الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 17:01

الحرب النفسية في متناول المقاومة /د.محمد خليل مصلح

كل العرب
نُشر: 09/10/14 09:49,  حُتلن: 07:37

د.محمد خليل مصلح في مقاله:

الحرب الكاملة الشاملة على قطاع غزة جرت في جو من الحرب النفسية

الحرب النفسية في نظري هي القدرة على دمج كل الوسائل العسكرية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية في آن واحد

ما جرى على الأرض أثناء الحرب عكس الوعي الكامل لدى للمقاومة لاهمية الحرب النفسية في الحرب للسيطرة على عقول الأعداء بدفع أولا الإسرائيليين بالشك في رواية قياداتهم وإعلامهم 

لكل حرب صفة غالبة يصنفها الخبراء الاستراتيجيين بحسب طبيعتها وحجم القوات المستخدمة فيها، إما حرب كاملة الأركان أو ناقصة ركن من أركانها فتوصف بعملية واسعة الأهداف أو محدودة، أو معركة آثارها تنتهي بانتهاء المعركة ، والحرب الأخيرة على غزة 2014 تصنف عند كثير من المختصين بأنها حرب كاملة الأركان، وظف الاحتلال فيها كل عناصر العمل العسكري الحربي، من أجهزة عسكرية، القوات البرية وسلاح الطيران و استخباراتية و إعلامية ودعائية، بحيث جعلت من الجبهة الداخلية احد أهم الأهداف للنيل من صلابة وصمود المقاومة، فاستخدمت كل الوسائل الغير مشروعة والمتاحة لها بغض النظر عن آثارها الإنسانية ، وكان للحرب النفسية المساحة الواسعة والتي شملت الترهيب والترغيب بوسائل متعددة منها العملاء والمناشير والرسائل عبر الهواتف الخلوية أو بث المعلومات الكاذبة حول المقاومة للتحريض عليها وتحويل البيئة الشعبية الحاضنة إلى بيئة شعبية معادية طاردة للمقاومة رافضة لها مما يسهل على الأعداء القضاء عليها.

ومما لا شك فيه أن الحرب الكاملة الشاملة على قطاع غزة جرت في جو من الحرب النفسية، التي كان للمقاومة فيها اليد العليا، حيث استخدمت كل الوسائل المتاحة في البداية للتأثير على معنويات جبهة العدو الداخلية، باستهداف الثقة الزائدة لقيادة وجنود الاحتلال التي تولدت بعد حرب 67 باستهداف العسكريين ، وإيقاع الخسائر الفادحة في في صفوف الجنود بداية المعركة، مما أحبط معنوياتهم ، وأربك صفوفهم ، ودفع بالقيادة السياسية والعسكرية، بأخذ قرار عدم الاندفاع بالاجتياح البري لتحقيق الهدف الجوهري، سحق المقاومة بالرغم من المعارضة الداخلية لليمين الإسرائيلي لقرار عدم الاجتياح لقطاع غزة، معقل المقاومة، ما عنى أن قيادة الاحتلال تنازلت عن هدف السحق والقضاء على المقاومة إلى هدف إنهاك وإضعاف لإخضاعها ومن ثم نزع سلاحها.

حرب السيطرة على العقول
ما جرى على الأرض أثناء الحرب عكس الوعي الكامل لدى للمقاومة لاهمية الحرب النفسية في الحرب للسيطرة على عقول الأعداء بدفع أولا الإسرائيليين بالشك في رواية قياداتهم وإعلامهم حول سير الحرب وحجمها وهدفها والخسائر والنتائج وهذا انجلى أثناء وبعد انتهاء الحرب سواء من المعارضة الإسرائيلية للحرب أو من اليمين المتطرف داخل الائتلاف وخارجه، كأحزاب ومواطنين، صدق إعلام المقاومة وواقعيته ومهنيته جعلتها مصدر معلومات معتمد بالاعتماد لجبهة العدو الداخلية، اخترقت بها المقاومة العقل الإسرائيلي وبدء البعض منها يتحول إلى رافض للحرب ضاغط في اتجاه إنهائها مبكرا وعدم الانجرار إلى حرب برية واسعة .
الحرب النفسية نظرية استخدمتها في حروبها الكثير من الأمم قديما وحديثا، الألمان النازيون غوبلز رمز الحرب الدعائية لهزم وكسر معنويات الأعداء في الحرب العالمية الثانية ، والفرنسيون ، واليهود الصهاينة والتي استخدمتها على نطاق واسع، حتى ضد بعضهم لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين، الحرب النفسية أصبحت اليوم مع تطور وسائل القتال والاتصالات الحديثة والتي تسمى حرب السايبر جزء مهم منها، تهدف هزم العدو دون قتال وضحايا، حسم المعركة مبكرا كما يراها معتز سيد عبد الله في كتابه الحرب النفسية والشائعات " أنها تمثل جزءا من النشاطات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والإعلامية التي توجه من قبل دولة ما بغرض تدمير الروح المعنوية لدى طرف او مجتمع او جهة ، كما يمكن في كثير من الأحيان أن تستخدم كأسلوب بدبل عن القوات المسلحة " .
وهذا يعني أن الحرب النفسية تعتبر من اخطر الأسلحة ، ولا يقل أهمية عن عمل القوات المسلحة من طيران وسلاح دبابات وسلاح مشاة وهندسة، وهو من وجهة إستراتيجية سلاح فعال استراتيجيا وحاسما في الحروب .
ولقد تعرض الشعب الفلسطيني منذ صناعة دولة الاحتلال لكثير من الحرب النفسية والدعائية والإرهاب لترك أرضه ودياره فكانت الحرب الدعائية والنفسية والفعلية عبر المذابح والطرد والهروب خوفا من شناعة فعل العصابات الصهيونية ضد الأعراض والتنكيل بالقتلى والمدافعين عن أرضهم، شكلت تلك الحرب النفسية الهزيمة الفعلية للفلسطينيين والتي استخدمت فيها كثيرا من المفاهيم اقتل عدوك قبل ان يقتلك ، والجيش الذي لا يقهر، لكن اليوم وبعد عدت حروب للمقاومة بدءا من حرب لبنان والحرب الأخيرة العصف المأكول فرضت المقاومة إرادتها وقدرتها على إدارة حرب نفسية فعالة، أضعفت الروح المعنوية للقيادة السياسية والعسكرية قبل الجنود، وضعت إسرائيل تحت المجهر كأنها " بيت العنكبوت " .

ولقد برز في الحرب الأخيرة الاستهداف المباشر للجبهة الداخلية من كلا الطرفين جيش الاحتلال والمقاومة، بحيث كانا لهما أي الجبهتين الأثر المهم جدا في حسم نتائج المعركة خاصة بعد وقف إطلاق النار حسب الاتفاق عبر المفاوضات غير المباشرة مع دولة الاحتلال، بعد تلك السنوات الطوال التي خضع فيها الشعب الفلسطيني للحرب النفسية بكل أنواعها، كان للمقاومة الكلمة الأخيرة والتي قلبت بها الواقع والوضع لمصلحة الشعب الفلسطيني، الجبهة الفلسطينية الداخلية بقيت متماسكة حاضنة للمقاومة حتى آخر لحظة من الحرب رافضا الخضوع للضربات والشائعات والدعاية الصهيونية للتخلي عن المقاومة، بأنها هي السبب عن الدمار وما أصاب المواطنين من وقتل ومجازر ، وبقيت شوكة المقاومة بجبهتها الداخلية عصية على الانكسار في الوقت الذي هجرت مستوطنات ورحلت عم مدنها لأول مرة في تاريخ دولة الاحتلال، أن تتم هجرة داخلية كاملة مما يسمى بغلاف غزة بسبب الحرب النفسية التي شنتها المقاومة مصحوبة بأنواع من السلاح الغير معهود الأنفاق والمدفعية التي عجزت قوات الاحتلال معالجتها ، واضطرت للهرب منها وإعادة انتشار الجيش وتموضعه ، ومع ذلك لم تفلح بذلك أضف إلى ما بثته المقاومة من مشاهد حية لمقاطع من المعارك في إطار الحرب النفسية والتي رفعت معنويات الجبهة الفلسطينية الداخلية ، وفي نفس الوقت هزت الروح المعنوية لجبهة العدو، المستوطنين ، وأهالي الجنود، زد على ذلك المناشدات لبعض قيادات المستوطنين الطلب الاتفاق مع الشيطان" يقصد بها حماس "لوقف قصف المستوطنات بالهاون والصواريخ بعد فشل القبة الحديدية بمعالجة تلك الوسائل القتالية.

الحرب النفسية في نظري هي القدرة على دمج كل الوسائل العسكرية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية في آن واحد للنيل من العدو وكان ذلك للمقاومة في الوقت الذي فشل فيها العدو، الحرب النفسية ليست نظرية محددة بل هي عبارة عن مدلولات واسعة متعددة متطورة، تحتاج إلى عقول مبدعة واسعة الفهم والاطلاع ملمة بكل العلوم الإنسانية السلوكية للبشر والفروقات بينها، حتى تستطيع أن تجد السبيل لاختراق جبهة العدو و السيطرة على روحها والتأثير في معنوياتها .

الحرب النفسية في متناول المقاومة
ومفهوم الحرب والحرب النفسية كما اشرنا لا يمكن حصرها كنظرية ، أما وسائلها،غسل الأدمغة والدعائية والإشاعة مفصلة في مراجع علمية كثيرة أو مذكرات صادرة من جهات متخصصة ، ولكن الحرب الأخيرة ضد العدوان على غزة في حرب العصف المأكول عام 2014 ، والتطور الذي طرا على المقاومة في استخدام الحرب النفسية كان ملفت للنظر، بحيث لم يعد الاحتلال الجهة القادر لوحدها على قتل الروح الفلسطينية وإخضاعه لرغباته وأهدافه ولا هزيمتها تحت ذاك الحجم الكبير من أطنان المتفجرات والوسائل الإعلامية و والوسائل الاستخباراتية من اللعب في الحرب النفسية في المعركة، إذ سيطرت المقاومة بوسائلها البسيطة في التأثير المباشر في الجبهة الداخلية بإثارة وتهييج الرأي العام الداخلي ضد الحرب وآثارها على اليهودي قبل الفلسطيني، كان للحرب النفسية أثرا واضحا بكي الوعي الإسرائيلي ولأول مرة يتعرض الوعي والعقل الصهيوني للكي من قبل المقاومة في هجرة جماعية تعيد لذهن المجتمع الإسرائيلي أن مفهوم العودة إلى ارض الميعاد والاستقرار والأمن لم يعد متوفر في " اسرائيل " وهذا من أخطر آثار الحرب الأخيرة التي خاضتها المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي في إطار الحرب النفسية على المجتمع الإسرائيلي الصهيوني .
ويمكن القول أن الحرب النفسية في إطار معركة ما سماها العدو الجرف الصامد تلاعبت بنفسية المجتمع الإسرائيلي كجبهة داخلية ، وان هذا التشوه السلوكي النفسي الذي يتمثل اليوم بالغلو والتطرف والجنوح نحو اليمين لا يخدم إسرائيل كدولة أمام المجتمع الدولي ولا المكونات العرقية للمجتمع الإسرائيلي الذي تبحث عن الاستقرار والهدوء والأمن، فهذا التيار اليميني المتطرف لن يحق لهذه الدولة الهدوء أو الاستراحة من الحروب، ما يدفع باتجاه الصدام بين الشرائح المجتمعية المتنافرة في المجتمع الإسرائيلي على المدى البعيد.
يتبع

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة