الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 01:02

لبنان... الإصلاح المستحيل/ بقلم: بيسان الشيخ

كل العرب
نُشر: 22/03/14 08:23,  حُتلن: 08:34

بيسان الشيخ في مقالها: 

الواحة «التقدمية» التي اسمها لبنان نشأت فيما لا صوت يعلو فوق صوت القضية الفلسطينية وبينما حافظ الأسد يشق طريقه الى إحكام القبضة على بلد محاذٍ

فيما المحيط يتجه الى ثورات ضد التعسف والظلم وكم الأفواه ترانا نبحث عن حكم عسكري يضبط هذه الفوضى العارمة يكفي أن لبنان يحتل المرتبة 101 من 179 في مؤشر حرية التعبير لعام 2013

قد تطول لائحة الشكوى لكن المعضلة تكمن في أن الحرب الباردة التي يعيشها اللبنانيون على مستويات مختلفة توقظ فيهم حنيناً دفيناً الى زمن الرشاش لا الى زمن استقالة وزير لم ينجح في خفض سعر الدواء

لبنان 1970 حدث أن ألغيت وبقرار حكومي غرفة التنصت في مصلحة الهاتف وأُتلفت الأجهزة والمعدات المخصصة لتعقب المواطنين أمام عدسات المصورين الصحافيين.

في لبنان 1971 حدث أيضاً أن استقال وزير هو أميل البيطار بعد رفض الحكومة مشروعاً تقدم به لخفض سعر الدواء. وفي العام نفسه حدث أن نزلت النساء الى الشوارع في تظاهرة حاشدة احتجاجاً على الغلاء ورفع أسعار المواد الغذائية.

تلك ليست أساطير تروى عن زمن غابر أو بلد من «العالم الأول»، وهي تفاصيل صغيرة ربما في سياقات حقبة طبعتها الحركات الاحتجاجية والمطلبية التي تؤتي ثمارها بعيداً من احتكار القضايا الكبرى للشأن العام. طلاب يحتلون مباني رسمية احتجاجاً على تقصير في مطار بيروت، موظفو شركة الكهرباء يقطعون التيار عن الفنادق الفخمة، عمال معمل غندور يعتصمون ويوقفون انتاجهم، سائقو النقل العام يطفئون محركاتهم... وغير ذلك الكثير حدث ذات أمس غير بعيد في بلد ضم قطاعات انتاجية ومهنية وتكتلات حزبية وجد الافراد مصالحهم من ضمنها فكانت السياسة فضاء رحباً للتجاذب والأخذ والرد، بغض النظر عن مسائل سفسطائية لم تنج منها تلك الحقبة. فلا ننسى أن تلك الواحة «التقدمية» التي اسمها لبنان نشأت فيما لا صوت يعلو فوق صوت القضية الفلسطينية، وبينما حافظ الأسد يشق طريقه الى إحكام القبضة على بلد محاذٍ، وكان لا يزال عبد الناصر يفتن الشعوب العربية بسحر عينيه بعدما يحكم مصر مقصياً من تسنى اقصاؤه، وغير ذلك مما ليس المجال لذكره.

وقد يبدو أن استعادة تلك التفاصيل الثلاثة غير مفهومة الآن أو أنها تأتي خارج سياقها الزمني. والاجابة ليست طبعاً رغبة التصفح النوستالجي لألبومات ما يسمى بـ «الزمن الجميل»، لكنها في الواقع أحداث تعتمدها اليوم التقارير الدولية كمؤشر على تخلف البلدان أو تقدمها وان بمصطلحات أكثر فذلكة وتكلفاً مثل حرية التعبير، والمحاسبة، ودور المرأة في الحياة العامة.

فليس تفصيلاً عابراً أن تطوي مع مواطنيك صفحة التنصت على هواتفهم في وقت يتجه محيطك برمته الى جعل الهوية الوطنية سمة مرادفة للقمع والخوف. ولا هو بتفصيل عابر أن يقدم وزير استقالته لعجزه عن خدمة العامة بما يرتضيه ضميره، أو أن تحتل نساء الطبقتين الوسطى والعاملة طرقات العاصمة رفضاً للغلاء لأنهن وزيرات الاقتصاد الحقيقيات داخل الأسر. ليس تفصيلاً أصلاً أن تكون هناك طبقات وسطى وعاملة...

ماذا حل بنا؟
صحيح أن ذلك الجيل هو نفسه الذي تخلى عن دولة كانت بدأت مؤسساتها تضبط العلاقات الاجتماعية والسياسية فيها وذهب مهرولاً متهافتاً الى حرب أهلية طاحنة. لكن لا يكفي اليوم التذرع بذلك لتفسير حال التقهقر الذي بلغناه والانحطاط الضارب في مفاصل الدولة والمسؤولين. فإذا ما بحثنا عن هذه المعايير الثلاثة دون غيرها في واقع حالنا، لوجدنا أننا مرة أخرى نبحر عكس التيار على نحو مأسوي. ففيما المحيط يتجه الى ثورات ضد التعسف والظلم وكم الأفواه، ترانا نبحث عن حكم عسكري يضبط هذه الفوضى العارمة. يكفي أن لبنان يحتل المرتبة 101 من 179 في مؤشر حرية التعبير لعام 2013، عدا ملاحقات أمنية وضغوط خارج الاطار القانوني يتعرض لها ناشطون وفنانون وصحافيون من منع لكتب وأفلام وحجز غير مبرر لجوازات سفر، وتحقيقات لدى أجهزة مبهمة الصلاحيات وغيرها. أضف الى ذلك تراجع وضع المرأة عموماً وارتفاع نسب العنف والجريمة ضدها وإفلات الجناة من العقاب والمحاسبة، فيما المواد السامة بلغت «صحن اللبنة»، الطبق اليومي للبنانيين وأفسدت دواءهم برعاية رسمية وحكومية. لم نسمع تفسيراً واحداً، أو اجراء قانونياً بحق المتورطين، فكيف باستقالة وزير؟!

لبنان اليوم بلد مهدد بالعطش التام والظلمة الحالكة إن لم تبتكر حلول عجائبية لأزمة الماء والكهرباء قبل الصيف المقبل. وهو الى هذا وذاك معرض لانفجار سكاني وصحي في ظل أزمة لجوء غير مسبوقة، فضلت الحكومة التعامي عنها ملقية الحمل كاملاً على كاهل السكان في المناطق الحدودية، فكان فقر على فقر.

ماذا يبقى؟ طبعاً ثمة حرب استنزاف دائرة في طرابلس، والحوادث الامنية تزداد على الحدود الشمالية والشرقية حيث يقوم الطيران السوري بقصف صريح للمناطق اللبنانية، في وقت تجري مناورات عسكرية جدية على الجانب الاسرائيلي. هذا ويخوض «حزب الله» حرب تحريره في يبرود والقصير وغيرهما مراكماً انتصاراً مزعوماً بعد انتصار، فيما يدفع جمهوره الثمن في سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة ترسلها له أحزمة بؤس وإرهاب. أما بديله السياسي فإن شاء إحياء مناسبة عامة، جعلها مجرد فرصة لخطابية فارغة لا تقدم حلولاً سياسية أو طرحاً يفتح كوة في جدار التشاؤم ذاك. بل على العكس تماماً، جاء احياء ذكرى 14 آذار ثم انعقاد البرلمان لمناقشة الثقة بحكومة متعثرة، منفراً مقززاً لما تسبب به من اهانة لمن تبقى من لبنانيين ساعين الى اعمالهم وأرزاقهم وحياتهم. ذاك ان تقطيع اوصال بيروت ومنع الحركة فيها من دون أدنى مراعاة لدوام العمل والمدارس وحاجة الناس لتصريف أعمالهم إنما هو عقاب جماعي لكل من آثر العيش في ظل دولة ومؤسسات ولم يحمل السلاح في وجهها أو في وجه لبناني آخر.

قد تطول لائحة الشكوى، لكن المعضلة تكمن في أن الحرب الباردة التي يعيشها اللبنانيون على مستويات مختلفة، توقظ فيهم حنيناً دفيناً الى زمن الرشاش، لا الى زمن استقالة وزير لم ينجح في خفض سعر الدواء. وهو رشاش لن يأتي ما قد يزيد الاحتقان احتقاناً... أما من يرغب مثلنا بلقمة لبنة غير مسمومة قبل أن نستعيد القدس فله أن يدغدغ ذلك الامل الكذاب.

*نقلاً عن "الحياة" 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة