الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 00:02

مفترق طرق انتخابات الناصرة/ بقلم: المهندس محمد يونس

كل العرب
نُشر: 27/03/14 12:46,  حُتلن: 08:14

المهندس محمد يونس في مقاله:

الجبهة والحزب الشيوعي عودانا على سرعة السلحفاء في التغيير وفي مواكبة الأحداث المحلية والعالمية

لكن الجبهة والحزب ما زالا يتمسكان بمفهوم "من ليس معي فهو عدوي" أو على الأقل خصمي ومنافسي وقد انعكس هذا على نتائج الانتخابات البلدية وخاصة في الناصرة

في هذا العصر لم تعد حقوق العمال حلمًا تسعى له الأحزاب ويحتل موقع الصدارة في سلم أولويات الشعوب الغربية والصناعية بل أصبحت هذه الحقوق واقعًا مكتسبًا ومعترفًا به
 

لفت نظري هذا الأسبوع خبر قيام مجموعة من مؤيدي وأعضاء الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي، بالتوقيع على عريضة، تطالب بتغيير القيادات وإجراء انتخابات داخلية تفسح المجال أمام الجيل الشاب من أبناء الجبهة والحزب. وبغض النظر عن صحة تفاصيل الخبر وحجم مطالب التغيير، فإن هذا الحدث يستحق أن نتوقف عنده ونعقب عليه.

يستحق هذا الحدث التعقيب لأن الجبهة والحزب الشيوعي عودانا على سرعة السلحفاء في التغيير وفي مواكبة الأحداث المحلية والعالمية. فعلى سبيل المثال، وعند انهيار أنظمة الدول الشيوعية في شرق أوروبا، قامت غالبية الأحزاب الشيوعية في العالم، بتغيير برامجها وأسمائها لتتلاءم مع فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي ومع متطلبات عصر ما بعد الحداثة. في هذا العصر، لم تعد حقوق العمال حلمًا تسعى له الأحزاب ويحتل موقع الصدارة في سلم أولويات الشعوب الغربية والصناعية، بل أصبحت هذه الحقوق واقعًا مكتسبًا ومعترفًا به. نعم هناك ما يمكن تحسينه، ولكن شعار "يا عمال العالم اتحدوا" لم يعد مفهومًا للجيل الجديد من نشطاء هذه الأحزاب. لذلك، تغيرت الشعارات والأولويات دون أن تتنكر هذه الأحزاب لجذورها وأصولها العمالية والماركسية، فتبنت الخطاب الديمقراطي وخطاب حقوق الإنسان ثم أعادت صياغة نظرياتها بموجب القراءة الماركسية الجديدة (نيو-ماركسية). وأفضل مثالٍ على هذا هو ما حصل للحزب الشيوعي الإيطالي، أكبر الأحزاب الشيوعية في غرب أوروبا والذي كان يتمتع بتأييد 35% من أصوات الناخبين، حيث غير هذا الحزب اسمه إلى حزب اليسار الديمقراطي ولائم برامجه إلى واقع بداية الألفية الثالثة.

وهنا نسأل الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة: ألم يحن الوقت لإعادة النظر في هوية الحزب وبرامجه؟ ألم يخسر الحزب أسبقيته الجماهيرية ومركزيته في الشارع العربي التي تمتع بها حتى ثمانينات القرن الماضي بسبب بطئه وعجزه عن اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب؟ وهل نستطيع قراءة ظهور حزب التجمع مطلع التسعينات كرغبة الشارع في وضع أولويات مختلفة عن تلك التي رافقت الحرب الباردة؟

نموذج آخر يشهد على بطء الجبهة والحزب الشيوعي في مواكبة الأحداث هو شعار "دولتين لشعبين" كحلٍ للقضية الفلسطينية. وبغض النظر عن الموقف السياسي والأخلاقي الذي يقبل حرمان الفلسطينيين من حقوقهم التاريخية في حيفا ويافا وعكا، والذي قد تختلف الآراء بشأنه، فإن طرح حل الدولتين قد أصبح ومنذ فترة طويلة جدًا غير قابل للتنفيذ وذلك بفعل الواقع السياسي والجغرافي والاستيطاني المتغير في أراضي فلسطين التاريخية. هذا الواقع الجديد، يمنع نشوء دولة أو "دويلة" فلسطينية في الضفة الغربية أو على جزء منها. بل إن مجموعات سياسية واجتماعية وأكاديمية يهودية قد بدأت تناقش إمكانية حل الصراع القائم من خلال دولة واحدة على كامل أرض فلسطين التاريخية، تضمن للفلسطينيين حقوقهم وخاصة حق تقرير المصير وتأخذ بعين الاعتبار الوجود اليهودي واحتياجاته وتخوفاته. فلماذا يصر الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة على ملاحقة السراب؟ أليس لديكم من الباحثين الذين يستطيعون إجراء دراسات في هذا الشأن؟

كذلك الحال فيما يخص التعصب الحزبي والفئوي. إذا مثل القرن التاسع العشر وبداية القرن العشرين عصر الإيديولوجيات والتعصب الفكري، فإن بداية القرن الحادي والعشرين هي فترة البرغماتية والليونة الفكرية. بل هي فترة البرامج قصيرة ومتوسطة الأمد، نظرًا للتغيرات السريعة التي تطرأ على مناحي الحياة المختلفة كالاقتصاد، والتطورات التكنولوجية ووسائل الاتصال وغير ذلك. ويتطلب هذا قبول الآخر والتعاون معه من أجل تحقيق أهداف وبرامج مشتركة حتى ولو اختلف الفكر والعقيدة. ولكن الجبهة والحزب ما زالا يتمسكان بمفهوم "من ليس معي فهو عدوي" أو على الأقل خصمي ومنافسي. وقد انعكس هذا على نتائج الانتخابات البلدية وخاصة في الناصرة حيث ما زالت الجبهة تتعامل بفئوية واضحة أطاحت بها مطلع آذار 2014 بعد 40 عام من السيطرة. يعتب الشارع النصراوي على الجبهة عدم انفتاحها على شرائح المجتمع المختلفة. أن يكون ريس البلدية من الجبهة، فهذا لا يعني استثناء الآخرين من حقهم في الوظائف والتعيينات والمناقصات وتقديم الخدمات. فوز مرشح أو حزب بالانتخابات يعطيه صلاحية تحديد سلم الأولويات وبرامج المؤسسة للفترة الانتخابية، ولكن على ذلك أن يتم بمشاركة أوسع شريحة ممكنة من الناس ودون المس بحق أي كان في الحصول على الوظائف والمناقصات والخدمات. أليست كلمة المساواة خاتمة اسم الجبهة الطويل (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) هل ترفع الجبهة صوتها لتطالب المساواة من الدولة وتمنعها عن أهل الناصرة حين تفوز برئاسة البلدية؟

لقد توقع الجميع نتيجة انتخابات بلدية الناصرة ما عدا قيادة الجبهة والحزب (على المستويين القطري والمحلي). أعتقد أن السبب يعود إلى عزلة قيادة جبهة الناصرة (والجبهة بشكل عام) عن الجمهور النصراوي. كانت قيادة جبهة الناصرة، وعلى مدار 40 عامًا، ترى تلك الزمرة من المنتفعين المقربين الذين سيصوتون حتمًا "لحنفية المصالح" التي تصب في دلائهم ولكنهم لم يروا أكثرية أبناء الناصرة ممن تم إقصائهم وإبعادهم عن بلديتهم وعن حقهم في المشاركة والاستفادة.

وأخيرًا، أعتقد أن الجبهة تسير ببطء فيما يخص الإصلاحات في مؤسسات الحزب والجبهة. اليوم ليس كالأمس، فقد اختفت الأحزاب الشعبوية العقائدية، ذات التأييد الجماهيري والنوادي والفروع. هناك نمط آخر من الأحزاب له بنية محدودة وعدد قليل من الموظفين الأجيرين وقيادة فكرية-سياسية قليلة العدد. ويقوم الموظفون في غالبية العمل الفني مثل الاستشارة القضائية والأبحاث والعمل الإداري البيروقراطي.ويقدمون للقيادة الاستشارة والخدمات اللازمة في شتى مجالات الحياة والسياسة. فإن كان مطلب العريضة هو تغيير محمد بركة وأيمن عودة ومحمد نفاع ليأتي غيرهم ومن أشباههم لتولي مناصب القيادة، أعتقد أن الشباب قد أخطئوا المطلب. هناك حاجة لتعيين قيادة تستمر بأشغالها وأعمالها الاقتصادية وتتطوع في قيادة الحزب والجبهة، بينما تخصص الموارد القليلة المتوفرة لتشغيل بعض المهنيين يعملون على جمع المعلومات وتحضير أوراق عمل في مجمل المواضيع التي تهم المجتمع العربي بالإضافة للجوانب البيروقراطية والإدارية التي لا بد منها. المتفرغون الحزبيون، كما أثبتت التجربة، هم من فصيلة الطفيليين الذين يجيدون الكلام والمجاملات الاجتماعية دون أن تكون لهم أية منفعة أو تأثير على الأحداث، بل هم المنتفعون من المنصات والشاشات التي تعطى لهم للثرثرة وكثرة الكلام.

•  الكاتب مهندس معماري ومتخصص بالعلوم السياسية 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة