الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 08 / مايو 14:02

أهلاً بك أيُّها الراعي/ بقلم: د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 14/05/14 11:01,  حُتلن: 12:44

د. جوني منصور في مقاله:

أول رسالة تعلنها هذه الزيارة إزالة جدار الخوف النفسي بأمل إزالة جدار الفصل العنصري الذي أقامته اسرائيل لتمزق فلسطين

الراعي يزور وطنه فلسطين حيث له رعية منتشرة في الجليل ويافا والقدس ومن واجباته الاطلاع المباشر على ما يجري فيها كنسيا وانسانيا

إن بيوت فلسطين كافة تنتظرك بملء المحبة والاحترام والأرض المقدسة والمباركة تقول لك ولمرافقيك: أهلا بك أيها الراعي الحبيب

يتعرّض المسيحيون العرب إلى فرض الخدمة العسكرية الاجبارية على شبابهم وهم يجهرون بصوت واحد لا للخدمة العسكرية في جيش احتلال في جيش يحارب إخوة لهم

يدور لغط كثير حول زيارة البطريرك مار بطرس بشارة الراعي إلى فلسطين. جهات كثيرة في الداخل والخارج تنظر إلى مبادرته هذه من منطلقات سياسية متقوقعة ومحدودة الرؤيا الآنية والمستقبلية. ومنهم من يعتبرها خطوة نحو ما يسمى بالتطبيع مع اسرائيل. لكن بنظرة عميقة ومتأنية نحو هذه الزيارة نتيقن أنها تحمل في طياتها رسائل ايجابية كثيرة، لكونها تأتي في ظروف خاصة يمر بها الفلسطينيون على طرفي الخط الأخضر.

وبنظرنا فإن أول رسالة تعلنها هذه الزيارة إزالة جدار الخوف النفسي بأمل إزالة جدار الفصل العنصري الذي أقامته اسرائيل لتمزق فلسطين.

فالفلسطينيون هم في أمس الحاجة إلى من يقوي عزيمتهم ويعزز نضالهم وبقائهم في أرضهم ومواجهة التحديات الكبرى التي تقف في وجههم من احتلال ظالم وغاشم يربض على أرضهم ويعيق حياتهم الطبيعية.

الراعي يزور وطنه فلسطين، حيث له رعية منتشرة في الجليل ويافا والقدس. ومن واجباته الاطلاع المباشر على ما يجري فيها كنسيا وانسانيا. ولكن رعيته الأكبر هي فلسطين الجريحة والمتألمة والمنتظرة خلاصها، أفلا تستحق فلسطين هذه أن يحل فيها الراعي ضيفا وزائرا وحاجّا وابن وطن؟

ولنا كلمة نوجهها إلى الراعي، الضيف الحبيب. كلمتنا هي:
إنك تزور وطن السيد المسيح. هذا الوطن الجريح، أيها الضيف الكريم، يعاني من سياسات جائرة. سياسات تمييزية في ميادين حياتية متعددة. في التعليم والعمل والمسكن. شعب هذه البلاد يناضل من أجل البقاء في أرضه ومن أجل أرضه. شعب هذه البلاد صاحب قضية عادلة. هي الأكثر عدالة في العالم. شعب هذه البلاد يحب الحياة، ووجوده فيها من أجل تحقيق ما يضمن جودة هذه الحياة. شعب البلاد يسعى من أجل ضمان كرامته في مكان أُذلت فيها كرامته.

أيها الضيف الكريم، إن قضية العودة، عودة المهجرين هي القضية الساخنة والملتهبة دائمًا، وفي مقدمتها قضية اقرث وكفر برعم. أبناء هاتين القريتين ينتظرون صلاتك وكلمتك وبركتك. إن هذه القضية تمثل كل قضية اللاجئين والمهجرين الذين يستيقظون صباحا وينامون على حلم العودة. العودة إلى البيت الذي ولدوا فيه، إلى الأرض التي عاشوا عليها ومن أجلها.

أيها الضيف الكريم، يتعرض شعب هذه البلاد في الآونة الخيرة إلى هجمات عنصرية واعتداءات غير مسبوقة طالت الكنائس والمساجد والمقابر الاسلامية والمسيحية والممتلكات العامة والخاصة بالعرب. كثيرون من أعلام هذا الوطن تلقوا تهديدات بالقتل. عنصريون من بين الاسرائيليين قاموا ويقومون بمثل هذه العمليات الارهابية، ويد السلطة الرسمية لا تزال خفيفة وناعمة. مقدساتنا التي تشهد على وجودنا تصرخ في وجه العالم: من يحميها؟

يتعرّض شعب هذه البلاد إلى سياسات تمزيقية وتفتيتية ممنهجة من قبل الجهات الرسمية، ومن خلال قوانين جائرة وإجراءات فعلية على الأرض لتحقيق هذه السياسات. كان آخرها فصل المسيحيين العرب عن عروبتهم واعتبارهم شعبا مستقلا يستحق نيل امتيازات خاصة. عاش مسيحيو هذه البلاد جنبا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين تحت مظلة واحدة تجمعهم، وهي العروبة التاريخ والحضارة والعادات والتقاليد والموروث التراثي والوجود وقضايا مصيرية مشتركة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. إن العرب المسيحيين يرفضون كافة أشكال الفصل والتفكيك التي تعلنها حكومات اسرائيل عبر الزمن. إنهم مصرون على الوحدة ورفض الفصل، إنهم مصرون على العيش المشترك ونبذ التفكيك. إنهم مصرون على تقديم شهادة حياة حية لوجودهم وتاريخهم وحضارتهم المتجذرة في عمق التاريخ البشري لهذه الأرض.

ويتعرّض المسيحيون العرب إلى فرض الخدمة العسكرية الاجبارية على شبابهم. وهم، أي المسيحيون العرب، يجهرون بصوت واحد لا للخدمة العسكرية في جيش احتلال، في جيش يحارب إخوة لهم، في جيش دمّر حياة أبناء البلاد سكانها الاصليون في عام 1948، وهجرّهم وشرّدهم وطمس معالمهم الحضارية والثقافية والاجتماعية والعمرانية. إنهم يرفضون الخدمة العسكرية لأنهم يرفضون الحرب والقتل والتدمير. إنهم يقبلون بخدمة اجبارية من أجل الحياة والسلام والأمن العام والاستقرار. إنهم أبناء الحياة والنور وليسوا أبناء الموت والظلمة.

أيها الراعي الحبيب، إن شعبك يعاني من جُرح الهجرة. إنه نزيف مفتوح من سنوات طويلة، وبخاصة من سنة النكبة الفلسطينية التي تركت آثارها السلبية على هذا الشعب. إن عوامل الهجرة عديدة ومتشعبة، ولكن هناك أمل في تقليصها، وفي نفح روح البقاء والوجود في هذا الوطن الذي لا وطن آخر لنا سواه.

تقف زيارتك أيّها الراعي الحبيب، أمام هذه التحديات الكبيرة التي يعيشها أبناء فلسطين من مسيحيين ومسلمين. أبناء هذه البلاد لا ينتظرون مجيئك ليطرحوا أمامك همومهم وشواغلهم، فأنت تعرف الكثير الكثير منها. إنهم يريدون أن يقولوا لك إن حضورك يخفف من همومهم، وأن زيارتك التفقدية ترفع من معنوياتهم، وأن وجودك بينهم يعزيهم ولو قليلا من الغربة والعزلة التي فرضت قسريًا عليهم، وقطعت تواصلهم مع اخوتهم في الامتداد العربي في لبنان وسوريا والعراق.

أهلا بك أيها الراعي الحبيب، إن بيوت فلسطين كافة تنتظرك بملء المحبة والاحترام. إن الأرض المقدسة والمباركة تقول لك ولمرافقيك: أهلا بك أيها الراعي الحبيب. أهلا بك في وطنك. أهلا بك في بيتك.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة