الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 12:02

إسرائيل دولة دكتاتورية/ بقلم: وليد أبو تايه

كل العرب
نُشر: 15/04/15 22:04,  حُتلن: 07:42

المحامي وليد أبو تايه:

الديمقراطية ملتزمة بالحفاظ على القانون الدّولي ذي الشموليّة ووجهة النّظر الواسعة

الدّيمقراطية تتكوّن من تيارات وجهات نظر أيدلوجية وتعدّد القيم المختلفة والمتناقضة احترام الآخر تحمّل الآخر والتسامح

مبادئ وأركان الديمقراطية: احترام حقوق الانسان، احترام حقوق الاقليات، احترام القانون الدّولي، احترام عقائد الاخر، وثقافته. ومن هنا فإنّ الحرّية والعدالة هي مطلب انسانيّ لكل الشّعوب، وعليه فالدّيمقراطيّة الحقيقيّة لا يمكنها أن تنتج إلّا من اللاعنف

كما كتبنا في وقت سابق 11.3.2015، أسبوع قبل الانتخابات إنّ " السّبب الحقيقي للانتخابات الاسرائيليّة هو يهوديّة الدّولة والقضيّة الفلسطينيّة"، وتوقّعنا ورأينا فوز نتنياهو الذي أراد الحصول على مصادقة من جديد واستفتاء ودعم الشّعب له، على الرّغم من توقعات معاهد الاستطلاعات والمراكز الاستراتيجيّة السّياسية بفوز حزب العمل والمعسكر الصهيوني، وبهذا يكون قد حصل على توكيل من أجل الاستمرار بالمفاوضات العبثيّة والاستمرار بالاستيطان الذي سوف يؤدّي خلال فترة حكمه الجديدة، إلى ضمّ المنطقة "ج" من أراضي الضّفة الغربيّة إلى اسرائيل كما ضمّت هضبة الجولان سنة 1981، بادّعاء وجود اكثريّة يهوديّة 90% مستوطنين مقابل 10% فلسطينين من الفلاحين على حد تعبيرهم. والمنطقة "ج" تشكّل 85% من مساحة الضّفة الغربيّة، بحيث تبقى السلطة الوطنيّة الفلسطينية، "سلطة بلا سلطة" كما قالها الرّئيس أبو مازن، في المدن الرّئيسية في رام الله، نابلس، جنين، بيت لحم والخليل. وتأكيدًا على ذلك، ما قاله نتنياهو في يوم الانتخابات من عدم قيام دولة فلسطينية وخجل من قول الحقيقة كاملة عن نيّة ضمّ المنطقة "ج" لإسرائيل. (كلام يفهم عندما يقال، وكلام يفهم عندما لا يقال).

وعلى المستوى الداخلي في اسرائيل فسوف يحاول نتنياهو تمرير القانون الدستوري "إسرائيل دولة قوميّة للشعب اليهودي"، إذا لم يواجه معارضة شديدة من بعض الأحزاب الدّينية ومن بعض بقايا القوى الدّيمقراطية والسّياسيّة ذات الحساسيّة للقيم الدّولية والعلاقات الدّولية مع الغرب، وذلك كما حصل بالثورة القانونية عند المصادقة على القانون الدستوري، "قانون أساس: قيمة الانسان وحريته" سنة 1992، حيث عرفت دولة اسرائيل بدولة يهودية وديمقراطية دون معارضة عربيّة داخلية (بالتّأكيد كانت معارضة من بعض أعضاء الكنيست العرب، ولم تكن ضجّة شعبيّة مناهضة ضدّ هذا القانون).

هاتان القضيتان قضيتان وجوديتّان بالنسبة لاسرائيل والشّعب الفلسطينيّ في الدّاخل والضّفّة الغربية، وهي برهان قاطع على أنّ اسرائيل دولة غير ديمقراطيّة بل هي بالتأكيد دولة دكتاتوريّة الأغلبيّة. وتذكّرنا بدكتاتوريّة هتلر الذي ضمّ إقليم سودتيSudety)) من دولة تشيكوسلوفاكية حسب اتّفاقية ميونخ سنة 1938 بادّعاء وجود اكثريّة المانيّة في هذه المنطقة من تشكوسلفاكيا، تماما مثل الاكثرية اليهودية في المنطقة "ج" كما ذكر أعلاه، والتي يذكرها ويستشهد بها نتنياهو (لغايات في نفس يعقوب)، والتي كانت أحد الأسباب الرّئيسية لاندلاع الحرب العالميّة الثّانية.

الحكومة والكنيست تسن قوانين وقرارات عنصرية تحت غطاء الاغلبية الدكتاتورية، فالشعب الفلسطيني داخل اسرائيل يعيش تحت دكتاتوريّة الاغلبيّة اليهوديّة، والذي يعرف دولة اسرائيل بدولة يهودية وديمقراطية، ايّ أنّ فحوى ومضامين الدّولة وهدفها اليهودية، وغير اليهود يحصلون على فضلات وبقايا هذا المنتوج والانتاج وما يتبقى من محصّلة خدمة اليهودية، ولم ولن يكوّنوا مضمونا قائما بحد ذاته (حاضر غائب، شفاف).

وهكذا كانت جميع حكومات اسرائيل منذ سنة 1948، تتكون من ائتلاف من أحزاب يهودية صهيونية، وهذه الاغلبية سنّت وتسن قوانين من أجل خدمة الاغلبية اليهوديّة، وتحصر وتخنق الحقوق والحريات للاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل. مثل قانون الحكم العسكري الذي فرض حتى سنة 1966، القانون الذي منع اللقاء مع منطمة التحرير الفلسطينية، قانون النكبة، قانون العودة وغيرها. هذا إضافةً لسياسة هدم البيوت، سياسة تهويد الجليل والنقب، سياسة القرى غير المعترف بها، سياسة تقليص مسطح القرى والبلدات العربية، سياسة مصادرة الأراضي العربية. سياسة عدم بيع أراض من قبل أراضي اسرائيل (الكيرن كييمت)، وعدم الاستثمار في المناطق العربيّة، وتفضيل المصالح اليهودية على المصالح العربيّة. لذلك فهذه الديمقراطية اليهودية هي بالواقع دكتاتورية الاغلبية.

نتنياهو هو دكتاتور متنور (דיקטטור נאור، benevolent dictator)، هو تعريف لشخص صاحب صلاحيّات وسلطة لمصلحة فئة وقسم من المواطنين، وليس كل المواطنين (الشعب اليهودي)، وليس لمصلحتة الشّخصية مثل الدكتاتورين العرب، ويفرض ويفضّل مصلحة الأغلبية اليهوديّة ويتجاهل مصلحة الاقلية. دكتاتور متنوّر يحرّض ضدّ 20% من مواطني دولة دكتاتورية الأغلبية عندما يطلب في يوم الانتخابات من الأغلبيّة اليهوديّة الذّهاب للتصويت لأنّ العرب هجموا على صناديق الاقتراع.

تعريف دولة اسرائيل بيهودية وديمقراطية، يعني الشيء ونقيضه، (אוקסימורון، oxymoros)، مثل قول سكوت صارخ، سرّ مكشوف، قريب بعيد، نبيذ جاف، كان وما كان، نظام عشوائي، دكتاتور متنور، هكذا فعندما نقول دولة يهودية لا يمكن أن تكون دولة ديمقراطية، لأنّ اليهوديّة نقيض الدّيمقراطية والعكس صحيح، الديمقراطيّة نقيض اليهوديّة.

دولة يهودية هو تعريف توراتي تلموذي حسب الشريعة اليهوديّة وهو نقيض التعريف لمعنى الديمقراطية الحديثة، لذلك ومن أجل أن تحصل على المساواة وهي جوهر الديمقراطيّة يجب أن تكون يهوديا، وغير اليهودي يجب عليه تغيير دينه للحصول على المواطنة الكاملة، بينما في الدول الديمقراطية، فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة يمكنك الحصول على المواطنة الكاملة دون تغيير دينك. وجوهر أساسيّ آخر للديمقراطية هو منح الحقوق الجماعية للأقلية، فالدّولة اليهودية لا تعترف بوجود الأقليّة الفلسطينية، دولة إسرائيل تعترف بوجود فردي لأشخاص غير يهود يخدموا الاكثريّة اليهودية في هذة المرحلة من أجل بناء الدّولة اليهوديّة.

الدّيمقراطية تتكوّن من تيارات، وجهات نظر أيدلوجية وتعدّد القيم المختلفة والمتناقضة، احترام الآخر، تحمّل الآخر والتسامح. الديمقراطية ملتزمة بالحفاظ على القانون الدّولي ذي الشموليّة ووجهة النّظر الواسعة، وهو غير منحاز وكوني. يأتي القانون الدولي من أجل تنظيم العلاقة بين الدّول وبين مجموعات بشرية ذات مصالح وقيم مختلفة. وبنفس الطريقة تنظم الديمقراطية بين أشخاص ذوي مصالح، قيم ووجهات نظر مختلفة، ومن هنا تنبع أهميّة ومكانة القانون الدّولي عن القانون المحلي الدّاخلي وفي حالة تناقض بين القانون الدولي والقانون المحلي، تكون الأفضلية للقانون الدّولي الانساني. مبادئ وأركان الديمقراطية: احترام حقوق الانسان، احترام حقوق الاقليات، احترام القانون الدّولي، احترام عقائد الاخر، وثقافته. ومن هنا فإنّ الحرّية والعدالة هي مطلب انسانيّ لكل الشّعوب، وعليه فالدّيمقراطيّة الحقيقيّة لا يمكنها أن تنتج إلّا من اللاعنف.

ولأهمية السّابقة التاريخيّة للتّجربة الماكدونية الألبانية نوردها هنا كما أوردناها سابقًا:
في سنة 1991 أعلنت الدّولة الماكدونية عن إقرار قانون يعرف ماكدونيا "دولة قوميّة للشّعب الماكدوني" وعلى أثرها عارضت الأقليّة الألبانية هذا القانون بصورة قاطعة، وادّعت أنّ هذا القانون يجعلهم مواطنين من الدّرجة الثانية ويبعدهم عن مركز القرار، وهذا الشعور بالتمّيز والعنصرية اشتدّ حتى سنة 2001 حينما وصلت نسبة الالبان الى 25% من نسبة السكان، ولم يحصلوا إلّا على 7% من الوظائف ومن الميزانيات ومن موارد الدولة. وبعد إعلان العصيان والدّخول في صراع مرير، وبعد تدخّل الاتحاد الاوربي وحلف الناتو، توصلا الجانبان إلى اتّفاقية سلام بين الحكومة المكادونية والألبان بعنوان "اتفاقية اوهريد"، التي تمنح الاقليّة الالبانية حقوقا جماعيّة بدون الانفصال عن الدّولة، مثل اعتبار اللغة الألبانيّة لغة رسميّة والحفاظ على الأرث الثّقافي والتربوي وضمان التمثيل النّسبي في جميع مرافق ومؤسّسات الدّولة ونصيبها من موارد الدولة. بالرغم من أنّ الأقلية الألبانيّة لا تعتبر أقلّيّة أصليّة مثل الاقلية الفلسطينية في اسرائيل Indigenous  People.

هذه السيناريوهات المتوقعة للحل في ظل تفكك العالم العربي والاسلامي وامام القوى الاقليمية الصّاعدة في الشرق الاوسط، اسرائيل، ايران وتركيا. فالسياسة الدّوليّة تعتمد بالأساس على القوّة بجميع مقوماتها السياسية، الاقتصادية، القانونية، سياسة اللاعنف والمصالح للشعوب والاقليات. وإذا أحسنّا استعمال اللعبة السّياسية يمكننا تغيير مسار هذة السيناريوهات، وتغير اسرائيل من دولة دكتاتورية الأغلبيّة اليهودية الى دولة ديمقراطية حقيقيّة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة