الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 23:02

فصل في وهم الانتخابات ومسرح الدمى /بقلم:رافي مصالحة

كل العرب
نُشر: 16/01/15 09:59,  حُتلن: 10:57

رافي مصالحة في مقاله:

انطلقت صافرة سباق الحواجز (وسط هتاف المشجعين المترقبين) نحو مركز اول أو ثان ينتهي عشية الانتخابات

ما اشبه انتخابات اسرائيل بكرنفال الخطيئة البرازيلي الذي تنكشف خلاله الحقيقة البشعة للاهثين وراء الامجاد الوهمية بكامل عريها

في كل بقاع الكون المتحضّرة يطلّ مندوبو الشعب على الملأ ببرامج انتخابية تسرد انجازاتهم الحقيقية ونتاج عملهم وتلقي الضوء على ما احدثوه من تغيير أثناء الحقبة التي خولهم فيها الشعب بأصواته في صناديق الاقتراع

ها هم رجالات الاحزاب الصهيونية العرب يفاخرون بوقاحة غارقة بالخزي بانتمائهم لجماعات صبت ويلات حقدها على اهلنا في الضفة وغزة على مدى الاعوام فعاثت فيها الفساد والخراب والبطش بالاطفال والابرياء

حكمت آلهة الاولمبوس على سيزيفوس أن يرفع صخرة عظيمة إلى أعلى الجبل، ثم يدحرجها للأسفل، ويعود ليرفعها ويدحرجها، هكذا إلى الأبد. ونحن كلنا مثل سيزيفوس، نصحو، نعمل، نأكل، ننام، ثم نصحو...دون أن نفكر في كنه حياتنا ومعناها. وقد ألهمت قصة سيزيفوس كُتّابا كألبير كامي وسارتر ليبحثوا في مدى تفاهة الحياة وانعدام معناها. وفي سياق الانتخابات الاسرائيلية، تقوم احزاب عربية، تطلب اصواتنا، ننتخبها، ثم تحلّ زوبعة إنتخابية جديدة ويعودوا للغزل الاباحي للصوت العربيّ، ولا ننتبه أن نتساءل مرّة : ما معنى هذه الانتخابات لنا، ما حقيقتها وما مدى تفاهتها بالنسبة لكل منا ؟.

في ذروةِ الموسم الإنتخابيّ الإستعراضيّ الكوميديّ لِساستِنا الورَقيّين، تشعرُ وكأنّ دبباً قطبيةً أفاقت لتوّها من سباتها الشتويّ، وتلك الوُجوه التي اعتدناها لسنواتٍ كظواهر طبيعيةٍ تطرأ عُنوة على مناخ حياتنا بين مهرجان ومهرجان أو واجهة كل مسيرة وأخرى (بوضعية تشابك الايدي المقيتة التي تصرخ زيفا ونفاقا) دون أن تترك أثراً يُذكر في ذاكرة أيّامنا، كغيماتٍ صيفيةٍ زائلةٍ أو أوراقٍ ذاويةٍ تذروها رياحُ الخريف الى الضّياع.

هل حقاً ما نحتاج اليه فعلا في ايامنا التعيسة الحالكة هذه الى نجوم استعراض ومهرّجين ؟.

في كل بقاع الكون المتحضّرة يطلّ مندوبو الشعب على الملأ ببرامج انتخابية تسرد انجازاتهم الحقيقية ونتاج عملهم وتلقي الضوء على ما احدثوه من تغيير أثناء الحقبة التي خولهم فيها الشعب بأصواته في صناديق الاقتراع ليكونوا لسان حاله ورسوله الذي يجسّد همومه أمام السلطة. ثم تصيغ برنامجا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يكون نصب عيني المنتخب كي يدرك في قرارته وجهة رسوله الآتي في البرلمان.

لكن في بلادي التعيسة الطاعنة بالحُزن، انطلقت صافرة سباق الحواجز (وسط هتاف المشجعين المترقبين) نحو مركز اول، أو ثان ينتهي عشية الانتخابات، وفي صبيحة اليوم الذي يليها تعود حبال نور الشمس لتوقظ التعساء الى فجر جديد من البؤس والشقاء، لا (ولن) يختلف عما سلف وسبقه. الهموم هي الهموم، وعدا ملصقات الانتخابات وصور المرشحين التي زادت من حدة أزمة النفايات في شوارعنا وجدراننا، لا حدث يستحق أن نلقي له بالا، ونظل ننتظر قدوم "غودو" الذي لن يأتي ابدا، عاتبين على سامويل بيكيت إغراقنا في متاهة الانتظار الابديّ.

والفائزون بكؤوس السباق سيعودون إلى أنفسهم. أنفسهم فحسب. إلى تشابك الايدي في مقدمة المسيرات، والتزاحم امام كاميرات الصحافة الهابطة، ولثرثرة والاستعراض والتهريج التقليدي. الهي : أَعِنّي على ان افهم كيف يتجند مئات الآلاف من بني قومي، يختصمون، ويرقصون ويميلون طربا في عرس لا يعنيهم، كي يصل الى برلمان اسرائيل حفنة من الانتهازيين الذين لا يعرفون الا خدمة ذاتهم ولا نحسّ بوجودهم فترة خمس سنوات ؟.

لا ادري من اين تنبع هذه الجرأة التي تصل حد الوقاحة بالتلاعب بعقل المواطن العربيّ ؟. لقد ازاحوا بؤرة اهتماماتنا إلى طرفةٍ يعتريها الحزن واللوعة عنوانها "وحدة الصف" ومضمونها تقسيم وترتيب مقاعد يذكرنا بقسمة جسد الفريسة بين صيادي العصور الحجريّة، نجومها هرئون صدئون امتهنوا السفسطة الرخيصة، ونجحوا بجدارة بإغفال أذهان الناس قضاياهم الحقيقية الملحّة كالعنف المستشري في جسد المجتمع كالسرطان، وفض النزاعات بمنطق الهراوة والقتل والنهب وانتهاك حرمات الأرواح والاملاك، وانعدام الأمن وفوضى السلاح وأزمات المسكن المتفاقمة وهدم البيوت وسلب الاراضي واكتظاظ المسطحات العمرانية التي تأبى منذ عصور أن تتسع والتقهقر الثقافي وتدني التحصيل العلمي وضيق الحال وتنامي العنصرية وتكالب رموز السلطة وأذرعها العسكرية والشرطية على البشر، حتى صار قتل الابرياء في العشيّ والإبكار حدثا عابرا يتذيل الصحف بخط لا يكاد أن يُقرأ، وحبس كل من سولت له نفسه من شبابنا التحرر ورفض الانصياع لمسوغات العمالة والخروج عن المسلّمات والانقياد خلف القطيع، والمجالس البلدية الفاسدة باداراتها، والقضاء المجحف، واستحداث القوانين التي ترمي الى محو كياننا وهويتنا وموروثنا التراثي في هذه الارض. كل ذلك الى جانب الاحتلال المجرم الذي سفك الدماء وهدم البيوت وخنق البشر في اضخم سجون الدنيا.

ماذا فعل ممثلونا قي برلمان اسرائيل طيلة عشرات سنين مضت فيما يخص أوجاعنا ومعاناتنا ؟ أين مردود عملهم وبماذا تغير الحال - وانت تقرأ هذه السطور- عنه قبل اربع او خمس بل قبل عشر سنوات ذهبت ؟. هل سيطرأ فرق في حياتنا بين وجود ممثلينا في البرلمان وبين عدمهم ؟. نحن نتحدث هنا عن مخلوقات ضبابية لا كيان لها، كتماثيل الشوكولاته التي نحرص إبقاءها في ظلمة دُرجِ التجميد كي لا تنصهر أمام نور اشمس.

ما اشبه انتخابات اسرائيل بكرنفال الخطيئة البرازيلي الذي تنكشف خلاله الحقيقة البشعة للاهثين وراء الامجاد الوهمية بكامل عريها، وما أن تضع أوزارها حتى تزدحم شوارع جنيرو بالوسخ وباللقطاء. فها هم رجالات الاحزاب الصهيونية العرب يفاخرون بوقاحة غارقة بالخزي بانتمائهم لجماعات صبت ويلات حقدها على اهلنا في الضفة وغزة على مدى الاعوام فعاثت فيها الفساد والخراب والبطش بالاطفال والابرياء، وها هي الحركة الاسلامية الجنوبية تتحفنا بنكتة العصر: يتشدقون بآيات القرآن الكريم والاحاديث النبوية وأحكام الشورى في غمرة شرعية تمرغهم في وحل انتخابات لبرلمان صهيوني في دولة الشعب اليهودي وبيته القومي ويقسمون فيه الولاء لاسرائيل وعلمها وشعارها وقوانينها التي لا نعرف أي مذهب شرعي تتبعه هذه الحركة يجيز الانصياع لها ؟ أي حالة من التناقض الذاتيّ يعيش هؤلاء في صلب عقيدتهم المتهاوية الآيلة للسقوط ؟.

وأمام هذا الواقع، كيف لك ألا تسأل: أليس من الشرف لنا أن نترك هذه الساحة البغيضة، ونترفع عن عار الخوض في لعبة ليست لنا أصلا ؟.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة