الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 05:02

فراغ وقت الفراغ/ بقلم: د. محمود الخطيب

كل العرب
نُشر: 05/02/14 08:29,  حُتلن: 07:23

د. محمود الخطيب في مقاله: 

ليس معنى وقت الفراغ أن نملأه بأمور تافهة فارغة لا هدف له يتعدى حدود اللحظة الآنية والمتعة السريعة

المقصود بوقت الفراغ هو ذلك الوقت الذي تفرغنا فيه من أداء الأمور الإلزامية والإجبارية كالعمل وشؤون البيت والالتزامات التي لا يمكننا تأجيلها أو التحكم في توقيتها وبذلك يكون لنا كامل الحرية في أن نحدد نوع النشاط الذي سنمارسه

أثناء سفري مع عائلتي في رحلة الى احدى الدولة العربية خرجنا للتنزه ليلا فرأينا مجموعة كبيرة من السيارات يخرج من شبابيكها شبان يطلون برؤوسهم وأجسادهم ويجلسون على الشبابيك، يصرخون ويغنون ويخرجون أصواتا غريبة وصوت الموسيقى الصاخبة يملأ المكان.. وكان أحد الشبان أشقر الشعر ويلبس بنطلونا أحمر وكندرة بيضاء وحزاما أبيض ويعلك علكة في فمه ويتمايل بخصره في سيارة الكشف، فلم أستطع أن أتمالك نفسي وذهبت إلى سائق الحافلة وسألته من هؤلاء.. فكانت الصدمة.. قال لي إن هؤلاء طلاب جامعات يحتفلون بتخرجهم من الجامعة.. حسبي الله ونعم الوكيل....

هنا عادت ذاكرتي بي 10 سنوات الى الوراء عندا كنت طالبا في الجامعة، وتذكرت حياة الطلاب هناك، وتذكرت تلك الحادثة التي لن أنساها، حيث كنت أمر مستعجلا في أحد أروقة الجامعة، فاستوقفني أحدهم قائلا: "توقف، تعال واجلس معنا، لماذا انت مستعجل دائما هكذا"، وكنت في حينه اعمل واتعلم، فقلت له مازحا: "انا في طريقي الى ارسال مكتوب الى الأمم المتحدة لعلهم يوافقوا على أن يكون اليوم 25 ساعة بدلا من 24، لأني بالكاد أستطيع أن انهي واجباتي في 24 ساعة"، فرد صارخا: " سامحك الله، نحن لا نعرف كيف نقضي ال 24 ساعة وانت تريد أن تضيف لنا ساعة". فقد كان هذا الشاب من الطلاب الذي لا يدخلون الى قاعات المحاضرات وكان يدرسون قبل الامتحانات، وكل وقتهم في الدواوين ولعب الورق وأمور كثيرة لا قيمة لها".

الحقيقة أنه يوجد سوء فهم عجيب لجزء من حياتنا والذي نُطلق عليه "وقت الفراغ"، فليس معنى وقت الفراغ أن نملأه بأمور تافهة فارغة لا هدف له يتعدى حدود اللحظة الآنية والمتعة السريعة!!. المقصود بوقت الفراغ هو ذلك الوقت الذي تفرغنا فيه من أداء الأمور الإلزامية والإجبارية كالعمل وشؤون البيت والالتزامات التي لا يمكننا تأجيلها أو التحكم في توقيتها وبذلك يكون لنا كامل الحرية في أن نحدد نوع النشاط الذي سنمارسه في هذا الوقت ولا يعني أن نملأه بأمور فارغة.

فمصطلح وقت الفراغ كما يفهمه الناس غير موجود في قاموس العظماء!! حتى الأوقات التي يرفهون فيها عن أنفسهم تكون من أجل هدف بعيد يتعدى حدود اللحظة الآنية والمتعة السريعة!!. المشكلة أن الكثيرين يشكون من قلة الوقت، لكن ان تابعت حياتهم فستجدها تمتلأ بأمور لا قيمة لها وفي انشطة تضيع الوقت، مثل الجلوس في المقاهي ومحادثات التشات ومشاهدة التلفاز ومشاهدة مباريات كرة القدم، والعاب الورق، والدواوين ومحادثات الهاتف الطويلة والعاب الحاسوب، وفي انشطة لا هدف لها يتعدى حدود اللحظة الآنية والمتعة السريعة. الذي لا يوجد عنده خطة لاستغلال وقت الفراغ فحتما سيمتلأ بأمور تفاهة لا قيمة لها لا في الحاضر ولا في المستقبل.

الحياة العصرية
فالحياة العصرية ساهمت مساهمة غير طبيعية في ان تتحول اوقات فراغنا الى اوقات فارغة، يقضي الناس بالمعدل على مشاهدة التلفزيون 3 ساعات في اليوم! وفي أمريكا 5 ساعات! بالمقابل فإن معدل القراءة العالمي 24 دقيقة في اليوم! ومعدل العربي صفحة في السنة! في كوريا 10% من الصغار مدمنون على العاب الحاسوب حيث يمضي بعضهم 17 ساعة في اليوم على العاب الحاسوب حتى أن الحكومة اقامت الحكومة 240 مركز استشارة للتخلص من الإدمان وخصصت ميزانيات للتخلص من الإدمان على لعبة معينة.

صحيح أن دخول الإنترنت الى حياتنا سهل علينا العمل وكثير من أمور حياتنا لكن مما لا شك فيه أنه يتنافس مع التلفاز في سرقة وقتنا وحياتنا ليملأها بأمور تافهة لا قيمة لها. 80% من طلاب الجامعات صرحوا أن الإنترنت مشكلة حقيقية. وخصوصا الفيسبوك حيث أن الإدمان على الإنترنت ادخل الى سجل الأمراض النفسية المعترف بها على مستوى عالمي والتي تحتاج الى علاج.
الشركات تنفق أموالا طائلة على الدعاية حتى تستحوذ على اوقات فراغنا في امور ممتعة لا هدف لها سوى المتعة الآنية، العالم تحول إلى قفص من الإغراءات والملهيات. يقول الكاتب البريطاني الدوس هكسلي(كاتب بريطاني) مؤلف كتاب عالم جديد ورائع (1958):
«ستجند كل مقدرات علم النفس والعلوم الاجتماعية من أجل التحكم بالبشر، وذلك من أجل معرفة الطريقة الأمثل للاستغلال السيء لجهلهم وقلة عقلانيتهم».

إن الخطوة الأولى نحو ادارة وقتنا واستغلاله هي النظر الى أوقات فراغنا، ومن ثم لننظر في كل الفعاليات التي نقوم بها ونملأ بها وقت الفراغ، وثم نسأل أنفسنا هل الهدف من هذه الفعاليات لا يتعدى اللحظة الآنية والمتعة واللذة السريعة. ومن ثم تقوم بالتخلص من هذه النشاطات تدريجيا وملؤها بأمور لها قيمة.

الإنسان الكسول
ان الإنسان الكسول يدعي أيضا أنه مشغول وأنه يعاني من قلة الوقت، وهو صادق لكن السؤال الذي يجب أن نسأله بماذا يملأ وقت فراغه! هل يملأه بالمهام والنشطات غير المهمة وغير المستعجلة. فالكسل لا يعني أن تجلس وأن لا تفعل شيئا وانما يعني أن تملأ وقتك بنشاطات غير مهمة وغير مستعجلة والتي ستأتي في الأخير على حساب الأمور المهمة والأمور المستعجلة.

اذا حتى تستغل وقت فراغك فعليك أن تسأل نفسك:
1. هل توجد نشاطات مهمة ومستعجلة يجب علي القيام بها، اذا كان الجواب نعم فأولى لك أن تقوم بهذه الأمور.
2. هل توجد نشاطات مهمة ولكنها غير مستعجلة يجب علي القيام بها، اذا كان الجواب نعم فأولى لك أن تقوم بهذه الأمور.
قبل مدة استمعت الى محاضرة عن وقت الفراغ وعن جودة وقت الفراغ وكيف يجب أن يملأ الأولاد فراغهم، وما هي الفوائد التي يحصلها الأولاد اذا فعلوا ذلك فخلصت الى نتيجة ان وقت الفراغ اذا امتلأ بالأمور المهمة فإنه سيتعدى في اهميته الوقت الذي يقضيه الولد في المدرسة.

الكاتب مستشار ومحاضر ومدرب

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة