الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 16 / مايو 08:01

حين يغيب الأمل... بقلم: فؤاد خوري


نُشر: 07/05/08 06:57

  حنان وفارس، اسمان لطالما ارتبطا معًا، عرفها في أيام الدراسة الجامعية، هي كانت تدرس معه في نفس الكلية – كلية الصيدلة، كلاهما كان لديه نفس الطموح، أحلامهما كانت متشابهة منذ البداية، هي كانت تحب سماع الموسيقى الكلاسيكية، وهو أيضًا، كان يطيب له سماع فيروز وأم كلثوم، تلك الأغاني التي يستعذبها الفؤاد.
  بعدما أنهت الثانوية، دخلت الجامعة واختارت موضوع الصيدلة، هي لم تعرف فارس من قبل، ففي السنة الأولى من الدراسة الجامعية، لم يكن هنالك اهتمام ملحوظ من قبل كلٍّ منهما للآخر، ولكن في السنة التالية، أحسّ كلٌ منهما أنَّ الآخر سيكون له، في المرة الأولى بادر هو ودعاها للتنزّه في الحديقة، وافقت، وكم شعرت بحاجة ماسّة لأن تكلمه، أحسّت أنَّ قلبها ينبض بفرح وراحت تبوح له بما يجول في ثنايا قلبها، وهذا الشعور لم يكن بعيدًا عنه.
  عندما تحدثَّ فارس وحنان فترةً من الزمن، شعرت حنان أنَّ طموحهما متشابهة، أحلامهما أيضًا، كان هدفه وحلمه أن ينال الشهادة ويعمل ويكوّن أسرة، وهي كذلك، هذا ما آلت إليه نفسها، هو أحبَّ سماع الموسيقى الكلاسيكية، وهي كذلك، شعرت بارتياحٍ لهذا الأمر، وتمنت لو أنّها عرفته منذ السنة الأولى، لكن لا يهّم، فهي الآن تعرفه، وستحظى بلقائه يومًا بعد يوم، ويطيب لها أن تقضي الأيام والليالي بجانبه، يتسامران والقمر والنجوم حولهما، وهما غارقان في أحاديث، وأحلام، وتمنيات...
ها هم في السنة الثالثة من الدراسة، وبعد سنة سينالان الشهادة، سيزول هذا العبء قريبًا، إلا أن يتحقق ما تمنياه بعد عناء أربع سنوات، الحياة الجميلة بانتظارهما، حينها قفص الزوجية سيوحّدهما، وأبدًا لن يفرقهما شيء، هكذا حلمت حنان، أن تكّون أسرةً معه، وتنجب أولادًا طيّبين ولكن هل يستجيب القدر لِمَ يبتغيه الحلم، أم أنّه سيسير بالاتجاه المعاكس إلا أن يتشتت الحلم وتُجهل طرقه؟!
الوعود كانت كثيرة في أيام الجامعة، فالزواج والبيت والأولاد، كل ذلك تم التخطيط له وهما في السنة الرابعة، فهذه السنة هي الفاصلة، بها سيتخرجان وينالان الشهادة، وهي الفاتحة لمستقبل منير ومشرق.
ما أروع الأحلام، لو بقيت لوحدها، دون أن يعيقها شيء، خاصةً أنَّ حنان روت لأهلها قصتها مع هذا الشاب، وأهلها لم يبدوا معارضةً البتّة، كذلك الآمر بالنسبة له، فقد عُرف عن العائلتين حُسن السِّيرة والسُّمعة الطيّبة.
في أحد أيام الشتاء، بينما كانت حنان تغلي الماء في قدرٍ كبير على النار ،بطلبٍ من أمّها المنشغلة بتنظيف البيت ، فأبوها عاد من العمل مرهق، ويريد أن يستحمَّ كعادته كلَّ يومِ، وبينما هي تغلي الماء، وإذ في لحظة لا تدري ماذا حصل لها، وإذ بالقدر المليء بالماء المغلي يقع على رجلها، فيتسبب لها بحروق وألم، عانت منه في المستشفى طيلة أسبوعين، لقد شوّهت الحروق قدمها الجميلة ..أوّاه ..أين اختفى ذاك الرونق وذاك الجمال ، العله طار مع أحلامها إلى ارض الغربة؟
