الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 08:02

داعش في عكا؟/ بقلم: وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 18/04/14 07:43,  حُتلن: 12:15

وديع عواودة في مقاله:

لم يكتف هؤلاء النفر القليل بالتحريض على المسرحية بل جيشوا بعض البسطاء وتوجهوا لمكان عرضها في عكا وانهالوا شتما وضربا على كل من له صلة بها ونجحوا بمنعها

سلام يا سادة لم يدع يوما لضرب وشتم من يوجه نقدا مشروعا أو يقوم موقفا بلسانه أو قلمه فما بالك حينما ينم ذلك عن غيرة على مجتمع يكثر فيه التهريج والتدجيل والمتاجرة بكل شيء وتهدده مظاهر التخلف والفساد والردة الإنسانية

إسلام المتأسلمين يعود للخلف لا لفترة الخلفاء الراشدين بل يأخذنا للعصور الوسطى الأوروبية لـ" عصر الظلمات " يوم سادت محاكم التفتيش لتكفر كل من يجرؤ على الابتكار والإبداع

تبقى خطورة هؤلاء المتعصبين محصورة بهم عندما يخرج العقلاء والشيوخ الأفاضل من المسلمين عن الصمت ويبادرون للتوعية من نار التطرف ومهاوي الفتن على أنواع

لم أشاهد مسرحية " وطن على وتر " لكني استمعت من بعض مشاهديها بأنها تصوب نقدها بسهام هزلية ضد شيوخ متأسلمين بعيدا عن التعميم ولا تطال الإسلام كعقيدة. لكن بعض المتطرفين الإسلامويين يصرون على التصرف بما يناقض العقيدة الإسلامية السمحاء فيزبدون ويرغون شتما وتهديدا.

لم يكتف هؤلاء النفر القليل بالتحريض على المسرحية بل جيشوا بعض البسطاء وتوجهوا لمكان عرضها في عكا وانهالوا شتما وضربا على كل من له صلة بها ونجحوا بمنعها. كما في أمكنة وأزمنة أخرى يشن المتشددون من توائم "داعش" الفلسطينية حملات التهديد والوعيد للنيل من كل من يخالفهم الرأي والاجتهاد وكل ذلك باسم الإسلام وكأنهم رسل منزلين من عند رب العالمين. الإسلام يا سادة لم يدع يوما لضرب وشتم من يوجه نقدا مشروعا أو يقوم موقفا بلسانه أو قلمه فما بالك حينما ينم ذلك عن غيرة على مجتمع يكثر فيه التهريج والتدجيل والمتاجرة بكل شيء وتهدده مظاهر التخلف والفساد والردة الإنسانية.

قبل 15 قرنا دعا الخليفة الراشدي أبو بكر جيش المسلمين للرفق بالشجر والحجر أيضا حينما خاطب أسامة بن زيد وهو يستعد للخروج بغزوة دفاعا عن المدينة من اعتداء. وقتها قال مما قاله في وصيته:"ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا تعزقوا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة .ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل .وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له...الخ".
هذا هو الإسلام الحقيقي لا إسلاما يستبدل الحوار والموعظة الحسنة بالتهديد والعدوانية تجاه الأهل والجيران وأبناء البلد الواحد،فكيف ونحن نواجه مخططات ليل نهار لمنع تبلورنا أقلية قومية وتكريسنا فتاتا،طوائفا وشلل ؟
إسلام المتأسلمين يعود للخلف،لا لفترة الخلفاء الراشدين بل يأخذنا للعصور الوسطى الأوروبية،لـ" عصر الظلمات " يوم سادت محاكم التفتيش لتكفر كل من يجرؤ على الابتكار والإبداع والتغريد خارج ما تشتهيه الكنيسة الكاثوليكية عندما سعت لمصادرة الناس عقولهم.

 الروح الجاهلية
تجلت الروح الجاهلية في هؤلاء المتشددين لابسي قشور الحضارة الإسلامية في سخنين أيضا بشنهم حملة تهويش على عرض فيلم " المخلص" بدعوى أنه أيضا يسيئ للعقيدة الإسلامية. في الحالتين،عكا وسخنين اختلفت وجوه المتعصبين لكنها روح التعصب تجمعهم وهي تحرق الأخضر واليابس. ومن شأن الانفلات الانفعالي المفرط أن يصب على طاحونة كل المتربصين بالمجتمع العربي والنيل من وحدته وإشغاله بمواجهات وهمية تصرف أنظارنا عمن سلب الوطن ويشوه المواطنة. وتبقى خطورة هؤلاء المتعصبين محصورة بهم عندما يخرج العقلاء والشيوخ الأفاضل من المسلمين عن الصمت ويبادرون للتوعية من نار التطرف ومهاوي الفتن على أنواعها. هذا واجب كل من يرى نفسه مسؤولا في مجتمعه لأن قضية الكبت والفرض والإكراه فوق كل الحسابات الفئوية والشخصية وهي نار تبدأ في عكا ولن تنتهي قبل أن تطال أم الفحم والناصرة وحيفا. من يسكت على لغة التهديد واللجوء لقوة الذراع في كل الأحوال دون استثناء سيسدد يوما ثمن صمته وحري بالفعاليات الدينية والسياسية والثقافية أن تطفئ هذه النار قبل استشرائها. حتى لو ازدان هؤلاء المتعصبين بلحى بيضاء وحمراء وأثواب الخلفاء فهم علينا وليس لنا وإن كانوا لا يدرون. علاوة على حيوية احترام حقوق وحريات الآخرين وفق شرائع الأرض والسماء ما أحوجنا اليوم لما يلم الشمل ويوّحد بدلا من مواجهات مفتوحة بين سني وشيعي وفلاح وبدوي ونصراني مسلم، وهي مواجهات تنمو على ضفافها الآسنة داعش ... في عكا وشقيقاتها. موازين العقيدة الحقة والأخلاق والمبادئ المتنورة وموازين الربح والخسارة تقتضي ألا نترك أمثال داعش بساعة ما يبنى في عقود.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة