الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 17:01

عمارة الأقصى وحسابات يعالون الشخصية/ بقلم: عزمي دريني

كل العرب
نُشر: 05/09/14 14:50,  حُتلن: 08:05

عزمي دريني في مقاله:

إفلاس سلطات الاحتلال في التعامل مع حق الفلسطينيين في إحياء مقدساتهم وحمايتها من مطامعهم جعلها تعتقد أن إغلاق مكتب سيفتح الطريق أمامها لتزوير التاريخ وتشويه الحاضر

لم يحلُ لوزير الأمن يعالون إلا أن يختار الاتهام المبتذل الذي أُعِّد مسبقاً في حال انسداد السبل القانونية لإغلاق المؤسسة وأصدر أمره البائس في الثاني عشر من أغسطس الماضي أي يوماً واحداً فقط قبل انتهاء التهدئة الثانية في الحرب

في خضم التجهيزات لإكمال الحرب على غزة كانت أعين نتنياهو ويعالون ترقب المسجد الأقصى في محاولة لتزييف الفشل المرتقب بعد انتهاء الحرب وتبديله بانتصارات وهمية

هذه الخطوة الحاقدة تهدف الى إعدام التواجد الاسلامي صباحاً من خلال إقصاء حوالي الألف طالب علم يتواجدوا يومياً في حلقات موزعة على أرجائه ويتلقوا العلم على يد أساتذة أكفاء في العلوم الشرعية والاجتماعية

أثناء انشغالي صباح الأربعاء بكتابة تقرير صحفي عن منع دخول النساء للمسجد الأقصى والاعتداءات الجسدية التي تعرضن لها في نفس اللحظة من قبل عناصر شرطة الاحتلال، سمعت طرقاً عنيفاً على باب المؤسسة التي أعمل بها، وصراخ بالعبرية ينادي "افتحوا الباب ولا تتحركوا، كل ما في المكتب هو لنا الآن ولا تحاولوا الإعتراض".

بقيت جالساً مكاني حتى اقتحم ضباط المخابرات والقوات الخاصة المكتب وأمروا الجميع بالانتظار وسط المكتب والخروج بعد إعطاء التفاصيل الشخصية، وقاموا بتسليم أمراً موقعاً من وزير الأمن موشي يعالون، ينص بالاستيلاء على ممتلكات المؤسسة وإغلاق مكاتبها بحجة الارتباط مع حركة حماس وجهات خارجية.

لم أقدر على كتم ابتسامتي الساخرة حين شاهدت القرار، وعلى ما يبدو فقد أغاظت الضابط قبل أن يقوم بإبعاد الجميع وإخراجهم، ومنعني من التصوير وهددني بمصادرة الهاتف الشخصي في حال لم أتوقف فوراً. وبعد خروجنا رأيتهم وهم يصادرون أغراضي الشخصية من كتب وأوراق، حتى رغيف الزعتر وتفاحة كانت في حقيبتي، قاموا بمصادرتها مع باقي الأغراض.

ولم أشعر حينها بالغضب كما شعرت بالارتياح بعد أن تيقنت لحالة اليأس التي وصلت اليها أجهزة الدولة في مساعي إغلاق مؤسسة "عمارة الأقصى"، حتى اختلقت حجج أقرب الى كونها أساطير ألف ليلة وليلة وروايات أليس في بلاد العجائب. فهذه العلاقة المزعومة بين المؤسسة وحماس لا تستند لأي منطق ممكن أن يتقبله العقل، بحكم افتقارها لإجابة هامة عن التساؤل حول حاجة المؤسسة منها، والأمور التي يمكن لحماس أن تقدمها في سد حاجيات المؤسسة. فهل هي قادرة على توفير دعم مادي أو بشري لإحياء المسجد الأقصى، أم أنها تشارك في التخطيط لمراسيم عقود القران التي ترعاها المؤسسة فيه؟

إن إفلاس سلطات الاحتلال في التعامل مع حق الفلسطينيين في إحياء مقدساتهم وحمايتها من مطامعهم، جعلها تعتقد أن إغلاق مكتب سيفتح الطريق أمامها لتزوير التاريخ وتشويه الحاضر. فسعت الى ذلك من خلال الادعاء بنشاطات تنظيمية ومالية غير قانونية، رغم علمها اليقين بأن عمل المؤسسة إدارياً وتنظيمياً يفوق بنزاهته أي مؤسسة رسمية في أجهزة الدولة، من دون علاقة لإدراكنا العين المجهرية التي تراقبنا ليلا نهارا.

ورغم ذلك فلم يحلُ لوزير الأمن يعالون إلا أن يختار الاتهام المبتذل الذي أُعِّد مسبقاً في حال انسداد السبل القانونية لإغلاق المؤسسة، وأصدر أمره البائس في الثاني عشر من أغسطس الماضي أي يوماً واحداً فقط قبل انتهاء التهدئة الثانية في الحرب على غزة، بين زيارته الخاطفة الى القاعدة البحرية في أسدود وجلسة الوزراء مع رئيس الحكومة لعرض شروط حماس لإنهاء الحرب، واحتفظ بالقرار في درج مكتبه ريثما تكون هناك حاجة لإنقاذه شخصيا من ورطات سياسية قادمة.

ففي خضم التجهيزات لإكمال الحرب على غزة، كانت أعين نتنياهو ويعالون ترقب المسجد الأقصى في محاولة لتزييف الفشل المرتقب بعد انتهاء الحرب، وتبديله بانتصارات وهمية لكنها قادرة على إسكات قطاعات واسعة ومؤثرة في الائتلاف الحكومي، أهمها تحقيق تقدم ملموس على الصعيد الميداني في أسطورة بناء الهيكل. وربما بدى الأمر مستهجناً عند بعض المراقبين الغير مطّٓلعين على حيثيات شعار "الأقصى في خطر"، فقدّٓم بعضهم قضايا أخرى على قضية المسجد الأقصى، واتهموا مطلقي الشعار بالمغالاة أو التحيُّز الديني.

لكنه وبالرغم من أن أهداف مؤسسة "عمارة الأقصى" تنحصر في إحياء المسجد الأقصى المبارك بالمسلمين من خلال فعاليات ونشاطات تربوية ودينية، فقد كان للمؤسسة الموقف المشرف في مؤازرة المسيحيين الفلسطينيين في نضالهم من أجل حرية الصلاة والتعبُّد في الأماكن المقدسة في القدس، ومن ناحية أخرى فإن غالبية جمهور المؤسسة لا يرتبطون بالحركة الاسلامية التي تنتمي اليها، لأنها تنظر بعين واحدة لجميع أبناء شعبنا الفلسطيني وتدعمهم في نضالهم من أجل نيل الحريات والحقوق المشروعة لكل فرد في مجتمعنا.

إن هذه الخطوة الحاقدة تهدف الى إعدام التواجد الاسلامي صباحاً من خلال إقصاء حوالي الألف طالب علم يتواجدوا يومياً في حلقات موزعة على أرجائه، ويتلقوا العلم على يد أساتذة أكفاء في العلوم الشرعية والاجتماعية. وأراد الاحتلال من وراء ذلك تقليل أعداد المسلمين بأكثر من ثمانين بالمائة من مجملهم بين الصلوات، خاصة بين الفجر والظهر، لاقتطاع مساحات تخصّٓص لليهود داخل أسوار المسجد الأقصى البالغة مساحته 144 دونما، وتحديد فترات ثابتة لصلاة اليهود لا يمكن للمسلمين الدخول أثنائها.

وما لم يأخذه يعالون بالحسبان هو مواصلة المنتسبين في المشاريع الإحيائية للمؤسسة برفد المسجد الأقصى، من دون أن يكون لهم أي ارتباط بها. فهو اعتقد راجياً أن يكون المحرِّك الرئيس لتواجدهم اليومي في المسجد الأقصى هو المنحة الشهرية التي تُقدّٓم لطلاب العلم (تقدمها المؤسسة لدعمهم مادياً بعد قضاء معظم يومهم في تلقي العلم بالمسجد)، غير مدرك أو ربما منكر بأن ما يدفع هؤلاء الناس هو حبهم الصادق للمسجد الأقصى الذي وُلِد قبل ظهور مؤسسة "عمارة الأقصى" بسنوات وعقود. وهذا ما أثبتوه أمس الخميس حين حضر غالبيتهم وتواجدوا في المسجد الأقصى، رغم إدراكهم أنه لا يوجد أي مردود مادي لذلك.
أما منظمات الهيكل وأذرع الاحتلال الخفية التي تتراقص على إيقاع أمر الإغلاق، وتعمل حالياً على تكثيف الاقتحامات للمسجد الأقصى باستثمار هذا القرار السياسي, فقد سعوا الى امتصاص حالة الاحتقان الفلسطيني والمساواة بين حقوق المسلمين والمستوطنين في المسجد الأقصى, من خلال إصدار أمر منع دخول مؤقت في نفس اليوم, لشخصيات يهودية معتادة على اقتحام المسجد الاقصى يوميا, وفتح أبواب المسجد بعد ساعتين فقط من اقتحام المؤسسة, خاصة أمام النساء اللاتي عانين من أوامر منع الدخول المتكرر منذ بداية شهر رمضان الأخير, ظانين أن هذه التحركات الخبيثة ستنطلي على الفلسطينيين الذين ملّوا من سذاجتها.

إن الوافدين يومياً للمسجد الأقصى بهدف إحيائه يحتاجوا الى دعم متواصل في أكثر من إطار وأهمها التواجد الى جانبهم ميدانياً ودعمهم في القنوات الإعلامية والسياسية، وكذلك مساندتهم قضائياً بعد استهداف السلطات لتواجدهم، واعتقالهم وإبعادهم بحجج ودواع واهية لا تستند لأي أدلة أو مسوغات قانونية. وبالرغم من شهادة القاصي والداني بأحقية عمل مؤسسة "عمارة الأقصى" التي لم تتخلف يوماً عن أداء واجبها في حماية حقوق الفلسطينيين ومقدساتهم، وفي إثراء الفعاليات التربوية التي تهدف الى توعية الأجيال الناشئة وتعريفهم بواجباتهم الدينية والوطنية, فإنه لا يمكن لهذا القرار الأبله أن يحِّد من عزيمة أحد في نصرة المسجد الأقصى، وحمايته من كيد الاحتلال الزائل حتماً،بعد أن يأذن الله في ذلك.
وإنا على العهد باقون.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net  

مقالات متعلقة