الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 14 / مايو 04:02

بين المنطق الإنهزامي ومنطق المقاومة/ بقلم: سليمان ابو ارشيد

كل العرب
نُشر: 28/06/14 11:31,  حُتلن: 14:28

سليمان ابوارشيد ردا على مقال مرزوق حلبي:

كأنه كان ينقصنا أن يطل علينا من وسط "هلمة" الجنرالات وعبر إعلامهم المذكور "شاويش" منا لا يحمل أي رتبة أو نيشان ولكن سعيا لذلك يحثنا على الإسراع في استنكار عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة

المقصود هو مرزوق حلبي "المستشار الاستراتيجي والكاتب وصاحب عمود في جريدة الحياة" كما ذيل مقاله الذي نشرته صحيفة "هارتس" الاسرائيلية بتاريخ 21.6.14 تحت عنوان "أيها الفلسطينيون استنكروا عملية الاختطاف"

مقال حلبي يواصل موجها سهامه الى الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال قائلا "وكأن الواقع تحت الاحتلال متحرر من الالتزامات الاخلاقية على طريق طرد المحتل ولا يملك الى ما لا نهاية من الوسائل العنيفة وغير العنيفة غير المرتبطة بتنفيذ جرائم"

كأنه ينقصنا كما يقولون، أو لا يكفينا جنرالات الصحافة الإسرائيلية المرصعة صدورهم بأوسمة ونياشين البطولة في تأكيد القتل السياسي بعد انتزاع الاعتراف منك بأنك إرهابي وتنتمي لشعب من الإرهابيين ينغص سير حياة جماعة المستوطنين البيض في هذه البلاد، من خلال القتل أو من خلال اختطاف اولادهم الآمنين.

كأنه كان ينقصنا أن يطل علينا من وسط "هلمة" الجنرالات تلك وعبر إعلامهم المذكور "شاويش" منا لا يحمل أي رتبة أو نيشان، ولكن سعيا لذلك يحثنا على الإسراع في استنكار عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة الذين يسود الاعتقاد بأنهم اختطفوا من قبل أحد الفصائل الفلسطينية، ويلومنا على عدم اعتبار حادثة اختفائهم عملية إرهابية لأنها استهدفت مدنيين، حتى لو كانوا مستوطنين، كما يقول.

المقصود هو مرزوق حلبي، "المستشار الاستراتيجي والكاتب وصاحب عمود في جريدة الحياة" كما ذيل مقاله الذي نشرته صحيفة "هارتس" الاسرائيلية بتاريخ 21.6.14 تحت عنوان "أيها الفلسطينيون استنكروا عملية الاختطاف". حلبي انحى باللائمة على القيادات الفلسطينية داخل اسرائيل، "التي تلعثمت وتلوت ورفضت أن تسمي الولد باسمه".. وطالبها بإصدار بيان فوري للرأي العام تستنكر فيه عملية الاختطاف بوصفها إرهابا، وهو ينتفض قائلا، "لا يمكن للإنسان العاقل أن يقبل خطف مدنيين حتى لو كانوا مستوطنين لغرض استعمالهم ورقة مساومة". ويضيف، "القانون الدولي نفسه الذي يحظر مسلسل جرائم الاحتلال الاسرائيلي يسري على هذه الحالة ويمنع خطف مدنيين! ويواصل "الحديث يدور عن عمل ارهابي لا يمكن قبوله حتى لو توجوه بتاج مقاومة الاحتلال أو ادعوا انه رد فعل على حالة اليأس".

مقال حلبي يأتي بالتزامن وفي ظل حملة التحريض التي تشنها وسائل الاعلام الاسرائيلية ضد النائب حنين زعبي لرفضها اعتبار حادثة اختفاء المستوطنين الثلاثة عملية إرهابية، منطلقة من أن الاحتلال بالمجمل هو الإرهاب في حين أن التصدي له هو مقاومة للاحتلال.

التحقيق "الصحفي" الذي تعرضت له زعبي في أقبية إحدى القنوات الاسرائيلية فشل في اقتناص اعتراف مسجل بالصوت والصورة منها بأنها إرهابية تنتمي الى شعب من الإرهابيين، وذلك رغم انه جرى تحت طائلة التهديد بسيف القانون المسلط فوق رقاب أعضاء الكنيست العرب، ووفق معادلة إما أن تعترف وتعتذر وتؤكد أو تجدد الولاء لأولياء النعمة، وإما أن تخرج من الاستوديو الى غرفة التحقيق البوليسي، وهو ما حصل مع زعبي، التي أعلنت الشرطة عن فتح تحقيق بوليسي ضدها.
زعبي لم تكن أول من كسر هذه القاعدة التي سبق وفرضت على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ، وقضت باستنكار أي عملية فدائية يقوم بها فلسطينيون بغض النظر اذا كان القتلى من الجنود أو من المدنيين الإسرائيليين. وفي الماضي غير البعيد أيضا سارع أعضاء الكنيست العرب من الجبهة وغير الجبهة الى الايفاء بهذا "الاستحقاق"، فاستنكروا العمليات الفلسطينية على اليمين وعلى الشمال، حتى حولوا النضال والمناضلين الفلسطينيين الى مجموعة قتلة وإرهابيين. واليوم ومنذ توقيع اتفاق اوسلو تعدى نطاق الاستنكار الخط الاخضر ليشمل السلطة الفلسطينية التي بات مطلوبا منها أيضا، استنكار أي عمل فدائي فلسطيني. القيادة الفلسطينية التي استجابت بدورها لهذا الاستحقاق دون أن تدرك أن ما بدأ كـ"رفع عتب" وتحاشيا للإحراج الدولي، وما أطلقت عليه اسرائيل "الباب الدوار" في عهد عرفات، أخذ منحى جديا في عهد أبو مازن الذي سرعان ما ترجم أقواله عن العمليات العقيمة والصواريخ العبثية على الأرض عبر تعزيز التنسيق الأمني مع اسرائيل عبر ملاحقة المقاومين.هناك شهادات دامغة مقاومين أحياء وذوي شهداء تدين أجهزة أمن سلطة أبو مازن، أدلها شهادة والدة أحد الشهداء الذين سقطوا خلال الاقتحامات الإسرائيلية التي جاءت في أعقاب اختطاف المستوطنين الثلاثة، وبهذا المعنى فإن تصريح النائبة زعبي الذي اعتبرت فيه التنسيق الأمني خيانة وطنية كان تعبيرا صادقا عما يدور في عقول وقلوب الفلسطينيين.

وعودة الى مقال حلبي الذي يواصل هجومه على قيادة الفلسطينيين في اسرائيل بوصفها "بانها ما زالت أسيرة نظرة عفا عليها الزمن، تفيد بأنه من المسموح للواقع تحت الاحتلال فعل أي شيء- حتى خطف مواطنين لغرض المساومة- لأنه الطرف الضعيف". ويواصل موجها سهامه الى الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال قائلا "وكأن الواقع تحت الاحتلال متحرر من الالتزامات الاخلاقية على طريق طرد المحتل، ولا يملك الى ما لا نهاية من الوسائل العنيفة وغير العنيفة غير المرتبطة بتنفيذ جرائم". ثم يعود ليصف القيادة الفلسطينية داخل اسرائيل بأنها "مصابة بمرض تلبد الاحاسيس وهو مرض سبق وقادها الى بلاط الدكتاتورالأسد الأب والإبن والى خيمة الطاغية القذافي"- على حد قوله. ويستطر حلبي في هجوم منفلت ومتلفع بعباءة حقوق الانسان، واصفا هذه القيادة بأنها تتحدث بلسانين، فهي، حسب رأيه، تنشئ الخطابات المطولة وبحق ضد جرائم الاحتلال الاسرائيلي ولكنها لا تجرؤ على انتقاد عمل اختطاف مدنيين أو أي جريمة اخرى من جانب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، هي قادرة على الخروج ضد قتل المدنيين في الجانب الفلسطيني بينما تمتنع عن استنكار، وبصوت واضح وقاطع، اطلاق صواريخ على مستوطنات اسرائيلية ( تستهدف المدنيين)، كما يقول.

ورغم خلافنا معه في وجهة النظر التي تعتبر المستوطنين مدنيين، بينما هم يشكلون في واقع الأمر قواعد متقدمة للاحتلال في عمق الاراضي الفلسطينية وركائز لتثبيت وجوده على الارض وأدوات عدوان يومي على الانسان الفلسطيني وأرضه، خاصة وأن جيش الاحتلال ذاته، وللمفارقة، يضطر في بعض الأحيان للقيام بحماية الفلسطينيين من اعتداءاتهم اليومية. برغم خلافنا ذاك فقد كدنا نصدق أن الكاتب يؤمن بما يقول ويدافع بصدق عن وجهة نظرهو مقتنع بها، لولا أننا اصطدمنا بمقال آخر، كتبه بالتزامن مع مقال "هآرتس" ونشره في "الحياة" السعودية.

يقول حلبي في مقاله المذكور، "لقد اعتقد «حزب الله» في تموز (يوليو) 2006 بصواب خطف جنود إسرائيليين ليكتشف واللبنانيون معه أن ذلك فاتحة لنار جهنم ذهبت بحياة وأجساد آلاف اللبنانيين وبيوتهم وممتلكاتهم وأخّرت لبنان عقداً من الزمن في أقلّ تقدير. ولكن يبدو أن مثل هذه الكلفة التي رُميت على عاتق الدولة اللبنانية لا تعني شيئاً للذين يتلقون رواتبهم وتمويلهم من خزينة «الحرس الثوري» الإيراني مباشرة! وهنا، يتكرر المشهد فتُرمى الكلفة على الشعب الفلسطيني وقضيته وقيادته. فيكون خاطفو الفتيان الثلاثة خاطفي المسألة الفلسطينية ونازعي فتيل عدالتها. وهكذا، تبقى القضية الفلسطينية في الأسر، كما هو لبنان العريق". إذًا، القضية ليست قضية مدنيين ولا قانون دولي، بل هي قضية موقف سياسي انهزامي يحمل الضحية وزر جرائم الجزار ويضع على كاهلها هي مسؤولية أفعاله وجرائمه لمجرد انها قاومت ولم تستكين، فنحن مسؤولون عن جرائم اسرائيل ضدنا وبهذا المعنى فإن الفعل المقاوم حتى لو استهدف جنودا، كما كان حال عملية حزب الله هو "جريمة" يجب عدم الاقدام عليها، وإذا ما وقعت فيجب ادانتها واستنكارها لأنها إما ستفتح علينا نار جهنم واما ستنزع فتيل عدالة القضية الفلسطينية. وطبعا وفق وجهة النظر تلك، فإن خطف الجندي شاليط جلب الحرب والويلات على غزة وعلى الشعب الفلسطيني ويقاس على ذلك أن كل عملية مقاومة تستدعي رد فعل من الاحتلال هي سبب في جلب الويلات على الشعب الفلسطيني، وبهذا المعنى فإن المقاومة، استنادا الى وجهة نظر الحلبي، هي سبب ويلات الشعب الفلسطيني وليس الاحتلال.

نقول ذلك دون الدخول في أسباب ودواعي الموقف الحاقد- الذي تنطق به تعابيره- على انتصار المقاومة اللبنانية في 2006 وهزيمة اسرائيل في هذه الحرب، وهو موقف يتطابق مع سياسة أصحاب "الحياة" السعودية التي نشر فيها المقال، مثلما تتطابق وجهة نظره في "هآرتس" مع سير خط المجتمع الاسرائيلي وإجماعه، الأمر الذي جعل صاحبنا يتحدث بلسانين.  

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة