الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 06:01

رحلة لن تنتهي - بقلم الشاعرة والكاتبة اللبنانية: مريم مشتاوي

كل العرب
نُشر: 04/01/15 16:47,  حُتلن: 20:16

في 28 ديسمبر من سنة 2007 كنت في مستشفى كبير يدعى نورثويك بارك في الطابق الأكثر بهجة....
هناك في الغرفة المنعزلة عن قسوة العمر لمستني يدك الصغيرة للمرة الأولى... وعرفت أنها عجيبتي... شعور لم يكن بوسعي تفسيره للآخرين يومها...
وبعدها كان علي أن أدخلك الحضانة لأعود إلى عملي في الجامعة ... وصلنا المبنى ودخلت مترددة ... استقبلتنا المسؤولة بابتسامة عريضة روتينية ترسمها تلقائياً مع مجيء كل طفل جديد.. وكانت تتوقع أن أسلّمك إليها وأخرج بسرعة إلى عملي... ولكني تسمَّرت مكاني محاولة كسب دقائق جديدة معك أو كأني كنت أحاول تقليص الوقت الذي سيبعدني عنك...
ولكن المسؤولة لم تلبث أن طلبت مني المغادرة .. خرجت رغماً عني وكنت أمشي بخطوات متمايلة وكأني فقدت جزءاً مني حين ابتعدت عنك وذاك الجزء أفقدني توازني... ركبت السيارة ولكني لم أحرّكها ... كان بكاؤك في أذني وأنت تحاول أن تحرر جسمك الصغير من قبضة المربية ... كيف انتشلتك مني... وكيف تركتك ومشيت...
تلك الأفكار كادت تفقدني صوابي...
وشعرت بأن كل شريان في قلبي كان يعتصر ألماً...
فقررت أن أبقى في السيارة حتى يحين موعد خروجك من الحضانة ... واتصلت بالجامعة واعتذرت عن المجيء إلى العمل مدعية أنني مريضة وحرارتي مرتفعة جداً...
وكالمجنونة بدأت أتصل كل ربع ساعة لأطمئن عليك.. وفي كل مرة ترد المسؤولة أخترع حجة تبرر اتصالاتي المتواصلة... إلى أن سألتني مسؤولة الحضانة بصوت يشبه صوت الكاهن على كرسي الاعتراف : سيدة مريم .. أين أنت؟
شعرت أنها كشفت مخبئي فأجبتها وأنا أجهش في البكاء:
مدام وايت : لم أغادر...مازلت في السيارة في موقف المواجه للحضانة...
فقالت لي: أرجوك أن تصعدي أريد التكلم معك...
طرت إليها ... ووجدتها في انتظاري أمام باب الحضانة وهي تحملك بين ذراعيها.. وقالت لي بصوت حنون:
هذا طفلك خذيه واذهبي إلي البيت أنت لست مستعدة نفسياً في الوقت الحالي أن تبتعدي عنه وهو لم يتوقف عن البكاء منذ خرجت رغم محاولاتي الكثيرة لتهدئته...
ضممتك إلى صدري وشكرتها لأنها حررتني من آلامي...
أين أنتِ اليوم يا مدام وايت؟ فأنا لم أتغير ولم أستطع الابتعاد عنك حتى بعد رحيلك في سنة 2013...
لمَ لا تستدعيني للمجيء من جديد؟
اليوم في 28 من شهر ديسمبر سنة 2014 أجلس أمام الكيك الكبير وأضع صورتك أمامي وأحتفل بوجعي وحيدة... وكلانا يعرف لمَ يدك الصغيرة ستبقى دوماً
" عجيبتي"!

 * مريم مشتاوي - شاعرة وكاتبة لبنانية تحمل الجنسية البريطانية

مقالات متعلقة