الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 04:01

المكان نفسه الزمان والاشخاص وكل ما بينهم تغيّر/ بقلم: رزان بشارات

كل العرب
نُشر: 03/07/14 11:38

رزان بشارات في مقالها:

الدوائر الموجودة في مجتمعي تحجب الحقيقة وتخدم مصالح معينة تحدّ من تفكيرنا الابداعيّ وممارستنا الحرية والمساواة

العنف النفسي والجسدي والتمييز في ارضنا، مؤامرات ومكائد صارمة والهروب من ذلك الألم بالإدمان على الكحول والمخدرات وكل ما يليه من دمار للإنسان بدل الثوران وعدم الرضوخ

أجلس على ذلك المقعد الخشبي المسطح المزركش بحبات الندى الرقيقة وبأوراق الشجر المتساقطة من ذلك الجذع الذي يلوح شمالا ويمينا وتُغلّف نبضات قلبي تلك الرائحة وتحملني إلى الماضي منبع الفخر والعزّة والكرامة وبعض القيّم والمبادئ التي تزيد لوعتي وحرقتي لانتمائي لوطني الذي ينشأ كل ثانية من تلك النظرات في عينيّ جدي، ومن ذلك التمييز والقمع لمجتمعي ككل وللفئات المهمشة في المجتمع العربي بشكل خاص من مكانة النساء، اصحاب الاعاقات، الاطفال والمسنين وغيرهم، اجلس على ذلك المقعد بإصرار وعزيمة وبجانبي ذلك الشخص المتكبر الاناني المغرور الذي يدعي القوة ويصرخ بقوّة لامتلاكه بعض المظاهر الخارجية ولأنه يُمثل الأغلبية في أرضي وأرض اجدادي، وتطلق من عينيه تلك الاشعة الحارقة التي تحاول اقناعي بالرضوخ الى سلطته بهدف الشعور بالأمان..

نشأت في هذا المكان الغريب، الذي يُدعى موطني ويصطنع كل شيء، هنالك أُمور زائفة وتقلّد الاصل بطريقة بشعة، تتداخل الامور بالقمع والتمييز ويبدأ من تلك البؤرة الصغيرة "أنا"، كوني ولدت انثى او ذكر وتتوسع الدائرة، عائلتي، ديانتي، الوضع الاقتصادي، صحتي، انتمائي الوطني ومن ثم الحزبي حتى الوصول الى المجتمع ككل! والى القمع والذل الموجه لكوني عربية وفلسطينية، هذه الدوائر الموجودة في مجتمعي تحجب الحقيقة وتخدم مصالح معينة تحدّ من تفكيرنا الابداعيّ وممارستنا الحرية والمساواة حيث نثور على بعضنا البعض ونخفي حقيقة وحدتنا، قد تفككت وتحللت هويتنا الثمينة، هوية الانسانية التي تتجلى لكونك فلسطيني وتعزز انتماءك الوطني، اغتصابات وتحرشات جنسية واعتداءات للمرأة الفلسطينية في فلسطين المحتلة من المجتمع الداخلي ومن السلطة والقوة من خلال تلك الاغتصابات والتحرشات لكونها فلسطينية تود العبور من المعبر بين الضفة والداخل من انتهاكات لخصوصيتها وانتهاكات لذلك الجسد الطاهر، ظاهرة القتل والعنف داخل مجتمعنا للأطفال والنساء والمسنين، العنف النفسي والجسدي والتمييز في ارضنا، مؤامرات ومكائد صارمة والهروب من ذلك الألم بالإدمان على الكحول والمخدرات وكل ما يليه من دمار للإنسان بدل الثوران وعدم الرضوخ.

على ذلك المقعد أجلس، ورضخت للأمر الواقع بسيطرة شفافة اللون خبيثة وتعلمت لغة غير لغتي وفي كل يوم اجلس على ذلك المقعد واردد كلمات غير كلماتي وارقص على الحان بعيدة عن انغامي، وكأن الجسد يرقص بدون روح، ذلك المقعد المهمّش الخشبي أجلس عليه وانظر الى تلك الورود قد تغيّر لونها وحركتها مع نسيم الهواء قد تغيّرت وعلمتُ ان المياه تلوثت لان يدي جدتي قد تجعدت والمياه العذبة التي كانت تشق الطرقات الطويلة قد تعكرت.

ما زلت اجلس على ذلك المقعد الخشبي ويناشدني ذلك الشخص الغريب ببناء منزل على قطعة الارض تلك المجاورة، سنهدم تلك الشجرة والبناء القديم ونبني اسس متينة تدوم لوقت اطول، في تلك اللحظة دخل ذلك الصراع الى ذهني، كيف له ان يطلب مني ان اهدم منزل اجدادي وبناء منزل اخر حصين وقوي.. الا يعلم ان القوة تكمن في ذلك البيت وان جدرانه رمز للعزّة والكرامة والفخر، كل زاوية تحدثني رواية وقصة تتداخل بها كل معاني النضال، البساطة المحبة التعب والشجاعة، في كل زاوية هنالك عجوز يرتدي العمامة وعجوزة مع منديل متصبب بالعرق، في كل زاوية اشعار وكتابات من ذهب، وقماش منقش بالطراز الاحمر الوردي وصور، في كل زاوية محراث ملوث بالتراب قد انغرس بالأرض الخصبة وأثمرت للأجيال القادمة وتزيّنت بخطوات تلك القدم الصلبة وذلك الوجن اللامع المتفائل، في كل زاوية جرّة مياه عذبة ومأكولات اصيلة وروح نقية من كل حقد وقلب واسع ابيض، كيف لماضي ان يُهدم وانا اعيش على اوتار ذاكرته.

رفضت الرضوخ ونهضت وقاومت الجلوس على ذلك المقعد، رفعت رأسي وثرت
تلاشت الأفكار ووقعت أطرافها وبدت الامور أخطر وأصعب حيث تفكك ذلك الاطار الذي كان يجمعنا كوحدة واحدة وباتت الحرية هلاك والوطن يتمحور حول افكار وانتماء لأرضنا التي .نرويها ويرتوي منها الاخرون.

كثيرا تجرفنا تلك الآراء والانتقادات والصراع الذي يقطن داخلنا ويناشد العالم بالسكون لكي نفكر للحظة ونعيد النظر الى تلك الامور ونسيطر عليها في عقلنا لنستطيع الفوز بحزام الأمان الشفاف ونرى حقيقة واقعنا، فهنالك بعض الأحاسيس التي تربطنا بماضٍ لم نحيا به ولكنه ترصع بالقيم الرائعة والقيمة، ماضٍ سمعت عنه، رأيته بخيالي الواسع وآمنت انه الاجمل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة