الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 02:01

الشيطان الاكبر ولعبة الشطرنج/ محمد برغال

كل العرب
نُشر: 11/10/14 16:25,  حُتلن: 06:44

محمد برغال في مقاله:

 نجحت أمريكا في تغذية "لعبة" أُكرانيا مع روسيا لكن إن كان حزب الله قد اثبت قدرته على أن "يلعب" أكثر من "لعبة" في آن, فكيف إذا بدولة عظمى كروسيا.

تهافتت ذئاب وثعالب وضباع الغرب حين اشتمت رائحة وليمة قد تتوفر في سوريا وأعلنت كل من فرنسا وبريطانيا واستراليا وكندا وغيرهم من الدول الغربية عن انضمامهم للتحالف ولكن فقط ببعض الطائرات!



المتمكنون من لعبة الشطرنج يمكنهم أن يلاعبوا أكثر من لاعب في آن, يصل أحيانا إلى الخمسين ويهزمون أغلبيتهم!
أمريكا ما زالت القوة الأولى في العالم على الرغم من التصاعد الملحوظ للصين وروسيا ومنظومات غير خاضعة لهيمنتها كمجموعة "البريكس".وهي بالتالي في محاولاتها للسيطرة على العالم بما تمتلك من إمكانات و"قطع شطرنج" يمكنها أن "تلعب" أكثر من لعبه في آن. وبطبيعة الحال هي تلعبها ونقول بكل موضوعية، كشيطان! لا يعير أي أهمية لأي قيم إنسانية إلا بالمقدار الذي يخدم مصالحه ولو كان ثمن ذلك القتل والوبال على باقي الشعوب وهو ما يتحقق على الأغلب نتيجة تدخلاتها في شؤون شعوب العالم.
وعليه فإن أهم عناصر القوة لديها هو نجاحها في ان يتقبلها العالم كملاك ومنقذ للعالم! ومن يقع بالفخ ولا يرى بها شيطان رجيم, يكون قد سهّل عليها كثيرا تأدية دورها الشيطاني. فتكون "اللعبة" ضد كل من يتجرأ على سيادة أمريكا ومعسكرها. وهي بتفوقها التكنولوجي والعسكري والمعلوماتي وبسيطرتها على بعض الدول الضعيفة والغنية بالخيرات الطبيعية بالإضافة إلى ما لديها هي من خيرات , تهيمن اقتصاديا وتتربع في القمة بين الدول التي تدور بفلكها.
وهذه الدول تصنف بحسب قوتها فان كانت قوية وغنية كبعض الدول الاوروبية تتعامل معها امريكا بكونها شريكه  "شياطين أصغر" لها مساحه واسعة من حيث استقلاليه القرار والسعي لتحقيق مصالحها الخاصة عبر شراكة تبقي اسهم الاغلبية المقررة باليد الامريكية. وان كانت بالمستوى الاقليمي كتركيا فانه يتم التعامل معها بما يتناسب بحيث تكون المساحة في كل ما ذكر أضيق مما تتمتع به الدول الأقوى.وفي المستوى الأدنى تأتي اغلب الدول العربية التي تستفيد أمريكا من بعضها تماما كما يفعل النمل حين يسمّن المن ليتغذى به لاحقا ولكن المميز عن النمل في علاقة امريكا بتلك الدول العربية هو أنها ليست بحاجه إلى تغذية "منَّها" !
وما يميز أمريكا عن لاعب الشطرنج القوي هو انها اليوم لم تعد بحاجه الى اللعب بجنودها وضباطها بشكل مباشر كما فعلت بالماضي في فيتنام وكوريا وأفغانستان. ذلك ان الاستغلال الذكي للأدوات التي هي تحت سيطرتها يمكّنها أن تحقق نتائج أفضل من تلك التي يمكنها ان تحققها فيما لو تدخلت بشكل مباشر. وهذه النتائج تتحقق بالأساس عبر القدرة الهائلة على جمع المعلومات سواء عن من هم في معسكرها او من يتصدون لها ويبدأ ذلك بالاستعانة بأبسط الوسائل بالتجسس البشري بكافة مستوياته مرورا بالأقمار الصناعية ولا تنتهي بالشبكة العنكبوتية ( الانترنت) التي كشف مؤخرا "ادوارد سنودن" (عميل ال سي. آي. إيه السابق) كيف أنها مكشوفة أمام أعين "ال سي. آي إيه", بكل استعمالاتها حتى عن المواطن الأمريكي البسيط والدول الأوروبية وبشكل أعمق واقوي عن الكثير من الدول العربية.
