في ظل تزايد عدد المرضى المصابين بالأمراض الخطيرةِ الفتاكةِ ، كمرض السرطان ، تزايد أيضاً النقاش والبحث عن الأسباب والعوامل لهذه الظاهرة المقلقة .وقد تكون هذه الأسباب عديدة ومتنوعة، ولكنني أُريد، وفي عجالة،  التركيز والتشديد على سببٍ له، باعتقادي، الأثر الأكبر في انتشار هذه الأمراض – ألا وهو نوعية الطعام والغذاء الذي نتناوله يومياً...
فعندما يدخل الواحد منّا ، على سبيل المثال ، إلى حانوت لبيع لحوم الدجاج تنبهرُ عيناه من منظر الأكوام المكدسةِ الهائلةِ من اللحوم ،والتي تُباع بأسعار شعبية . أُقارن هذا المنظر مع ما كان عليه الحال  في الماضي، فأستخلصُ بأن كمية  لحوم الدجاج الموجودة اليوم في الحوانيت هي أضعاف مُضاعفة من الكميات التي كانت في الأيام السالفة . وتقودني هذه المقارنة من حيث الكم إلى مقارنة أخرى بين دجاج اليوم والأمس من حيث الكيف والجوهر.فالدجاج في الأيامِ الغابرةِ كان يصول ويجول  في حقولنا وأراضينا ، طعامهُ طبيعي يلتقطه من الأرض ، أما دجاج اليوم فإنه يرى النور في هذه الدنيا بطرق تقنية ، بحيث ينمو ويكبر بسرعة هائلة ، يتغذى بهورمونات ومقويات في المزارع الحيوانية. ومن البديهي أن تنعكس هذه الفروق على الطعمِ والجودة ِ ، فالدجاج سابقاً كان له نكهة مميزة وطعم ممتاز ، بحيث كانت تنتشر رائحته عند طهيه في كل الحارة – أما اليوم فلا طعم له ولا رائحة ولا ...
كذلك الأمر بالنسبة للفاكهة والخُضار التي نتناولها يومياً: فللفاكهة وللخُضار سابقاً كانت نكهة مميّزة ، طبيعية ،طعم ومذاق خاص ، قيمتها الغذائية عالية : أما اليوم فنرى غزارة في إنتاج الفواكه والخضراوات ،ولكن لا طعم لها ولا قيمة ولا مذاق: فالفاكهة ليست نفس الفاكهة وكذلك الخضراوات...
 يُفضّلُ المزارع في هذه الأيام استعمال الكيماويات كمبيدات حشرية  ، لأنها تُساهم في زيادة الغلة المُنتجة  وفي حمايتها من الآفات التي من الممكن أن تُصيبها وتتلفها بسرعة.إن استعمال هذه الكيماويات والمبيدات لرش الفواكه والخضار مثله مثل استعمال الهورمونات والمقويات في المزارع الحيوانية  ، لأنها تشكل خطراً كبيراً على حياة الإنسان وصحته ، وقد تؤدي إلى أمراض خطيرة ...
ولا يختلف الأمر بالنسبة لتربية الأسماك في البرك ، حيث يتم تغذيتها وإطعامها مواد غير طبيعية ، فكلنا نتذكر ما حدث قبل سنتين تقريباً ، عندما تمّ الكشف عن وجود مواد ممنوعة في برك الأسماك ، والتي من الممكن أن تسبب الأمراض...
وهذا الكشف لم يكن الوحيد : فقد تبيّن بأن المستهلك اقتنى ويقتني العديد من أنواع الطعام التي من الممكن أن تُشكّل خطراً على سلامته ،مثل  اللحوم المُجمّدة التي انتهت مُدة صلاحيتها ،  ناهيك عن الأضرار الصحية الناتجة عن وجود صبغة الطعام والمواد الحافظة في العديد من المنتجات...
نحن نشهد إذاً غزارة في إنتاج اللحوم والأسماك والخضار والفاكهة ، ولكننا عملياً ندفع ثمن هذه الحضارة وهذه الغزارة وهذه الوفرة في الإنتاج ، فنحن لم نفقد فقط الجودة والنكهة الطبيعية ، بل تسبب هذا الإنتاج " غير الطبيعي " أيضاً في ازدياد وانتشار الأمراض في مجتمعنا...
 لقد أدى هذا الوضع إلى تزايد الأصوات التي تُنادي بالانتقال إلى "الطعام الطبيعي" ، أو ما يُسمى " الطعام العُضوي" .هذه المنتجات العضوية- الطبيعية قليلة نسبياً وثمنها أكثر ارتفاعاً من غيرها ، ولكنها أكثر فائدة للإنسان ، لأنها تحتوي على عدد محدود جدًا من العناصر الكيماوية. أثبتت الأبحاث أن القيمة الغذائية للأطعمة  العضوية من فواكه وخضراوات ولحوم عالية ، فهي تحتوي على معادن غذائية هامة لتغذية الإنسان وعلى كميات أعلى من الفيتامينات ، وخاصة للأطفال الذين لم يكتمل نضوجهم بعد ، وهم معرضون أكثر من غيرهم لتأثير سموم المواد الكيماوية الخطرة...
خِتاماً: إن الهم الأساسي  للشركات التجارية ينَصّبُ في مجال التسويق وترويج البضاعة وليس في بيعكَ منتجات مُفيدة وصحية ، ولكن اعلم بأنه لا شيء في الحياة أغلى من الصحة ، والصحة تبدأ بالطعام ِ ، لذلك وَجَبت عليكَ الحيطة والانتباه لأنواع الطعام الذي تتناولهُ- فالإنتاج غزيرٌ ووافرٌ ، وأما الجودة..