الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 08:01

كعك العم أبو عادل - بقلم: ام امير


نُشر: 16/05/08 12:28

"كعيييييييييييك كعيييييييييييك.............  عيط لمك يا ولد"  يليه صوت زامور مزعج
هكذا كانت تشرق شمسي صباح كل نهار على صوت العم  ابو عادل بائع الكعك المستدير المليء بالسمسم والزعتر,  كان يشعرني بالدفئ رغم أني كنت في الرابعة من عمري لا أعي قيمة هذه الأيام و أنني سأفتقد لهذا الدفئ , لم أكن لأفهم حقيقة هذا الصوت العذب المليئ بالأمان . 
رجل مسن في الستينات  من عمره  لكن نغمات صوته توحي لك انه في العشرين ربيعا, نشاط حيوية لم أشهده  الى  الأن .
كنت أحاول ايقاظ  أمي بشتى الوسائل والتي كانت تقاوم لاستراق أي لحظه ترتاح فيها من أعباء الأمس
"أتركيني لا زال الوقت مبكرا" تقول أمي بنبرة يتملكها التعب
 فأجيبها متوسلة: "لكن العم  أبو عادل "
" وبعدين يا أبو عادل مقلنالك تعال عالسبعه لازم يعني تصبح من الستي من ........الصبح"  تجيبني بغيظ وتكمل غفوتها
"لحق حالك يا ولد .......... عيط لمك يا ولد " يصيح العم أبو عادل
فأبدأ بالبكاء مستجيبة  لطلبه لأنها الطريقة الوحيدة لنيل ما أريده ولتخضع  أمي لأتوقف عن العويل
"أف ........وبعدين" تصرخ  أمي
"أريد نقودا ...أبو عادل وصل وسيغادر ان لم يلمحني أسرعي "
"افتحي الجارور التاني في الخزانة وخدي  نقودا واشتري كعك  أبو عادل لكن أتركيني لأنام "  وتخلد  للنوم .
كنا نسميه كعك أبو عادل.
فأجري كما لو أنني ملكت الدنيا بما فيها , سعادة ما بعدها سعادة شعور رغم بساطة الموقف لا يمكنني وصفه .
كنت أتناول النقود وأفتح الباب وأصرخ بأعلى صوتي "هااااااااااا أنا أتيت... أتيت ...لا تذهب انتظرني "
عندما يلمحني كان يستقبلني بابتسامه عريضة لا زلت اذكرها بعفويتها وبتفاصيل تجاعيد وجهه الأسمر الذي أحرقته الشمس من كثرة التجوال يوميا تحت أشعتها
" انا كنت أبيض البشرة  لكن الزمن قلبني ما بضل على ما هو الا هوووووووووووو" يقول العم أبو عادل عندما ألمس عربته الخشبية والتي أكل الدهر عليها وشرب 
كنت أكره كون اخوتي ذو بشره بيضاء وأنا من بينهم السمراء كان يزعجني هذا الموضوع لدرجه أنني كنت اسأل العم  أبو عادل: "ألا يزعجك كونك  أسمر الوجه مثلي " 
فكان جوابه ما ذكرته  وأصبح  بعدها يستقبلني بهذه العبارة عندما أصل اليه .
أذكر أنني من شدة تفكيري بالأمر سألته يوما :
" أنت أخبرتني أنك كنت أبيض البشرة صحيح عمو "
"ولله صحيح"
" اذا عندما اكبر سأتحول لبيضاء البشرة"
 كانت دائما تميزه الابتسامة العريضة لكن حينها ابتسامته كانت الأعرض ,عانقني وقتها وقال لي :
"ليتني خلقت بجمال سمرتك " .
عبارة عشقتها لمست فيها الحنان الذي افتقدته  بعد وفاة جدي فكان رحمه الله معجب بسمرتي.
كنت أستمتع وأنا  أراقب حركاته البهلوانية عندما يمسك بالكعكة بعصاه السحرية ويقذفها عاليا في الفضاء ثم تسقط داخل صحيفة ومن عليها تتساقط زخات  الزعتر بأريجها الخاص , لم يخطي الهدف أبدا دائما يتقن الحركة كنت أخشى عليه أن يوقعها أرضا , لا يطمئن قلبي الا عندما  تلامس  الصحيفة أشعر حينها كأن عبئا زال من على كتفي  فيلفها لألتقطها مبتسمة ,  وأناوله نقوده وأيضا بحركة بهلوانيه أجهل حتى الان  سرها بخفة يداه  كان يمسك بالنقود يخبئهم في احدى يديه  أمام  اعيني  وعلي أن اعرف في أي من اليدين تتواجد نقودي , لكني في كل مره  كنت أخطئ , ما أن يفتح كلتا يديه لا أجد لها أثر,  فيقول:
"هووووووووب طارو الله يعوض عليكم "
 فأبتسم .
كنت أستمتع حتى في لحظات مغادرته كان يمسك عربته ويجرها  تبدو ثقيلة كم تمنيت لو كان بامكاني مرافقته لأخفف عنه هذا الثقل وأشاركه في دفعها . لم أكن أحرك ساكنا كنت  أقف أتلذذ بطعم كعكة الفطور اليومية  وأنا أراقبه  وهو  يختفي مبتعدا عن أنظاري  لكن صوته يبقى مسموعا يرافقه زاموره الغاضب فأكون قد ابتلعت الكعكة  بزعترها .
كان ذلك اليوم من أصعب أيام طفولتي كنت قد بلغت الثامنة من عمري يوم لا يفارقني بمرارته  غير كل الأيام  التي شهدتها ما الذي حدث أنا لا افهم شعرت أن العم  أبو عادل قد  أخلف وعده هو لم يعدني  حرفيا بايقاظي كل صباح  لكنه بالتزامه أثبت لي انه على  الوعد , لم أصحو على صوته كنت معكرة المزاج رغم أني لم أفهم بلحظها ما السبب , جلست الى جانب أمي في سريرها انتظر وصوله لأبدأ بالبكاء مرة ساعة ولم يحضر استيقظت امي لوحدها تعجبت لكوني لا أبكي ولم أيقظها بصراخي  كالمعتاد من كل صباح .
"ما بك غريب لماذا لا تبكين أين أبو عادل ليبكيك  الم يصل بعد " سألت بسخرية
لم اجبها لكني شعرت بغصة شديدة  .
خرجت أمي وهي تسمع أصوات جاراتنا يتحدثن لحقت بها لأفهم ما الخطب كنت أحب معرفة كل جديد وان أصغي لأحاديث الكبار لأكون ملمة بما يدور في حارتنا وأتباها  أمام  بنات  الجارات انني احمل لهن كل الاخبار.
"هل سمعت ما حدث "قالت احدى جاراتنا
"خير ان شاء الله " أجابت أمي
"أبو عادل توفي "ردت جارتنا
"ماذا تقولين أمعقول هذا , انا لله وانا اليه راجعون الله يرحمك يا أبو عادل "
كنت أفهم كل ما قيل لكني لا اعرف ما الذي أصابني  أنا الوحيدة  من بينهن  أجهشت بالبكاء
"ما بك ما الذي يبكيك حبيبتي "قالت أمي واحتضنتني
"لا أريد أن يفارقني العم أبو عادل لا أريده أن يموت  أريد كعك العم أبو عادل " أجبتها بلوعة ودموعي الحارة تذرف كما لو أنها شلال أو فيضان  , لم افهم تحديدا سبب بكائي حينها  لكني  انزعجت  عندما تعالت ضحكات البعض من جاراتنا.
في اليوم التالي اذكر أنني استيقظت بنفس الموعد للقائه طلبت من أمي النقود فسمحت لي بأن أتناولها من الخزانة في جارورها الثاني دون أن  تحوجني للبكاء ودون أن تسألني عن السبب  , خرجت من البيت وجلست أنتظره  وأنا أحدق بالنقود محاوله تقليده  في اخفائها  , رغم  يقيني  أنه لن يأتي  لكن  كنت أشعر انه  لن يخلف الوعد من المؤكد  سيأتي .نعم  أريد تصديق كذبتي . لا يعنيني أنه توفي المهم أن يأتي.
 فتره صعبه مررت بها كطفله تتشبث بكل ما يسعدها  بل وتعاند والعياذ بالله الخالق في ارادته  لجهلها سنته  ومشيئته سبحانه تعالى.
كم  أحن لطعم كعك  العم  أبو عادل أو ربما هو من جعل طعمه رائع النكهة .
افتقده كثيرا وافتقد أجمل عبارة صباحيه  كانت  مزاجي  تنغم لتبشر  ببداية يوم جديد "عيط لمك يا ولد" اشتاق سماعها لكن  بصوته هو .
رحمك الله عم أبو عادل وأدخلك فسيح جناته
نقطه تحيرني ....دائما أفكر بها ....كوني لا أفهم حتى هذه اللحظة , هل أحببته لأنه بائع الكعك أم أحببت الكعك لأنه بائعه؟

مقالات متعلقة