الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 16:02

إنتخابات الناصرة حجب ثقة عن النهج الجبهوي أم غمامة/المحامي حسام خوري

كل العرب
نُشر: 17/03/14 10:52,  حُتلن: 17:39

المحامي حسام سليم خوري في مقاله:

الكراهية والطائفية والمصالح الشخصية لعبت دوراً مفصليا في هذه المعركة الانتخابية

هناك من أجّج المشاعر الطائفية ونجح في ذلك وهناك من تخلّى عن مبادئ أساسيه كان وما زال يتغنّى بها منمياً لدى داعميه كراهية عمياء لخصم مجرِّب - جدير بالاحترام كخصم

قد يتمكن السيد علي سلام من ادارة المدينة من الناحية الخدماتية وبدوري أتمنّى له النجاح بذلك غير أن الأمر سيكون حتماً منقوصاً بفعل غياب الفكر والنهج الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه في هذه الأوقات العصيبة

حريّ بنا قبل أن نسعى إلى إسقاط الجبهة بالناصرة أن نسأل أولاً ما مدى خطورة ذلك على النهج الوطني الجبهوي في الناصرة وفي البلاد عامةً فهل يُعقل أن نقتلع شجرةً عريقة لمجرد احتوائها على بعض الأغصان اليابسة؟!

خسارة الجبهة المدوّية قد تكون بمثابة نصر "پيروس" للناخب النصراوي الذي صوّت للتغيير وقد يربح "المنتصرون" ادارة البلدية لخمس سنوات ولكن بالمقابل قد نخسر النهج السياسي والاجتماعي الجبهوي الذي كان وما زال صمّام الأمان للعرب كأقلية قومية في البلاد

الاصطفاف غير المسبوق حول شخصية لا تملك فكراً أو نهجاً مدروساً ومجرَّباً، مع الاحترام لشخص السيد علي سلام، هو بالأساس برأيي نتاج لتقصير من قبل الإدارة الجبهوية في التواصل مع الناس والتعامل مع مشاكلها. هذا التقصير تمَّ استغلاله على نحو غير حضاري، بل غير أخلاقي، من قبل غالبية الخصوم. هناك من أجّج المشاعر الطائفية ونجح في ذلك، وهناك من تخلّى عن مبادئ أساسيه كان وما زال يتغنّى بها، منمياً لدى داعميه كراهية عمياء لخصم مجرِّب - جدير بالاحترام كخصم.

الغاية عند كافة الخصوم المتحالفة كانت واضحة ومفادها إسقاط الجبهة في الناصرة. أحد من هؤلاء الخصوم لم يسأل إن كانت هذه الغاية تصب في مصلحه العرب الفلسطينيين في البلاد كأقلية قومية أصلية. خسارة الجبهة المدوّية قد تكون بمثابة نصر "پيروس" للناخب النصراوي الذي صوّت للتغيير. قد يربح "المنتصرون" ادارة البلدية لخمس سنوات، ولكن بالمقابل قد نخسر، في المدينه الأم، النهج السياسي والاجتماعي الجبهوي الذي كان وما زال صمّام الأمان للعرب كأقلية قومية في البلاد، عامة وفي هذه المدينة خاصة. التخلّي عن هذا النهج وهذا الفكر هو بمثابة التخلي عن حجر الأساس للنهج الوطني عامةً، ما يسهّل إمكانية تفكيك مجتمعنا وضرب وحدته الوطنية.

ما أفرزته هذه الانتخابات يثبت بشكل قاطع أن الاعتبارات التي تقود غالبية ألأفراد في مجتمعنا العربي غالباً ما تكون إعتبارات آنيّة غير موضوعية تستند بالأساس إلى عالم الغرائز والعواطف وتفتقد للعقلانية ولتحكيم الضمير. هذا يتجلّى بوضوح بكم الكراهية والطائفية والمصالح الشخصية التي لعبت دوراً مفصليا في هذه المعركة الانتخابية. ويسأل السائل: إن كان مجتمعنا، بأغلبيته، غير قادر على استنباط الاعتبارات الموضوعية في الأزمات المفصلية والأخلاقية على حد سواء فكيف نتوخّى منه متابعة المسيرة بسلام إذا ما غاب النهج الجبهوي الذي إمتاز دائماً بحب الوطن والبلد ونبذ الطائفية وقاد مجتمعنا إلى بر الأمان في أحلك الأزمات؟ حريّ بنا قبل أن نسعى إلى إسقاط الجبهة بالناصرة أن نسأل أولاً ما مدى خطورة ذلك على النهج الوطني الجبهوي في الناصرة وفي البلاد عامةً. هل يُعقل أن نقتلع شجرةً عريقة لمجرد احتوائها على بعض الأغصان اليابسة؟! شجرة وارفة غذتها محبة الوطن وسقتها دماء الأبطال ونمت تحت ظلالها محبة النصراوي لأخيه النصراوي دون اعتبارات دينية أو حاراتية أو جهوية!

مع جلّ إحترامي وتقديري للسيد رامز جرايسي، أنا لست بصدد الدفاع عن شخصه مع أنه يستحق ذلك وبجدارة. الانتخابات الأخيرة تعدّت كونها منافسه بين شخصين على رئاسة البلدية. الناصرة، بفعل مكانتها الاجتماعية والسياسية، باتت رمزاً للعرب الفلسطينيين كأقلية قوميه في البلاد. من هذا المنطلق، كان على الناخب النصراوي أن يعلم في قرارة نفسه أن هوية الشخص لا تشكل إلّا جزءًا من مجمل الاعتبارات التي يجب الأخذ بها. كذلك الأمر بالنسبه للجانب الخدماتي، من دون التقليل من أهميه هذا الجانب في انتخابات السلطة المحلية.

نظراً للتحديات المصيرية التي نواجهها كأقلية قومية في البلاد وعلى ضوء المحاولات المعلنة لأذرع السلطة لتفكيك هذه الاقلية والتعامل معها على أساس ديني وطائفي، كان حريّ بالناخب النصراوي أن يصوت أولاً وقبل كل شيء لفكرٍ ولنهجٍ قادرٍ على الصمود بوجه هذه التحديات، لا لشخص أو فئة عابرة. قد يتمكن السيد علي سلام من ادارة المدينة من الناحية الخدماتية وبدوري أتمنّى له النجاح بذلك، غير أن الأمر سيكون حتماً منقوصاً بفعل غياب الفكر والنهج الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه في هذه الأوقات العصيبة.

على الرغم من أن القوى المتحالفة قد ارتكبت أخطاءً جمّة وبرّرت لنفسها كل الوسائل في سبيل الوصول للغاية المنشودة، على الجبهة أن تعي أن الألوف التي دعمت السيد علي سلام فعلت ذلك بدافع الرغبة في التغيير وبالأخص على الصعيد الخدماتي، دون أن تكون مدركةً للعواقب التي قد تنجم عن غياب فكر ونهج نالا من التجربة والمصداقية ما يكفي لإكمال المسيره بثبات. هذا لا يعني أن الفكر الجبهوي ليس بحاجه إلى صقل أو ربما إلى خطة إشفاء لاستدراك المستجدات على الصعيدين النظري والعملي، غير أن غياب الفكر والنهج بشكل كامل ينذر بعواقب أخطر بكثير.

لا شك في ان الدافع في التغيير وحده لا يمكن أن يفسِّر الخسارة بفارق عشرة ألاف صوت. إثارة الإعتبار الطائفي وتأجيج مشاعر الكراهية هي عوامل أساسية قامت بإنجاب هذا الفارق من رحمها الخصب. هل يعني ذلك ان أغلبية النصراويين تخلّوا عن مشاعر اللّحمة الوطنية وتنازلوا بشكل قطعي عن الفكر الوطني الوحدوي الذي ينبذ الطائفية؟ لا أملك الإجابة القاطعة على هذا السؤال، غير أن رغبتي اللامتناهية بالتفاؤل وحبي العميق لأبناء جلدتي تحتّم عليّ التشكيك في صحة هذا الإدعاء!!!

هنا اقولها وبكل وضوح، على الجبهة التخلّي عن خطاب التخوين والمؤامرة حيث أن هذا الخطاب حتى وان كان موجهاً لقيادات الأحزاب المتحالفة فقط، فهو يمس بكل أولئك الذين أدلوا بصوتهم للسيد علي سلام. على الجبهة مخاطبة هؤلاء المصوتين بصوت القلب والعقل معاً. يجب التعامل معهم بقدر وافٍ من المحبة والتفهّم بهدف إحتواء مشاعر الكراهية التي ألمّت بهم وإعادة اللحمة والمودّة بين أبناء المدينة الواحدة. في نفس الوقت يجب مخاطبة عقولهم بتواضع كامل ودون أي نظرة استعلاء. وإن ننسى لا ننسى الحاجة الملحّة لإجراء التغييرات اللّازمه في الجبهة، نهجاً وممارسةً ومتابعة العمل البلدي بكل تصميم وإصرار. بغير ذلك لا أجد أي إمكانية عمليه لإحتواء الأزمة والانطلاق ثانية.

السنوات الخمس القادمة ستكون مصيرية للجبهة وللفكر الجبهوي الوحدوي على الصعيدين القطري والمحلي. على الصعيد القطري ونظراً للقانون المرتقب القاضي برفع نسبة الحسم في الانتخابات للكنيست، ستكون الجبهة بحاجة لائتلاف مع أوساط أخرى لضمان تمثيلها في الكنيست. لهوية هذه الأوساط سيكون أثر كبير على إمكانيات صقل هويتها التنظيمية والحزبية من جديد. أما على الصعيد المحلي فقد تعاني الجبهة من محاولات إقصاء وتهميش. طريقة أدائها والعمل الجاد والمثابر كمعارضة فعّالة ومتيقّظة فضلاً عن ترميم الثقة مع غالبية الناخبين، هما الكفيلان للحفاظ على وجهها الناصع والمشرّف وعلى دورها الريادي محلياً وقطرياً.

وفي الختام، ففي الجبهة طاقات شبابية ونسائية خلاقة لم يتم استثمارها كما يجب حتى الآن، وفي الجبهة قدرات أكاديمية ومهنية رائعة لم تتم الاستفادة منها رغم حيويتها لتطور الجبهة وتقدمها. على الجبهة إعادة الاعتبار لكل هذه الطاقات والقدرات من أجل أن تعيد بناء تنظيمها وفكرها، بالقول والفعل.

وكل التوفيق لشعبنا الحبيب...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة