الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 02:02

كفر برعم ـ اليس هذا ظلما ؟ ـ كيفين


نُشر: 09/10/08 17:48

ليس جديدا ان يُطرح موضوع كفر برعم على بساط البحث, الان جاء دوري لكي اخبركم قصة كفر برعم وقصة جدي التي حفرت جروحا في اعماق افكاري .
برعم قرية عائلتي, كانت قرية جميلة تتألف من حوالي 1000 شخص يمتلكون مساحات كبيرة من الأراضي  الزراعية.
عند نشوب الحرب سنة  1948 طلب الجيش الاسرئيلي من سكان القرية مغادرتها لمدة أسبوعين فقط بادعاء الحفاظ على سلامتهم.
عاش السكان في الخيم مدة الأسبوعين, بعدها حاولوا العودة إلى القرية لكن الجيش منعهم مرة أخرى ، فلم يكن لديهم إلا الرجوع إلى الخيم والبقاء  فيها شهرا آخر.
بدأ الطقس يبرد فحاولوا أن يرجعوا إلى بيوتهم لكن الجيش الاسرئيلي منعهم وأخذهم في شاحنات كبيرة ورماهم على حدود الأردن.
بدأ الناس بالسير من الأردن  إلى سوريا ثم لبنان حتى وصلوا إلى حدود إسرائيل الشمالية, بعض الناس استطاعوا الدخول  إلى البلاد بطريقة غير رسميه وبعد بضعة أيام تفاجأوا بان الجيش الإسرائيلي قد سّكن اليهود في منازل أهالي برعم . عندها قرروا أن يتوجهوا إلى  المحكمة للمطالبة بحقهم في العودة إلى بلدهم.
في سنة 1953 قررت المحكمة العليا انه بامكان أهالي برعم العودة شرط أن لا يكون في ذلك خطر على امن الدولة.
أعلن الجيش الاسرئيلي فورا عن قرية كفر برعم منطقة عسكرية مغلقة وبدأ بهدم القرية  بالطائرات العسكرية, ليهدم بذلك آمال الناس بالعودة.
كان الأهالي ينظرون من تلة قريبة مطلة على برعم كيف تهدم الطائرات الإسرائيلية بيوتهم وهم يصرخون ويبكون من شدة الحزن والألم ، لذلك يطلقون اليوم على التلة اسم مبكى البراعمة.
يروي لي والدي قصة جدي عندما اصطحب أولاده إلى برعم لأول مرة بعد أن هدّمت القرية, وكان يحمل معه مفتاحا حديديا كبير الحجم, فتح به البوابة الكبيرة الّتي كانت تؤدي إلى ساحة كبيرة أمام البيت العتيق, فتقدم نحو الحائط واخرج دلوا مربوطا بحبل, ثم تقدم إلى وسط الساحة وفتح غطاء بئر ما زالت مليئة بالماء العذب, فأدلى الدلو في البئر ونشل من مائها قائلا: " خذوا اشربوا من هذا الماء, بذلك لن تنسوا برعم أبدا".
بقيت الحال على هذا المنوال حتى عام 1965, حيث بعد استشارات وجدالات سمح بدفن إحدى العجائز في مقبرة القرية, وهكذا بدأ الناس يدفنون موتاهم في المقبرة ، وبعدها سمح للأهالي بترميم وتصليح الكنيسة للصلاة فيها.
في كل عام يحتفل الأهالي بأعيادهم المهمة مثل عيد الميلاد وعيد الفصح في القرية, حيث يتجمعون من جميع أنحاء البلاد للاحتفال والمعايدة, والتذكير أن كفر برعم في القلب والوجدان والذاكرة ولن ننساها أبدا.
نتجمع نحن الأولاد في فرصة الصيف لمدة 10 أيام, حيث نقيم مخيما صيفيا نتعرف من خلاله على تراث أجدادنا وبلدنا, ونتعرف على بعضنا البعض, نجتمع من أنحاء البلاد وحتى من خارجها لنعرف أننا من بلد واحدة وتجمعنا عائلة كفر برعم الكبيرة, لنشدد ونجدد القسم على ألا ننساك كفر برعم  أبدا. ونعرّف أجيالنا القادمة بانتمائهم إليك. ونرضع محبة برعم مع حليب ألام.



برعم إلى الأبد
أما جدي , الذي لا اعرفه إلا من خلال والدي الذي يحدثني عنه دائما, وصورته فوق سرير والدي, فقد كان رجلا شجاعا وبسيط القلب ومحبا لبلده وأهلها, يزرع حقوله الكثيرة بالحبوب, مثل القمح والذرة والشعير والعدس والفول وأشجار التين والزيتون والعنب وجميع أنواع الفواكه والخضار. كان جدي يملك ما يقارب ال- 800 دونم من الأرض وكان يعتبر من الأغنياء, لكنه كان متواضعا جدا يساعد الفقراء ويحسن معاملة المحتاجين.
قطعت النكبة فرحه وسببت له ولجدتي الألم الذي لا يمحى, حيث اخذ يعمل في البناء بعد أن نزح عن بيته ووطنه ليعيل أولاده, ويهتم بالأخص في تهذيبهم وتعليمهم.
برعم لم تغب يوما عن حديثه وذاكرته, حتى يوم وفاته في يوم سبت النور  ، الساعة السابعة صباحا ، اثر نوبة قلبية حادة, كان قبل دقائق من حصولها يتذكر برعم وأيام صباه فيها.
رحم الله جدي, وأنا مؤمن انه في السماء اليوم ولا ينسى برعم.



مقالات متعلقة