ما الذي حصل؟ تساءلت وهي في المستشفى، كانت قد فقدت الوعي بعد الحادثة، وإنّها الآن تجد أنَّ جزءًا منها قد تضرر، لن يعود كالسابق، فرجلها احترقت من الماء المغلي، إنّها تعاني ألمين في آنٍ واحد، ألم رجلها التي أصبحت الآن بسببها أسوأ شكلاً من السابق، وألم القلب الذي انكسر عندما فُجع، فماذا سيكون موقف فارس من هذه الحادثة، الشك بدأ يساورها، هل سيظلُّ مخلصًا كما سبق أن عهدته طيلة أربع سنوات، أم أنّه سيتخلى عنها، وينهي هذه العلاقة، فجمالها الفتّان ها إنّه الآن قد تلاشى، ولم تعد كالسابق، ولن تعود، هذا الشعور هو ما كان دومًا يرافقها، بأنّها ليست سوى مخلوقة مشوّهة، وليست كباقي البشر، ولكنّها ظلّت تتأمل في أن يكون فارس مخلصًا، ويبقى متمسكًا بها رغم ما حدث، في أن لا ينهي كلَّ شيءٍ بمجّرد حادثة لم يكن لها ذنبٌ بها، لا شكَّ أنّه سيتفهم الأمر ويبقى إلى جانبها، ولكن ماذا عن أهله، إن عرفوا، هل سيوافقونه أم لا؟
  بعد مرور أسبوعين، خرجت حنان من المستشفى، وهي تشعر أنَّ هنالك شيئًا بها تغير، ولكنّها تفاءلت بالخير من موقف فارس، حتمًا سيظلّ معها، سيظلّ يحبها، وهي التي عهدت صفة الإخلاص والوفاء به، لن يخيِّب أملها في أول محنةٍ تعترض طريقها.
  وبالفعل هو كان على حسن ظنّها به، فما أن عرف حتّى تفهم الأمر، على الرغم من أنَّ شكلها تغير قليلاً، إلاّ أنّها بقيت هي، صفاتها ..حبها... حلمها...
  أبدًا لم تتغير جوهريًا، ما زالت تحب وتكره، تفرح وتحزن، ما زالت هي، وإن أُصيبت بحرقٍ، هذا لن يبدّل من حبي لها شيئًا، هكذا كان يقول فارس في قرارة نفسه.
لكنَّ أهله عندما سمعوا بما حدث لحنان، أبدوا اعتراضًا شديدًا، إذ أنّها الآن في نظرهم معاقة، إنسانةٌ مع نقصٍ، لذا لن يرضون بها زوجة لابنهم ..وكيف يرضون ؟حتى وإن أحبها، فهذا لن يغير من موقفهم شيئًا، فوالدته كانت تقول " أنا ابني تعلم ومعه شهادة كبيرة ليتزوج في النهاية من هذه الفتاة "، كذلك زوجها كان يوافقها الرأي.
بالفعل أهل فارس ألحقوا بها الظلم، مع أنّها كانت جوهرةً تتحلّى بالأخلاق والوفاء والحب والتضحية، لم يروا منها إلاّ شكلها، وكانت في نظرهم كمن لا تملك أيَّ صفةٍ حميدة، كانت في نظرهم.... إنسانة شاذة.
هي لم تكن تدري عن موقف أهله شيئًا بعد، ولكنّها سُعدت من موقفه بأنّه لن يتخلى عنها، وسيبقى بجانبها طوال الدهر، بدأت تهيئ نفسها لأنْ تصبح عروسًَا، فها قد حظيت بالشهادة، وهي الآن تعمل، ولن يعيقها شيءٌ في أن تتزوج وتحقق ما تصبو إليه دومًا من أحلام، بِذلة العرس اقتنتها واختارتها بذوقها الرفيع، وهي الآن ترتديها لتجرّبها على جسدها، كم كانت سعيدةً وهي تلبسها، شعرت أنّها أسعد مخلوقةٍ على الأرض.
  قُرع الباب، هرعت على الدرج لتفتح، وإذ بفارس يقف على الباب وهو حزين، أخبرها أنّه سوف لن يتزوج بها، كل شيءٍ انتهى  والأحلام تبخرت في سماءٍ غير سمائهم، فأهله لم يوافقوا بها زوجةً بعد ما حصل، كم صُدمت حين سمعت ذلك، وهي التي انتظرت هذا الحلم طويلاً، والحب الذي كان بينهما لم يعد له وجود، فهو لن يخالف رغبة أهله، التي كانت قاسية، وظالمة بحق تلك الأيام السعيدة التي قضياها سويةً.
  إنّها الآن تبكي، ولا يكفَّ دمع عينيها عن التوقف، رسمت على وجهها لوحة حزنٍ، وأيُّ لوحة، فلتكتمل الصورة في وجه من جعلوا منها ناقصةً، في نظر من رأوا منها ما لم تراه هي فيهم،  لأناسٍ رأوا منها المظهر لا الجوهر.
إنّها الآن وبعد مرور خمس سنوات، تجلس بجانب النافذة  في غرفةٍ لا يدخلها ضوء الشمس، كانت قد قطعت عهدًا على نفسها ألاّ تخرج منها، فالحب تبدّل بالحزن، والحياة الجميلة أصبحت تعيسة في نظرها.

مقالات متعلقة