الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 20:01

حين يلعب نتنياهو "الروليت" بالمفاوضات/ بقلم: ماجد الشيخ

كل العرب
نُشر: 14/06/15 11:09,  حُتلن: 11:13

ماجد الشيخ في مقاله:

يهدف التحرك السياسي الجديد لنتنياهو إلى محاولة الوقوف في وجه انطلاق المبادرة الفرنسية التي ستعرض على الاجتماع العام للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول وتقدم مشروع اقتراح لمجلس الأمن بإطلاق مفاوضات إسرائيلية ــ فلسطينية مع تحديد جدول زمني للإعلان عن دولة فلسطينية

يبقى الالتباس الحاصل إزاء "حل الدولتين" على حاله على الرغم من استخدام موغريني في حديثها مع نتنياهو، تعبير "دولتين للشعبين" وهو التعبير المفضل إسرائيليا كونه ينطوي على اعترافٍ بإسرائيل "دولة يهودية"

فسرت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات أوباما بأنها تلميح لإمكانية عدم استخدام الفيتو ضد مشروع القرار الفرنسي في مجلس الأمن في الموضوع الفلسطيني

تعود المنطقة بكاملها ومعها الوضع الإقليمي والدولي لموسم من الرهانات المتجددة غير القابلة للصرف في سوق تعج بالاضطراب وعدم اليقين، في ظل مزيد من أشكال الصراعات المفتوحة على المجهول

تفادياً لغضب أوروبي، مترافقاً مع ضغوط محتملة، واستباقاً لوضع المبادرة الفرنسية موضع التنفيذ، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وضع نفسه هو وحكومته في وضع المبادرين إلى تبني ما سميت "مبادرة إقليمية"، أو الدعوة إلى استئناف المفاوضات، ولكن، من دون محتوى أو تطور يذكر، عما سبق من جولات تفاوضية، كانت جميعها تنتهي إلى الفشل، أو الإفشال المتعمد، وحين كان يجري إفراغ المفاوضات من أي محتوى، أو سمات تفاوضية؛ وكل ما كان يستهدفه مفاوضو الاحتلال إفشال المفاوضات، وعودة الكل وسلالهم فارغة؛ وهكذا دواليك، في كل جولات التفاوض التي أعقبت اتفاقات أوسلو.

وفي خطوة استباقية جديدة، وفي بداية عهد حكومته الائتلافية الرابعة، اقترح نتنياهو في لقائه مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، تحريك العملية السلمية والمفاوضات مع الفلسطينيين، عبر تحديد تخوم الكتل الاستيطانية التي ستبقى تحت سيادة إسرائيل، وترسيم حدود هذه الكتل بشكل يتيح مواصلة البناء الاستيطاني فيها. وبحسب صحيفة هآرتس (26/5)، بات نتنياهو الذي يخشى ازدياد الضغط الأوروبي على إسرائيل، خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النهائي مع إيران، في نهاية يونيو/حزيران الجاري، يحاول استباق الأمور باعتماده لهجة مرنة، وخلافاً لتصريحاته في المعركة الانتخابية، أنه يؤيد "حل الدولتين"، المشروط بالاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية". وها هو يسعى، بهذه اللهجة وهذا الخطاب، إلى تفادي غضب أوروبي، ووقف مساعٍ ومقترحات أوروبية، لوضع علامات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية.

لهذا، يهدف التحرك السياسي الجديد لنتنياهو، إلى محاولة الوقوف في وجه انطلاق المبادرة الفرنسية التي ستعرض على الاجتماع العام للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، وتقدم مشروع اقتراح لمجلس الأمن، بإطلاق مفاوضات إسرائيلية ــ فلسطينية، مع تحديد جدول زمني للإعلان عن دولة فلسطينية.
وفي تفارق واضح بين مفهوم السيادة وتعبير السيطرة، وبحسب "هآرتس"، أبلغ نتنياهو المسؤولة الأوروبية "من الواضح لي أن هناك مناطق (في الضفة الغربية) ستبقى في أي اتفاق يتم التوصل إليه، تحت السيادة الإسرائيلية، تماماً كما أن مناطق ستبقى تحت السيطرة الفلسطينية، وبالتالي، يمكن التقدم للتوصل إلى تفاهمات بشأن الأماكن التي يمكن مواصلة البناء فيها، لأنها ستبقى، في كل حال، تحت السيطرة الإسرائيلية". وهذا بالتحديد ليس حلا، ولا يرقى، في مطلق الأحوال، إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية.

على الرغم من ذلك، يبقى الالتباس الحاصل إزاء "حل الدولتين" على حاله، على الرغم من استخدام موغريني، في حديثها مع نتنياهو، تعبير "دولتين للشعبين"، وهو التعبير المفضل إسرائيليا، كونه ينطوي على اعترافٍ بإسرائيل "دولة يهودية"، وإن لم يعن ذلك إسرائيليا، خصوصا في ظل حكومة ائتلاف يميني متطرف، إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة من أي نوع، لا وفق حدود العام 1967، ولا وفق فكرة تبادل أراض وسكان، ولا وفق أي صيغة من الصيغ المتداولة.

يجري هذا كله فيما تفيد تقديرات استخبارية إسرائيلية بأن قيادة السلطة الفلسطينية لم تعد تؤمن بأن المفاوضات مع إسرائيل يمكن أن تحقق نتائج، ولا تتوقع أن تحرز المفاوضات أي تقدم في العملية السياسية، لهذا تتجه للمؤسسات الدولية. وبحسب صحيفة هآرتس (الثالث من يونيو/حزيران الجاري)، إن هذه هي التقديرات التي تبلورت في معظم الأذرع الاستخبارية في إسرائيل، على خلفية تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، وبحسب تلك التقديرات، تتجه السلطة الفلسطينية إلى تبني سياسة مواجهة غير عنيفة مع إسرائيل، مع محاولة النيل من مكانتها الدولية، ولن تقتصر جهودها على الأمم المتحدة، بل ستمتد إلى كل لمؤسسات الدولية.
هذا في وقت يشير تقرير الصحيفة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية لا تلحظ وجود خطر حقيقي لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في الأشهر القريبة، وكتبت أنه يبدو أن السلطة تفضل خوض الصراع في المسار السياسي الدبلوماسي في المحافل الدولية، ودعمه، عند الحاجة، بمظاهرات شعبية تحت السيطرة.
أميركيا، لا يبدو أن هناك كبير انسجام، في ما يتعلق بالمفاوضات والتسوية في المنطقة بين نتنياهو والرئيس الأميركي، باراك أوباما، ففي مقابلة مع القناة الإسرائيلية الثانية سجلت في البيت الأبيض أخيراً، ذهب الأخير إلى إنه في ظل الجمود في العملية السياسية، والشروط التي يطرحها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بكل ما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية، فإن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في مواصلة الدفاع عن إسرائيل أمام مبادرات أوروبية في الأمم المتحدة. وقال أوباما إن نتنياهو "حدد شروطاً كثيرة، إلى درجة أن التفكير في تحقيقها في المستقبل القريب غير واقعي. والخطر الناتج من ذلك أن تفقد إسرائيل مصداقيتها"، مضيفا أن "المجتمع الدولي بات لا يثق بأن إسرائيل جادة في نياتها تجاه حل الدولتين"، مضيفا أن "تصريحات نتنياهو تعزز الادعاء بأنه لا يوجد التزام حقيقي". وفسرت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات أوباما بأنها تلميح لإمكانية عدم استخدام الفيتو، ضد مشروع القرار الفرنسي في مجلس الأمن في الموضوع الفلسطيني. وعلى الرغم من ذلك، قال أوباما، عن العلاقات الإسرائيلية ــ الأميركية، إن "العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل عميقة، وهذا لن يتغير. أنا أقل قلقا من عدم الاتفاق مع رئيس الحكومة نتنياهو، لكنني قلق أكثر من السياسة الإسرائيلية المدفوعة بالخوف".
فلسطينيا، وفي حضور موغريني، جدّد الرئيس محمود عباس شروطه للعودة إلى المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى "ضرورة وقف الاستيطان، والإفراج عن الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، وقبول دولة فلسطينية على حدود 1967". وفي مؤتمر صحافي بعد اجتماع موغريني بالرئيس الفلسطيني، قال صائب عريقات "نبذل كل جهد ممكن لإنقاذ السلام، فهناك تعاون كبير مع اللجنة العربية المكلفة ببحث مشروع قرار جديد في مجلس الأمن الدولي، وكذلك جهودنا في المحكمة الجنائية الدولية أو غيرها، فكل ما نبذله من جهد الآن للحفاظ على خيار (حل الدولتين)، أمام حكومة إسرائيلية اختارت لغة المستوطنات والإملاءات والاعتقالات والاغتيالات". وفي مجال السلوك الإسرائيلي، لفت عريقات إلى إعلان حكومة نتنياهو عن ثلاثة عطاءات استيطانية في شعفاط وجبل أبو غنيم والقدس الشرقية، وأن وزيرة التعليم نقلت مكتبها إلى القدس الشرقية، في مخالفة فاضحة للقانون الدولي، وقال إن ذلك يحدث فيما يتحدث نتنياهو عن القدس عاصمة وحيدة لما سمّاه الشعب اليهودي، "وهذا إنكار لحقوق الديانات السماوية الإسلامية والمسيحية، وبالتالي، إنكار لكل ما قامت عليه العملية السلمية".

وفي لعبة الروليت الروسية هذه، التي تتعلق بالتسوية التفاوضية غير المحددة، لا في مآلاتها الزمنية، ولا في مرجعياتها، يبدو أنه بات من الاستحالة حل أو فك رموز الكلمات غير المتقاطعة، بل المتراكبة فوق بعضها، وإذ يجري التعويل على الجهود الأوروبية، فلسطينيا وعربيا، إلا أن الموقف الإسرائيلي يبقى يلعب وحيدا، ويغرد بعيدا، عن تلك الجهود، حتى وهو يطرح، كما جاء على لسان نتنياهو، فكرة تعديل المبادرة العربية، وهي التي لم يعلن عن قبولها يوماً، منذ طرحت قبل 13 عاما، ما يعني أن نتنياهو بصدد اعتماد نهج سياسي وإعلامي مناور ومماطل مرة جديدة. في ظل إعلان صريح بالتهرب من استحقاقات حكومته الائتلافية الجديدة إزاء الملف الفلسطيني، واختراع مهمة بديلة، كالملف الإيراني الذي يأمل أن يكون طريقه نحو إيجاد محور تحالفي جديد، بين حكومته ومجموعة من الدول العربية، تبعدهما عن بذل جهود حقيقية وجدية لتعميق حل الصراع، واستبدال كل ذلك بالحفاظ على استاتيك إدارته، تمهيدا للوصول إلى ما يسمى "اتفاق صلح إقليمي"، يقوم على تعاون مشترك، ويتأسس على تبني "مبادرة إقليمية"، لم تتضح ملامحها بعد، عمادها الأفكار الإسرائيلية نفسها التي تدور في ذهن نتنياهو.

هكذا مرة أخرى ومن جديد، تعود المنطقة بكاملها، ومعها الوضع الإقليمي والدولي، لموسم من الرهانات المتجددة، غير القابلة للصرف، في سوق تعج بالاضطراب وعدم اليقين، في ظل مزيد من أشكال الصراعات المفتوحة على المجهول.

* نقلًا عن العربي الجديد اللندنية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة