الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 14:01

حول أدب نادر أبو تامر...مصطفى كبها


نُشر: 22/09/08 07:04

لست مِمَّن يدعون القدرة على فهم وتحليل الأدب بشكل عام، ولا أدب الأطفال، بشكل خاص. ولكني بمشاركتي هذه أردت التعبير عن تقديري لشخص الأديب المكرَّم وللمؤسسة التي تكرمه. وهي مؤسسة عرف عنها الالتزام والمواقف المبدئية وتقدير كلّ ما هو جاد ومثمر.
عرفت نادر أبو تامر أو نادر عبد الكريم العياشي، إن شئتم، منذ مدة ليست بالقصيرة. لم نتزامل في الجامعة رغم إننا كنا من نفس الفئة الجيلية التي عاشت تبلوُر الحركة العربية في الجامعات الإسرائيلية في منتصف الثمانينات.
عرفته أولا بصفته الإعلامية من خلال صوته المميز، وأدركت للوهلة الأولى أمام ظاهرة إعلامية خاصة ومميزة. كان يغرد خارج السرب في أكثر من مقام وناحية وصفة. في اللغة المنسابة وفي التلقائية وفي الابتعاد عن اللهجة الدعائية وفي عملية انتقائه للتعابير. باختصار، استطاع العمل في ظل قسريات وقيود كثيرة، لكنه سار بين قطرات المطر، ولم يبتلّ.  ثم عرفته جليسا ومسامرا دمث الأخلاق وطلي الحديث يمتلك ناحية اللغة والكثير الكثير من أزقة الثقافة ومؤشراتها.
وخلال تلك الجلسات الطويلة اطلعني نادر أبو تامر على تردده في دخول عالم الكتابة للأطفال. معللا بوجود عدد كبير من الكتاب في هذا المجال أو ممن يدعون أنهم يفعلون ذلك. هذا بالإضافة إلى أسباب وتعليلات لا تمتّ بشكل مباشر لكتابة الأدب بأية صلات، وقد أجبته في حينه أنه لا أساس لتبرير الكثرة الذي ساقهن فالجيد قليل، ولا نبالغ إذا قلنا إنه نادر الوجود.
كانت قص نادر أبو تامر الأولى قصا مميزة ذات نكهة خاصة جعلته منذ البداية يتبوأ مكانة خاصة بين كتاب أدب الأطفال في هذه الديار، ولا اجانب الحقيقة إذا قلت إنه مع قليل من العلاقات العامة يستطيع أن يصل إلى مراكز متقدمة في العالم العربي.
يتميز أدب نادر أبو تامر بمميزات عديدة نوجزها فيما يلي:
أ‌. الواقعية، وهي واقع عاشه وواقع آخر يعيشه. والواقع الذي عاشه هو واقع طفولته الذي يغذي قسطا كبيرا من أفكار قصصه، والواقع الذي يعيشه كأب يعايش عالم الأطفال من خلال تربيته ومعاملته لأطفاله الأربعة. واقع طفولته القاسية بسبب ظروف عائلته المهجرة التي ولد في كنفها يرفد قصصه بمظاهر الكفاح والعرق واختلاط عرق الكد بغبار الأرض، وهو زاخر بمظاهر الطفولة الحرة التي قضى قسطا كبيرا منها خارج البيت، والتي تختلط مع مظاهر الخيال التي تحدث بها أطفاله الذين يقضي معهم أوقاتا طويلة في البيت. العالمان متداخلان، وتداخلهما يولد صورا ومظاهر جديدة تجمع بين أصالة الماضي ومستجدات الحاضر.
ب‌. الصراع بين الطبيعة المحافظة والرغبة بكسر المألوف: نادر أبو تامر إنسان محافظ في طباعه، ولكن ذلك لا يمنعه من السعي الدائم نحو استيعاب آخر المستجدات التقنية ومحاولة تسويغها في مضامين قصصه. فهو يطرق الموضوعات التقليدية ويستعمل القوالب اللغوية التقليدية، ولكنه لا يمتنع عن مناكفة البديهيات ومحاولة كسرها بطرق تقليدية. فقصة "ليلى الخضراء"، على سبيل المثال، فيها كسر لصورة ولون ليلى المعروفة بالحمراء. ولكن موضوعات القصة فيها الكثير من المعاني القيمية التقليدية الجميلة، حتى يخيل لي بأن "ليلى الخضراء" الأصيلة تأتي لاستبدال "ليلى الحمراء" المستوردة مع كلّ ما يعني ذلك من رموز أساسية في الهوية.
ت‌. الأصالة: لقد قرأت جميع قصص نادر أبو تامر وهي في طور التشكل، ولم تكن هناك حالة من حالات القصص التي لا تستند إلى واقع رآه نادر أبو تامر أو تذكره أو شعر بتضامن مع شخصياته. حتى انه في الكثير من الحالات استعمل أسماء الأبطال الحقيقيين للقصص، فرامي وسوار هما من الشخصيات التي اعرفها جيدا، وأعرف علاقة نادر أبو تامر بها.
ث‌. أحيانًا كان نادر يقبل التعليلات ويرجع الشخصيات إلى أصولها، وأحيانا أخرى كان يتملص بضحكة معروفة معهودة تشي بالإيجاب.
إن تكريم نادر من قبل مؤسسة "الأسوار" في عكا هو تكريم للأدب الجاد الصادق الأصيل، وهو أمر تعرف به "الأسوار" وتلتزم به.

مقالات متعلقة