الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 06:01

كي لا يأكلنا الغول/بقلم:وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 05/09/14 07:25,  حُتلن: 12:49

وديع عواودة في مقاله:

 60% من جرائم القتل في 2013 عربية وهي تضاف لآلاف جرائم العنف الأخرى المتزايدة بما يتجاوز نسبة النمو السكاني بكثير

يكرّس التجمع الوطني الديموقراطي جهوده كبيرة وهامة لفضح زيف الديموقراطية في إسرائيل وتفكيك بنيتها العنصرية بل هو صاحب هذا المشروع منذ اعماده فكرة دولة المواطنين قبل "أن نعد لهم الخيول ورباطها"

 يتطلب من قادة التجمع إدارة حوار مع الجانب الإسرائيلي بكل ما فيه الإصغاء المتبادل معه رغم الخلاف الكبير على خطى عزمي بشارة قبل مغادرته بدلا من " حوار طرشان " صاخب مضر يمكن أن يفهم خطأ وكأن دوافعه شعبوية وانتخابية فحسب

كما ينبه جرس الصباح ببدء التعليم كل صباح يذكّرنا رصاص القتل بأن عدوا داخلنا: في بيوتنا وأحيائنا وبلداتنا لا يقل خطرا عن التهديدات الخارجية. جريمة قتل المربي يوسف حاج يحيى أكثر من جرس إنذار وأكبر من ضوء أحمر لكافة المجتمع العربي. يخطأ من يظن أن هذا داء يميّز مدينة الطيبة فحسب. ربما تكون الجريمة في الطيبة أو المثلث الجنوبي أكثر تفشيا لكنها تأتي على مساحات خضراء وتلتهما في كل بلدة عربية وإن كان بتفاوت. الشروط الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية في المدن والأرياف العربية متشابهة جدا وهي تغذي مستنقعا واحدا على ضفافه يكبر الطاعون. معطيات الشرطة تفيد بأن 60% من جرائم القتل في 2013 عربية وهي تضاف لآلاف جرائم العنف الأخرى المتزايدة بما يتجاوز نسبة النمو السكاني بكثير. هذه الجرائم التي كانت تهز المجتمع العربي قبل سنوات تحولت بسبب غياب استراتيجية اجتماعية مواجهة لحالة طبيعية وهذا فشل سياسي كبير. تعبيرا عن خطورة تفشي جرائم العنف قال رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة محمد بركة خلال اجتماع لـ " المتابعة " قبل سنوات : سيأتي يوما فنلتفت نحن القيادة ورائنا ولا نرى أحدا..". صدق بركة لكن ماذا فعل للحيلولة دون بلوغ هذه النقطة ؟

علبة حزبية
كذلك زملاؤه بشكل عام اكتفوا ببيانات تنديد واستنكار وذهبت الحركة الإسلامية الشق الشمالي قبل خمس سنوات لتحمل وزر هذا الملف الثقيل في مشروع " البيت الآمن " بدا أكبر منها منذ إطلاقه. في مؤتمر صحفي في الناصرة أعلنت الحركة عن المشروع وشارك فيه رئيس " المتابعة محمد زيدان معبرا ذلك عن عقم وعجز وعمى الهيئة التمثيلية الأعلى. بدلا من تكون " المتابعة " مبادرة وراعية لمشروع جماعي يواجه سرطان العنف بخطة وقاية وعلاج حضر رئيسها ضيفا مباركا مشروع لا مبرر لحصره بعلبة حزبية ترعاه حركة حتى وإن نجحت بتحقيق بعض المشاريع العصامية المعينة. بنهاية المطاف وكما كان متوقعا لم يتبق من " البيت الآمن " غير اسمه فهو يتجاوز وسعها ويحتاج لطاقات متنوعة وواسعة أما رئيس الموحدة إبراهيم صرصور فيكرس كنواب آخرين الكثير من الطاقات بهذا المضمار لكتابة مقالات تنافس ببيانها كتابا بارزين وما أحوجنا للعمل مع القول.
ويكرّس التجمع الوطني الديموقراطي جهوده كبيرة وهامة لفضح زيف الديموقراطية في إسرائيل وتفكيك بنيتها العنصرية بل هو صاحب هذا المشروع منذ اعماده فكرة دولة المواطنين قبل "أن نعد لهم الخيول ورباطها". وهذا يتطلب من قادة التجمع إدارة حوار مع الجانب الإسرائيلي بكل ما فيه،الإصغاء المتبادل معه رغم الخلاف الكبير على خطى عزمي بشارة قبل مغادرته بدلا من " حوار طرشان " صاخب مضر يمكن أن يفهم خطأ وكأن دوافعه شعبوية وانتخابية فحسب. طيلة عقود وضعت الأحزاب العربية بيضاتها وبيضاتنا جميعا في سلة البرلمان على حساب الميدان دون أن تلتفت لتغييرات هامة تعصف به ولتيارات باطنية وظاهرية تنذر بالخطر. وحتى عندما وقع الفأس بالرأس قبل عدة سنوات لم نستيقظ ونستعيد وعينا بالكامل.

دور المزعج
أحيانا كثيرة يخيّل لنا أننا قادرون بالمنظور القريب على مناهضة إسرائيل وإحباط مخططاتها،تحويل مواطنتنا من بلاستيكية لطبيعية واستعادة حقوقنا وإنجاز المساواة الحقيقية المرادة. إسرائيل لن تخلع ثوبها " اليهودي" تحت التهديد خاصة أننا لا نهددها بشكل حقيقي ولا نقوم فعلا بدور " المزعج " و " المثير للقلاقل " لأننا نكثر من الثرثرة ونقلل من التعبئة وطاقاتنا الكامنة مهدورة على مذبح التناحرات الحزبية وتغليب الثرثرة على التعبئة وإهمال شؤون البيت وإغفال الجبهة الداخلية المتداعية. ومع ذلك ما زال المجتمع العربي بنظر إسرائيل،ولعدة أسباب، " خطرا أمنيا " و " طابورا خامسا " ينظر له عبر فوهة الأمن. ولذلك ستبقى المساواة الكاملة حبر على ورق : بحر من الثرثرة والأقوال وقطرة أفعال وفتات.
المطالبة بتغيير الواقع وتفكيك البنيان الصهيوني المتناقض الكامن بـ " دولة يهودية – ديموقراطية " من خلال تغيير طابع إسرائيل وتعريفها بالقانون عبثية وغير مجدية وتدلل التجربة الواسعة معها أن الطريق للهدف المشتهى ينبغي أن يبدأ بهدوء وبنفس طويل من القاعدة وليس من الرأس كما تفعل قوى اليسار في العالم بعكس قوى اليمين المعتمد على خطاب الرموز. هذا يعني عدم خوض المعركة على طابع الدولة وهويتها واعتماد سياسة " الخطوة خطوة " حتى تنضج الشروط الضرورية كما وكيفا لا سيما أن إسرائيل اليوم مختلفة وأكثر انغلاقا وتطرفا وتحكمها نخب دينية وأخرى علمانية فاشية عادت لتتعامل معنا بالاستعداء بعد فشل الاحتواء.

نحن وإسرائيل تغيرنا

وهذه حلقة في مسيرة بدأت غداة سيطرة الليكود على السلطة نهاية السبعينيات وتفاقمت نتيجة تغيرات ديموغرافية لا سيما بعد هجرة مليون مهاجر روسي مطلع التسعينيات. ليست هناك فرصة بالمدى القريب لتغيير طابع إسرائيل قانونيا وبالتوافق مع الأغلبية اليهودية،فالكرز يزهر في الشتاء،يبرعم بالربيع ويثمر في الصيف و " كل شي بوقته حلو ".
إن تغيير هوية إسرائيل لن يتأتى بالتصادم الجبهي المباشر. بالعكس،التلويح بمنديل أحمر حتى لو كان خرقة مليئة بالثقوب يسبب هيجان ثور هائج أصلا ويعتريه خوف ينم عن تزعزع ثقته بنفسه. بعد سبع سنوات على وثيقة حيفا و التصور المستقبلي يستنتج أنها أججّت مخاوف الإسرائيليين من " الطابور الخامس " وعادت علينا كيدا مرتدا وبالتأمل بها بنظرة للخلف تبدو أنها سبق إوانها.

عزمي بشارة

واليوم لا يملك مشروع قانون رئيس العربية والتغيير أحمد الطيبي لجعل المواطنين العرب أقلية قومية معترف بها أي احتمال نجاح وبالذات في هذه الظروف. على غرار تصريحات إعلامية هامة في الإعلامين العربي والعبري لن يبق من مشروع القانون سوى مقولة سياسية إعلامية تطرح تحديا جديدا أمام الديموقراطية الإسرائيلية مثلما فشلت مشاريع قوانين أخرى مشابهة(دولة كل مواطنيها أو حكم ذاتي ثقافي للعرب) للرئيس السابق للتجمع الوطني الديموقراطي عزمي بشارة وغيره.
ما نحتاجه إعادة ترتيب سلم أولوياتنا، تحصين الجبهة الداخلية والتراجع عن خطوات وأهداف كبيرة والاحتفاظ بنفس طويل وتغيير الناحية التكتيكية عبر تحديد أهداف أكثر تواضعا،السعي الصادق لعمل جماعي وحدوي يغلب الوطن على الأنا الحزبي والشخصي والبحث عن تحالفات موضعية بالشارع الإسرائيلي والتحرر من خطاب بعثي خشبي لا يسمن من جوع. لا مفر من ملاحقة الشرطة وفضح عجزها ودفعها لمعالجة فوضى السلاح والتعامي عن جرائم يومية مثلما ينبغي ملاحقة وزارة المعارف لتحقيق ما نريد بالمضامين والثقافة والبنى التحية. بالمقابل ينبغي أن نغيّر ما بأنفسنا ونسهر على إعادة بناء منظومة قيمية منهجية وبالتربية والتثقيف والكد والجد وإلا كيف نقفز للحصاد قبل الزرع؟ وكل ذلك يحتاج لمؤسسات عربية فعالة وعصرية توازن بين الجبهتين الداخلية والخارجية ومدعومة بميزانيات تجمع من الأهالي ومن الخارج طالما كانت باسم الجماعة ولصالحها. في صيغتها الحالية تعجز " المتابعة " و " القطرية " عن تحقيق 5% من ذلك وإذا لم يوقظنا دم يوسف حاج يحي سيأكلنا غول العنف بلا رحمة وعندما تأتي إسرائيل لالتهامنا ستجدنا هيكلا عظميا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net  

 

مقالات متعلقة