وبعد جمع المعلومات وفرزها بمعونة أكبر حواسيب العالم وطواقم الخبراء, يتم توظيف ما يفيد منها لتحقيق مصالح أمريكا بالأساس ويستفاد منها لتحقيق الكثير من المكاسب بما فيها توفير الظروف المناسبة لوقوع أحداث معينه تخدم تحقيق أهدافها ! ولنا أن نتخيل الإمكانات الهائلة في التأثير التي تتوفر لقوة مثل أمريكا حين تتوفر لها معلومات بكم هائل, يكفي أن نتخيل أنها قد رصدت الاتصالات الأولى لتشكيل تنظيم داعش وإن أضفنا لذلك دور مخابراتها, بعد تزويدها بالمعلومات الدقيقة بالتأثير المباشر في تطور بنية داعش وإستراتيجيته يمكننا أن نفهم الكثير من التطورات اللاحقة!
في السابق كانت مخابراتها تلجأ إلى اغتيال الزعماء الذين كرسوا حياتهم لاستثمار خيرات بلدهم لصالح أهله, دون أن يمكنوا أمريكا من استغلالهم فكان هذا نصيب مصدق إيران وسلفادور أييندي بتشيلي وغيرهم كثيرين. وتلجأ إلى افتعال أعمال الشغب والانقلابات وحتى الحروب التي تخدم مصالحها وإن قتل الكثير من الأبرياء جراء ذلك.
لكنها اليوم يمكنها مثلا أن تراقب لعب "الشطرنج" التي تلعبها أدواتها بشرقنا العزيز ولكن تحت اشرافها ورقابتها وعينها لا تغفل عن اللعب الأخطر والاهم بالنسبة لها مع الصين القوة الصاعدة وتحالفها مع روسيا.
لمدة قاربت الأربع سنوات بإدارة ورقابة أمريكية منحت الضوء الأخضر لتركيا وقطر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن في دعم وتدريب الجماعات المسلحة في الحرب الهادفة لتدمير سوريا. والآن وبعد فشل كل الاحابيل التي كشفتها القيادة السورية وهزمها الجيش العربي السوري آن أوان طرق خداع أكثر تركيبا وتعقيدا, تقتضي حضور أمريكا بنفسها للمنطقة ولكن ,أو كما يتم الإعلان عنه, في الجو فقط مع وجود يتزايد على الارض لما يسمى الخبراء والذين هم بأغلبيتهم رجال استخبارات. والهدف المعلن هو مكافحة داعش وفي حقيقة الامر ما يحصل على ارض الواقع هو ازدياد توسع داعش تحت عيون ورقابة الأمريكي ورعاية التركي. إذ أن بايدن بلقائه مع أردوغان طلب منه أن يستعد لساعة تأتي اللحظة المناسبة لاستدعائه من مقاعد الاحتياط, فهو الآن بدباباته يقف بالانتظار على أمل تحقيق حلم السيطرة على منطقة عازله بسوريا. وهو يقف موقف المتفرج على ذبح اكراد سوريا في عين العرب يمنع عنهم المدد ويحول دون قدوم اي مقاتل لنجدتهم بينما يتم اكتشاف نفق من تركيا إلى سوريا يأتي منه المدد لداعش في معركته ضد عين العرب.
جون كيري وزير الخارجية الأمريكي يصرح أن إنقاذ عين العرب ليس هدفا أمريكيا استراتيجيا فالطيران الأمريكي يضرب بعض آليات داعش وباليوم التالي نسمع عن تعزيزات جديدة حصل عليها داعش. ومع ذلك فان صمود أحفاد وحفيدات صلاح الدين البطولي يساهم بازدياد موجات الغضب لدى ثلث سكان تركيا الأكراد مدعومين من القوى اليسارية التركية. فهم لن يتقبلوا الموقف التركي الذي يهدف من ناحية لعقاب أكراد سوريا ولقتل فكرة الحكم الذاتي التي أعلنوا عنها ومن ناحية أخرى إلى ابتزازهم بمطالبته إياهم إعلان ولائهم لصديقه مسعود البرزاني والابتعاد عن عبد الله أُوجلان.
وأمريكا تعلم أن ما خطت به إسرائيل بخطى عمليه مع جبهة النصرة في منطقة الجولان كمحاولة لبناء منطقة عازله من الصعب أن يمر بنفس السهولة مع تركيا حيث إمكانية التحرك الإيراني والروسي تصبح واردة جدا. وقد نجحت أمريكا في تغذية "لعبة" أُكرانيا مع روسيا لكن إن كان حزب الله قد اثبت قدرته على أن "يلعب" أكثر من "لعبة" في آن, فكيف إذا بدولة عظمى كروسيا.
ومع ذلك فإنها لا تكون حركات متهورة باللعبة لو حظي الحصان التركي الجامح ببعض التأييد الكلامي لفكرة المنطقة العازلة من قبل الرئيس الفرنسي بشكل مطلق والبريطاني باستحسان للفكرة ومن كيري بشكل ايجابي لتكون في المرحلة الحالية بمثابة فتّاشات جس نبض.
فقد تهافتت ذئاب وثعالب وضباع الغرب حين اشتمت رائحة وليمة قد تتوفر في سوريا وأعلنت كل من فرنسا وبريطانيا واستراليا وكندا وغيرهم من الدول الغربية عن انضمامهم للتحالف ولكن فقط ببعض الطائرات! الاكيد هو ان تكلفة امريكا المادية في هذه المشاركة وهي بالمليارات ستتم تغطيتها بالكامل من قبل دول الخليج وبهذا الحشد يكون من الممكن دفع تطور الاحداث بما يخدم المصالح الأمريكية ولكن بصبر وحذر. فما المانع من استمرار هذا الحال لسنوات طويلة في أسوأ الأحوال يتواصل دمار سوريا وتأخر العراق ليبقى بحاجه لأمريكا وخبرائها ولتستعيد ما خسرته به من نفود, كنتيجة لانسحابها اثر ضربات المقاومة العراقية.
وفي أحسن الأحوال يتحقق لأمريكا بناء الجيش "السوري" صاحب العقيدة الأمريكية الذي يتم تدريبه بالسعودية وبتمويلها.
وقد كانت رائعة هزيمة أمريكا والسعودية في اليمن لكنها لا تتقبل هزيمتها وهي تسمح لنفسها بان لا تلتزم بآي قواعد في "لعبها". حين تخسر, وتبحث عن إمكانات التخريب والتعطيل لتعيد خلط الاوراق مهما كلف ذلك من ضحايا وخسائر. خاصة وأنها ما زالت تمتلك الكثير من الأدوات باليمن والتي تؤدي الغرض فما زال الرئيس الرسمي تابعا وخاضعا لتأثيرها وتأثير السعودية وما زالت المخابرات السعودية مدعومة بالأمريكية قادرة على تفعيل ما أوجدوه مما يسمى بعناصر القاعدة باليمن.
بمقابل كل ما ذكر من المفيد التأكيد على أن الفوز بأي "لعبة" ضد أمريكا وإسرائيلها لا يمكن أن يتحقق إن لم يدرك من "يلاعبها" أنها الشيطان الأكبر وبالتالي يتوجب عليه الحيطة والحذر أولا ومن ثم الاعداد والتحضير والتخطيط الملائم. لقد كانت هذه جميعا الاسباب الأساسية في صمود الجيش العربي السوري ونجاحه بإفشال كل المؤامرات التي حيكت ببراعة وبإمكانات هائلة لغاية الآن. وكذلك الأمر بالنسبة لرجال حزب الله والمقاومة الفلسطينية بالإضافة إلى إيمانهم القوي الذي يفتقده عدوهم.
فالعملية التي قام بها رجال الله في مزارع شبعه المحتلة كانت "ضربة معلم" من حيث الزمان والمكان والأداء والمقدرة العالية والنتيجة الناجحة التي فرضت قواعد لعبة جديدة على الإسرائيلي الذي تفاجأ بها وكان رده لأول مرة ورغم اعلان حزب الله تبنيه للعملية " سنرد بالزمان والمكان المناسبين"!. فقد كان الجيش الاسرائيلي في اعلى درجات الاستعداد بعد ان اعتدى قبل العملية بيومين وجرح جنديين لبنانيين وقبل ذلك اعتقل اكثر من راعي لبناني وتسبب, بعد انكشاف أجهزة تجسس تابعه له بلبنان, باستشهاد المهندس المناضل والذي حملت المجموعة التي نفذت العملية اسمه - حسن على حيدر. كما ان المكان الذي فجرت به الدبابة الإسرائيلية وجرح ثلاثة جنود محمي بكافة وسائل الحماية التي نعرفها والتي لا نعرفها من دوريات دائمة وطائرات بدون طيار للمراقبة إلى وسائل الكشف بالأشعة الحرارية والكاميرات. من بين اهم الاسباب التي ادت الى تحقيق هذا النجاح وغيره مما سيتحقق هو افتقاد إسرائيل للمعلومات التي هي متوفرة لها ولأمريكا بكثرة عن الكثير من "الدول" و "الزعامات" العربية وفسادها وفضائحها والتي تم ويتم استغلالها بشكل مثمر ومجدي جدا لأمريكا وإسرائيل.
ونختم بحقيقة نشرتها منظمة "أُوكسفام" تبين جانب مهم من "أخلاقيات" سياسة الرأسمالية الأمريكية التي توضع وتنفذ لخدمة ومصلحة وبقاء فئة قليلة من الرأسماليين. فلو علمت أن ثروة 67 ملياردير أمريكان أو موالين لنظام أمريكا من أموال يفوق ثروة 3.5 مليار إنسان أي نصف سكان الكرة الأرضية فهل لا توافق أن هذا وضع غير إنساني بل شيطاني؟ وهل لا تجد انه يتوجب عليك كإنسان ان تتخذ الموقف المساند لكل من يقف لاعداء الشعوب بالمرصاد؟

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة