الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 21 / مايو 16:01

إلا أنتِ يا... بقلم: نديم إبريق


نُشر: 28/05/08 07:28

- سيدتي ، هل ترغبين أن أُقدم لك شيئاً آخر؟
- نعم ، فنجان قهوة إذا سمحت...

أحضر النادلُ فنجان القهوة الثالث لصفاء ، التي جلست مرتبكة ومذعورة ، بالرغم من الموسيقى الهادئة ألتي انبعثت من ذاك المقهى ، الذي يطلُ على ميناء حيفا ،  الميناء الساحر  ، الذي يستقبل السفن ويودعها لتمخر عباب البحر. جلست صفاء وقد اختفى من وجهها الصفاء ، فقد بدا  عليها جلياً التوتر ، كيف لا  وهي  بانتظار مقابلة مصيرية حاسمة . لقد وعدها المحقق الخاص بالحضور إلى هذا المقهى مع دقات الساعة الثالثة ، وها هي ساعتها تُشير إلى تمام الساعة الثالثة والنصف وهو لم يحضر بعد . إنه يحمل بين يديه مستندات مصيرية ، قد تخرجها من حالة التعاسة والكآبة ألتي تُلازمها في الآونة الأخيرة ، وقد تُسبب لها التعاسة الأبدية وتُدمر حياتها...
توجهت إلى ذاك المحقق الخاص قبل شهر تقريبًا ، وبعد تردد وتخبط  ، حيث أجبرتها تصرفات زوجها على ذلك.  لقد حصل تغيير كبير في علاقتهما الزوجية ، وبدأت تعيش في دوامة ، تكاد تجرفها إلى الأعماق...
كانت حياتها  مع زوجها في البداية حياة رغد وهناء ، حياة تملؤها السعادة والمحبة والحب ، فقد تزوجا بعد قصة حُب استمرت سنوات طويلة ، فكان زواجهما تتويجاً لذاك الحُب . أثمر هذا الزواج ثمراً طيباً ، فرزقا بولدين زادا البيت نوراً على نور وحُباً على حُب ...
ولكن خلال الأشهر الأخيرة بدأت تصرفات زوجها تسير في مسار جديد ، لم تعتد عليه من قبل . لم  يعد يعيرها اهتماماً كما كان ، وحتى ولداه الّذين كانا ينتظران بفارغ الصبر لحظة عودته من العمل لرؤيته  بدأ يُعاملهما بفظاظة وبقسوة لم تميّزاه من قبل . زاد  اهتمامه بنفسه وكثر تواجده خارج البيت ، وحتى عندما كان يمكث في البيت ، فكان هذا تواجد الجسد لا الروح...
بدأ الشك يُساورها ويشتعل في داخلها كاشتعال النار في الهشيم. أضحت علامات الاستفهام تُحلق في سماء البيت : لماذا؟ لماذا هذا التغيير الغريب في تصرفاته ؟ ماذا حصل ؟ استمرت في تساؤلاتها حتى جاءها خبر من إحدى زميلاتها ، فقُطعَ الشك باليقين :" زوجك يا صفاء يخونك ، وقد كثرت الأقاويل في القرية حول تصرفاته!!!"
نزل الخبر على صفاء كالصاعقة وأدخلها عميقاً إلى دوامة الكآبة والحزن التي تدور في محيطها منذ مدة . توجهت إلى صديقتها طالبة المشورة والإرشاد ، فنصحتها بأن تُراقب جيداَ تصرفات زوجها وأن تستعين بخدمات مُحقق خاص ليُلاحقه ويُتابع تصرفاته . ترددت صفاء كثيراً قبل الموافقة على هذه الفكرة ، فكيف بها أن تُدخل غريباَ بينها وبين زوجها بعد هذه السنوات من العشرة والحُب والألفة؟ كانت على أدراك تام بأن هذه الخطوة ستترك شرخاً عميقاً في الجسر الواصل بينها وبين رفيق عمرها ، ولكن ما  عساها  فاعلة  ،  وقد قتلتها الشكوك وحرمتها نعمة النوم  ولذة ألطعام...
بعد تردد ليس ببسيط توجهت صفاء إلى ذاك المحقق الخاص وقصت له قصتها. طلب منها أن تمهله مدة معينة ، حتى يتحرى  تصرفات زوجها ويتابع خطواته ، لكي يكون على يقين من تصرفاته.
خلال تلك المدة كانت تشتعل النيران قوياً في قلب صفاء فيزيد الاشتعال ولهيبه يوما ً بعد يوم . كان مجرد التفكير بأن زوجها وبعد هذه السنوات يخونها، كان هذا التفكير يقتلها ويقودها إلى ما لا نهاية من التساؤلات : لماذا يخونها ولم تبخل عليه بشيء: فقد أغدقت عليه الحُب والحنان والعطف ولم تبخل  بأحاسيسها وبعواطفها اتجاهه في يوم من الأيام؟ لماذا الخيانة وهي لم تُقصر في رعاية زوجها وأولادها وسهرت دوماً على سعادتهم وراحتهم ؟ اهتمت به وبالأولاد وبذلت قصارى جهدها في تدريس الأولاد وتحضير الطعام وترتيب البيت ، وكل هذا بعد يوم  عمل مُضنٍ ، فتبقى حتى ساعات الليل المتأخرة  ساهرة على رعاية عائلتها. من هي تلك المرأة ألتي ، على ما يبدو ، زوجها يخونها معها ؟ ماذا استطاعت تلك المرأة أن تمنحه ولم تستطع هي فعل ذلك ؟ هل يا ترى تلك المرأة أكثر جمالاً منها ؟ أكثر علماً وثقافة منها ؟ أكثر...
كاد التفكير والتساؤل يقتلها ، وهي لا تدري ولا تعي ما يحصل حولها ، وربما تكون كل الشكوك ألتي راودتها واهنة كخيوط العنكبوت ، وربما أخطأت وظلمت زوجها وربما...
آهٍ كم تكرهُ صفاء الخيانة والغدر- فالخيانة تُحطم القلوب وتنزع حُب الحياة من أحشاء الروح ، ومجرد الشعور بالخيانة أدخلها في تخبط منوط بتردد يُساورها ، فيقودها أحياناً إلى درجة كبيرة من التأكد بصحته ، وينقلها أحياناً إلى الاقتناع بأن كل هواجسها ما هي إلا شكوك عارية عن الصحة،
إلى أن...
إلى أن جاء هذا الصباح  ، وسمعت معه رنين الهاتف الذي طالما انتظرته ، حتى يزيل عنها تلك الغمامة السوداء أو..
كان هذا الهاتف من المحقق الخاص ، الذي أبلغها بضرورة مقابلتها اليوم لأمر ضروري ، وفي نفس المكان ، الذي يطلُ على ميناء حيفا بسحره وبجماله ، وها هي صفاء تجلس في انتظاره ، تحتسي فنجان القهوة الثالث ، والمحقق لم يصل بعد وزاد تأخره عن نصف الساعة...
نظرت صفاء مرة أخرى إلى ساعتها وإلى خارج المقهى ، فرأته  يرتجل من سيارته ، حاملاً بين يديه مُغلفاً ويدخل المقهى مُتجهاً نحوها.
- سيدة صفاء، آسف جداً على التأخير ، ولكن زحمة السير أعاقت وصولي في الموعد المحدد!
- لا بأس يا سيدي، المهم أن ...
- للأسف ، فأنا لا أحمل في مُغلفي البشائر : فالصور ألتي التقطها لزوجك تُثبت شكوكك...
أعطى المحقق المغلف لصفاء ، فاستلمته بيدٍ مُرتجفة...
فتحت المغلف بتردد ، وما أن نظرت إلى الصور حتى شعرت وكأن نبضات قلبها تكاد تتوقف عن الخفقان . صرخت بصوت أجش:
- لا... لا يمكن... توقعتُ الخيانة من جميع الناس ... توقعتُ الغدر والخيانة من زوجي ... من صديقاتي ... توقعتها من الكُل ... إلا منك... يا... أُختي...

مقالات متعلقة