الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 05:01

واقع، ع صفحة ونص /بقلم:رزان بشارات

كل العرب
نُشر: 20/02/15 14:51,  حُتلن: 18:12

رزان بشارات في مقالها:

التنشئة الاجتماعية تلعب دورًا هاما في خلق هذا الوضع القائم وتُشكل مادة للتفكير السليم والنقدي لإحياء الضمير الحي ولتحقيق التطور المجتمعي الذي يبدأ مع التعمق بذاتنا ومعرفة الأنا

التنشئة الاجتماعية تلعب دورًا هاما في خلق هذا الوضع القائم وتُشكل مادة للتفكير السليم والنقدي، لإحياء الضمير الحي ولتحقيق التطور المجتمعي الذي يبدأ مع التعمق بذاتنا ومعرفة الأنا،ومن ثم عائلتنا

السُبل الى الحق هي ليست سهلة ولكن الاصرار والعزيمة والامل للتغيير والتقدم هما عاملان اساسيان لعقوبة المعتدي ولراحة وامان مجتمعنا

 

وقفَت ونظرَتْ بشدة الى القُضاة مع قوة وجرأة وقالت: "كُنت طفلة في العاشرة من عمري، إستَغَلَ برائتي، عفويّتي، وصمتي المُبرمج بآلة الغموض التي تُكهرب كياني بتلك التربية المربعة الذهبية التي تبعثُ اشارات صارمة لغلق نوافذ الاستقلالية والنضوج الفكري والتقدم". واضافت امام القضاة:"كان الموضوع سريا للغاية.. بدا لي الامر مؤلما في البداية .. وبعد ذلك بدأتُ استمتع وكأنها لعبة بيت بيوت، فكانت معلوماتي مهمشة وعالقة بين المرغوب والمسموح والذنب وبين النفس والجسد والعقل، حتى ضجرت من تفكيري الذي خوّل لي صلاحيات الانتقام من نفسي ومحاولة الموت" هكذا قالت امام القضاة. 
نظرت بشدة اقوى الى القُضاة وبجرأة اكبر هذه المرة لأن بعض الكلمات ضاعت مع الترجمة التي لا تتناسب مع السياق المطروح لان لغتها عربية والمُترجمة لهجتها مختلفة مما ادى الى تشويه الصورة وعدم اكتمالها..تابعت حديثها مع التعمق بذاتها المعرفية ولكنها في هذه المرحلة بدأت تثور على اهلها..
وقالت:"العلاقات الجنسية؟ الجنس !!! .. انه امر سري.. مخفي.. عيب .. ممنوع" .. وتابعت:"كل ما ادركه هو انني تعرضت لأذى له علاقة بالجنس. وكنتُ اعرف ان هنالك امورا  تُمارس بالخفية بين الازواج.. وان الفتاة عليها المحافظة على جسدها؟! لماذا ؟ وهو ؟! لا حاجة للمحافظة؟! اذاً مع من يمارس غرائزه؟!" قالت متسائلة. فعليها السكوت .. والصمت .. لانها عار .. وتقول مضيفة:" لكنني اي عار ارتكبت ؟! العار الوحيد الذي ارتكبته هو تنازلي عن القضية لأنه قريبي ولأن اهلي وأقربائي حثوني على القيام بذلك ولكنني الآن استيقظت وكأنني كنت بغيبوبة مع نفسي" قالت.
بدأت النيابة العامة بالتقدم والمرافعة، وطلبت منها التحدث بدقة اكبر وبدا الامر محرجا حيثُ اقتحم معالم الحادثة وجزيئات ذاكرتها التي حاولت جاهدة الهروب منها.. والآن يُطلب منها التحدث بذلك الموضوع السري المخفي امام قضاة ووجوه تتفحص حقيقة مشاعرها..
تابعت: "كان يردد بصوت قوي في العَلن: " سرك معي"، كانت تخيفني تلك الكلمات .. ولكنني لا اعلم السبب .. لا اعلم لماذا .." قالت.
وكأنه بتلك الكلمات يُكبل حريتها، ويأسرها داخل غرائزه واعماله المشينه ..
استمرت المحاميّة التي تُرافع عن المُغتصب والمتحرش وسألت الضحية ذلك السؤال الثمين الذي تدفعه النساء في مجتمعنا، ثمن الصمت والكتم والضمير الانساني والحرية... وسألت المحامية "هل غشاء البكارة أمر مهم في مجتمعك العربي ؟! هل مارست الجنس مع آخر ؟ وهل كانت لك علاقات سابقة؟"..وكأن غشاء البكارة يلعب دوراً حاسما في الاقرار بمصير المُعتدي. حيثُ كانت الامور تتداخل لأنها عربية وفلسطينية تحمل بعض العادات والتقاليد التي ترافع عنها امرأة لا تشعرها.
تحدثت وقاومت ونهضت وأرادت اختراق ذلك النمط الاعتيادي وقالت: "اريد أخذ حقي". تَعبت من الاستجوابات ولكنها تألقت في الإجابات، خَشَت النظر في عينيه ولكنها صافحت الأفق البعيدة بمشاعر النجاة، صُدمت من الاقوال السلبية ولكنها تأملت أكثر بالأفكار الايجابية، قذفت الذل والقهر وتذوقت التفاؤل والامل".

وقالت: " فرصتي الوحيدة هي اليوم .. "

التنشئة الاجتماعية تلعب دورًا هاما في خلق هذا الوضع القائم وتُشكل مادة للتفكير السليم والنقدي، لإحياء الضمير الحي ولتحقيق التطور المجتمعي الذي يبدأ مع التعمق بذاتنا ومعرفة الأنا، ومن ثم عائلتنا للوصول الى مجتمعنا وجميع دوائر الانتماء التي تشكل الادآة المركزية لزخرفة عقولنا، افكارنا ومنهج حياتنا.
السُبل الى الحق هي ليست سهلة ولكن الاصرار والعزيمة والامل للتغيير والتقدم هما عاملان اساسيان لعقوبة المعتدي ولراحة وامان مجتمعنا الذي لا يزال يكتم الموضوع ويخفيه في طيات الزمن.
علينا البدء بالحد من هذه الظواهر ويتم ذلك عند النَظر الى الامكانيات جميعها والخروج من المُكعب المجتمعي، الامكانيات التي لا تقتصر فقط على الاختيار ما بين السيء والأسوأ وانما اختيار اضافي جديد لا يخرس صوت الحق، ويؤمن بالانسانية والعدالة والحياة الكريمة .

رزان بشارات / متطوعة وناشطة في مركز مساعدة ضحايا العنف الجنسي والجسدي – جمعية نساء ضد العنف.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة