المليارات من الدولارات على التسليح والتمويل وتغطية النفقات، وتشجيع الانشقاقات العسكرية والدبلوماسية، فكيف جاءت النتيجة؟ يبحثون الآن عن حلول سياسية لانقاذ “ماء الوجه” عنوانها الابرز بقاء الرئيس الاسد في قمة السلطة، لمرحلة انتقالية، قد تطول او تقصر، ثم ترتيب انتحابات عامة يعود من خلالها الى الحكم بشرعية صناديق الاقتراع.
امريكا وباختصار شديد، تخدعنا، وتمتص اموالنا، وتفتت بلداننا، وتقتل مئات الآلاف من ابنائنا في حروبها، وهناك من بيننا من يصفق لها.
نحن كعرب ومسلمين نستحق ما هو اكثر من ذلك.

* نقلا عن الرأي اليوم 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة