الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 18:01

فلسطين: تاريخ شخصي وتقاطعات عائلية وسياسية/ بقلم: جوني منصور

كل العرب
نُشر: 11/11/14 16:02,  حُتلن: 16:15

جوني منصور في مقاله:

يستعرض كارل صباغ في كتابه تاريخ فلسطين منذ فجر التاريخ وصولاً إلى مرحلة الصراع الصهيوني – الفلسطيني/العربي

يؤكد كارل صباغ أن حق العودة للفلسطينيين هو موضوع ليس للمساومة في أسواق ودكاكين الساسة والسياسة

حق عودة الشعب الفلسطيني هو تأكيد لعلاقتهم بأرضهم ووطنهم واحتلال هذا الوطن عنوة هو دليل قاطع لعدم أحقية المحتل في هذه الأرض وهذا الوطن السليب

يبقى تاريخ فلسطين، بل القضية الفلسطينية بمفهومها الأوسع الأكثر جاذبية للسياسيين والباحثين في أنحاء مختلفة من العالم على حد سواء لكونها أولاً وأخيرًا مسألة عدالة مفقودة، متمسك بها الشعب الفلسطيني، ومحاولات تشويه هذه العدالة وأسسها بأدوات صهيونية، كما تفعل اسرائيل وحكوماتها ومؤسساتها.



لكن بالرغم من كونها قضية عدالة، فإنها أيضًا قضية سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية، وأيضًا قضية عائلية تخص كل عائلة فلسطينية تهجرت عن أرضها ووطنها، أو بقيت فيه.
"فلسطين: تاريخ شخصي" هو عنوان كتاب بقلم كارل عيسى صبّاغ الصادر بحلة عربية جميلة في 2013 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بعمان – بيروت، والتي يديرها الاستاذ ماهر الكيالي. الكتاب بترجمته العربية والتي نفذها محمد زيدان، بصورة جيدة ومثيرة أيضًا (ما عدا ترجمة بعض اسماء مواقع في فلسطين)، حاول من خلالها تطويع الانجليزية للعربية بروح عربية صرفة.
كارل صباغ مؤلف الكتاب عمل في الانتاج الاعلامي والتلفزيوني، إلى حين تقاعده رسميًّا قبل سنوات قليلة، تُرافقه طيلة عمره وهو ابن 72 الآن، القضية الفلسطينية. وقلة من ابناء فلسطين لا ترافقهم هذه القضية، إنها هم وليست آخرين. وكارل هو ابن عيسى صباغ أحد أبرز مذيعي ومقدمي برامج بي.بي.سي خلال الحرب العالمية الثانية، وما بعدها، إلى ان تركها مغادرًا إلى الولايات المتحدة ليعمل في إذاعة صوت امريكا ردحًا طويلاً من الزمن تاركًا بصماته على نوعية وجودة تقديم البرامج الاخبارية والسياسية. وكان أيضًا مرافقًا لعدد من سياسيي الولايات المتحدة ككيسنجر وكارتر وغيرهما.
يقوم كارل صباغ برحلة البحث عن جذور عائلته في فلسطين، وتحديدًا في شمالها حيث انطلقت مسيرة العائلة من مدينة صفد في ايام الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل، الذي استوزر ابراهيم الصباغ مؤسس العائلة. ابراهيم الصباغ شخصية مثيرة للاهتمام في المشهد التاريخي الفلسطيني، لأنه وضع الأسس الإدارية لأجهزة مختلفة في المنطقة، وكانت كلمته حاسمة في أوساط الشيح ظاهر. واكتنزت عائلة الصباغ كنوزًا مالية ومجوهرات واقتنت الاراضي في صفد وطبريا وعكا وغيرها. وبعد تصفية ظاهر العمر توزعت العائلة في مواقع شتى في فلسطين، فمنهم من وصل إلى عكا، ودير حنا والبقيعة وحيفا. ومنهم من تشرد في العام 1948، أمثال حسيب صباغ الذي كانت له ايادي بيضاء في خدمة الشعب الفلسطيني بخاصة والعربي بعامة، ولا تزال مشاريعه العامرة تشهد على ذلك، وقد ابتدأ مسيرته وانطلاقته من حيفا إلى جانب اميل البستاني وكامل عبد الرحمن. ولا زالت فروع من العائلة تقيم في الجليل وحيفا على وجه الخصوص.
يستعرض كارل صباغ في كتابه تاريخ فلسطين منذ فجر التاريخ وصولاً إلى مرحلة الصراع الصهيوني – الفلسطيني/العربي. ففي تطرقه إلى هذا الجانب يكشف وبطريقة دبلوماسية رائعة، كيف أن ربابنة الحركة الصهيونية قد روجوا بتلفيق محكم افكارًا عن ان فلسطين فارغة من اي شعب، ولا يعيش فيها إلا بدو متنقلون قابعون في أكوام من الأوساخ والقاذورات. وكيف ان عظماء الصهيونية تمكنوا من اختراق اروقة صناع القرارات السياسية الدولية المصيرية في لندن وباريس وواشنطن، خدمة لقضية اقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، بذريعة انه وطن السماء الموعود به شعب الله المختار. وكيف ان قيادات الصهيونية ابتداء من هرتسل ثم زنجويل وايزمن وجابوتنسكي وبيجين وبن غوريون وغيرهم، قد أفلحوا في تصوير فلسطين صهيونية ويهودية في عيون سياسيي بريطانيا الذين لم تكن لديهم المعرفة الكافية، على ما يبدو فيما كان يجري على أرض الواقع. ولقد أعاد هؤلاء الصهيونيون صياغة العلاقة بين زعماء بريطانيا وبين الأرض المقدسة بمفهوم توراتي صرف، لا يرون من خلاله إلا حق اليهود في فلسطين دون غيرهم من سكانها الاصليين. ويقدم تاريخ فلسطين بلغة سلسة وأفكار واضحة دون مواربة والتفاف أو اختصارات. إنه يعرف الحقيقة ولكونه يعرفها فإن ما يكتبه صادر عن قلب وفكر محب. اعتمد كارل صباغ على مجموعة كبيرة من المراجع والمصادر والمواد الارشيفية التي اطلع عليها في لندن خصوصًا، ما ساعده في تكوين صورة مختلفة عما تروج له آلة التشويه التاريخي والسياسي الصهيونية.
وفي الوقت ذاته يسعى مؤلف الكتاب إلى التطرق في كل حقبة زمنية إلى مسيرة تطور واقع حياة عائلته كجماعة وأفراد، في المدن والقرى التي انتشروا فيها. ويؤكد من خلال وجود عائلته في فلسطين ان جذورها ضاربة في عمق التاريخ، ليس فقط في فلسطين بل في المنطقة، وان لها مساهمات جليلة لا يمكن لأحد أن ينكرها او يبطلها.
وتتعرض عائلته كعائلات فلسطينية كثيرة إلى الترحيل والتهجير واللجوء، ولكن جذورها باقية في فلسطين. وها هو يعود في 2004 إلى صفد باحثًا عن بيوت آل صباغ، ويجدها في مكانها في حارة النصارى هناك، إلا أن مستعمريها من المحتلين الصهيونيين أزالوا النقوش التي كانت فوق مداخلها، كجزء من عملية طمس الحقيقة ومحو ذاكرة المكان. إلا ان كل هذه المحاولات الكاذبة والتلفيقية التي استخدمتها قيادات الحركة الصهيونية، لن تفت بعضد الشعب الفلسطيني الذي يعرف تمامًا وطنه وبلاده.
يختلط تاريخ عائلة صباغ بتاريخ وواقع فلسطين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، في مسيرة طويلة عبرتها العائلة بالتزامن مع كل التطورات التي عصفت وضربت هذه الأرض بقوة وعنف، منذ نهاية القرن التاسع عشر وإلى اليوم.
لكنه يخلص إلى القول أن تاريخه الشخصي، اي تاريخ عائلته وإن كان محاطًا بحدود العائلة، إلا أنه لا يمكنه التخلي عن الارتباط بالتاريخ العام لكل فلسطين وعائلات فلسطين.
ما كشفه المؤلف هو عينه الربط القوي الحقيقي بين عائلات فلسطين ووطنها الذي وإن تغربت عنه قسريًّا إلا أنها متعلقة به.
وكارل هو حفيد خليل صباغ، الذي عمل محاميًا في فترة الانتداب، ولظروف قاهرة اضطر إلى الانتقال إلى مدينة طولكرم للعيش فيها، ومنها ومع اهلها ناضل في سبيل القضية الفلسطينية. في حين أن والد كارل التحق بالاذاعة البريطانية، كما اشرنا، وكان له الدور المميز في خلق أسس التعامل مع الاذاعات والبرامج الاذاعية. أما والدته فهي انجليزية تعرّف إليها والده حين عملت موظفة في الاذاعة البريطانية. إلا أنهما، اي الوالدين قد انفصلا بعد فترة زمنية ما. وبالرغم من الشرخ العائلي الذي حصل لعيسى صباغ، إلا أن جذوة حب فلسطين انتقلت إلى ابنه كارل.
ويؤكد كارل صباغ أن حق العودة للفلسطينيين هو موضوع ليس للمساومة في أسواق ودكاكين الساسة والسياسة. حق عودة الشعب الفلسطيني هو تأكيد لعلاقتهم بأرضهم ووطنهم، واحتلال هذا الوطن عنوة هو دليل قاطع لعدم أحقية المحتل في هذه الأرض وهذا الوطن السليب.
كارل انجليزي الطباع والتوجهات الحياتية، إلا أنه فلسطيني الدم والروح، وهذا كاف ليكون مدافعًا عن عدالة القضية الفلسطينية، التي يعتبرها قضية شخصية وعائلية وسياسية، فمن هنا كانت التقاطعات التي يحملها عنوان مقالتنا هذه.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة