* الولايات المتحدة فى الوقت الحالي تخسر على جميع الجبهات

* إيران استطاعت خلال الفترة الماضية من بناء شبكة نفوذ مؤثرة وقوية فى بقاع مختلفة

كتب توماس فريدمان لصحيفة "نيويورك تايمز" مؤكدا أن ما يحدث الآن فى منطقة الشرق الأوسط هو احد التحديات الكبرى التي ستواجه السياسة الخارجية للرئيس الأميركي القادم، على اعتبار أن ما يحدث الآن فى المنطقة مقدمة لحرباً باردة جديدة سوف تشتعل مرة أخرى فى هذه المنطقة الملتهبة من العالم، فالرئيس القادم للولايات المتحدة – بحسب وصف فريدمان– سيكون رئيسا لفترة حرب باردة ستواجهها أميركا فى المستقبل القريب.
وفي هذا السياق فان فريدمان يلفت النظر إلى أن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي من حوادث عنف وتمرد – من وجهة النظر الأميركية - هو عبارة عن صراع من اجل مناطق النفوذ والسيطرة بين الولايات المتحدة وحلفائها المقربين من الدول العربية السنية وإسرائيل من جهة، فى مواجهة التحالف الإيراني-السوري ومن معهم ولا سيّما "حزب الله" من جهة أخرى، ولذلك أشار إلى ما ساقته احد الصحف اليومية الإيرانية الكبرى التى أكدت أن صراع النفوذ في المنطقة الآن ينحصر بين فريقين فقط الولايات المتحدة وإيران.

هكذا هي الحروب في لبنان!

ولفت فريدمان الانتباه إلى أن الولايات المتحدة فى الوقت الحالي تخسر على جميع الجبهات ولكن كيف ذلك؟ فيقول أن إيران وقادتها يتّسمون بالذكاء الشديد بينما يتّسم سلوك الولايات المتحدة بوصم بالغباء والضعف الشديد، أما حال حلفائها من الدول العربية السنية فليس أفضل بكثير فهي دول عاجزة ومنقسمة على نفسها.
وابرز المظاهر التي ساقها فريدمان فى إطار التدليل على حديثه عن الحرب الباردة المقبلة في المنطقة كانت ما شهدته العاصمة اللبنانية بيروت من أحداث عنف ومظاهر مسلحة.
وفي نفس الوقت أشار فريدمان إلى ما نقله احد الكتاب الإسرائيليين والذى يدعى إيهود ياري احد المراقبين والخبراء فى شؤون الشرق الأوسط في إسرائيل حيث وصف ما يحدث الآن فى المنطقة بالسلام الإيراني على غرار ما يسمى فى أدبيات علم السياسية والعلاقات الدولية بفترة السلام الأميركي، ويبنى فريدمان هذا الاستنتاج على أن إيران استطاعت خلال الفترة الماضية من بناء شبكة نفوذ مؤثرة وقوية فى بقاع مختلفة داخل منطقة الشرق الأوسط، بدًا من السيطرة على رئيس الوزراء العراقى نوري المالكي، إلى التحكم فى تحركات الميليشيات الشيعية فى العراق، فضلا عن مساعدة ودعم "حزب الله" وتزويده بالأسلحة خصوصا الصواريخ، ودعمها الكبير لانقلاب حركة "حماس" فى قطاع غزة وسيطرتها عليه، وإجهاض أية جهود تدعمها الولايات المتحدة من اجل إقرار السلام فى منطقة الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبالتالي استطاعت إيران تثبيت نفسها في موضع يجعل من يفكر فى مهاجمتها أو مهاجمة منشآتها النووية في موقف لا يحسد عليه ويفكر كثيرا قبل شن أي هجوم عليها، لأن مثل هذا الهجوم سوف يدفع المنطقة إلى فوضى كبيرة تنتشر فى أماكن مختلفة فى الإقليم في لبنان وفلسطين والعراق ودول الخليج.

ويشير فريدمان إلى أن الرئيس الأميركي جورج بوش وأعضاء إدارته طوال الثماني سنوات التي قضوها فى البيت الأبيض قد وضعت الولايات المتحدة في موقف لا تحسد عليه في المنطقة، موقف لا يحمل أي احترام أو خوف منها ومن قوتها، وفقدان الكثير من هيبتها وهيمنتها. فرغم أن بوش ذهب إلى منطقة الشرق الأوسط فى كانون الثاني الماضى، وتلت هذه الزيارة زيارات أخرى قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، ونائب الرئيس ديك تشيني هو الآخر قام بزيارة إلى المنطقة، كما عاد الرئيس الأميركي هذا الأسبوع إلى المنطقة مرة أخرى، إلا أنه بعد كل ذلك ماذا حدث؟ ارتفعت أسعار البترول بصورة غير مسبوقة، مستقبل عملية السلام غير مبشر على الإطلاق، وبالتالي فان أميركا الآن فى وضع لا يمكّنها من هزيمة أو ردع أو احتواء أي من الفاعلين الرئيسيين فى المنطقة.
ومن ناحية أخرى يلفت فريدمان الانتباه إلى أن احد الموضوعات الذى تعتبر ساحة من ساحات المنافسة بين المرشحين المتنافسين على ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة هيلاري كلينتون وباراك أوباما هو ماهية الأسلوب الأفضل للتعامل مع إيران؟ هل يكون الحوار أو الدخول فى صراع محموم معها؟ فأوباما يؤيد فكرة الحوار مع إيران بينما تعارض هيلاري أى نوع من أنواع الحوار معها، بل أنها هددت إيران بمحوها من الوجود إذا هي هاجمت إسرائيل. ويؤكد فريدمان أن فكرة الحوار ليست سيئة إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك قوة وفاعلية ونفوذ يفوق ما تمتلكه إيران، أما إذا كانت لا تمتلك هذا التفوق فان فكرة الحوار ستأتي بنتائج عكسية.
وفى ختام تحليله يشير فريدمان إلى أن الفريق الضعيف فى هذه المعادلة المعقدة الأطراف هو العالم العربي خصوصا الدول السنية والتي تعتمد إما على البترول من اجل مواجهة الضغوط والتحديات الإيرانية أو أنها منقسمة على نفسها بحيث أنها وصلت إلى الحد الذى لا يمكّنها من الدفاع حتى عن مصالحها القومية.