الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 20:01

الفيسبوك.. زائر ثقيل ومتطفل حرّف تقارب الأجساد والأرواح/ بقلم: نانسي شحوك

كل العرب
نُشر: 31/01/14 17:31,  حُتلن: 10:06

نانسي شحوك في مقالها:

عصر التطوّر اليوم أصبح مصدراً للتّعثّرات البشرية والعلاقات الإجتماعية التي باتت مُعظمها فيسبوكيّة خائنة

الفيسبوك وَحَّدَ المصالح الشخصية في شتّى المجالات إن كان في العمل أو في العلاقات الخاصّه التي نتيجتها كانت الزواج أحياناً

الفيسبوك حرّف معنى الإجتماعيات من تَقارُب الأجساد والأرواح في جلسة دافئة مليئة بالمشاعر المُختلطة بين الناس مِن بسمات وقهقهات ودُموع وعُبوس وكل ما مَلك الوجه من تعابير كلامية إلى رُسومات مُزخرفة مُزيّفة 

بالإضافة للعلاقات الحقيقيّة المُتنوّرة الحضارية أُنتِجَت فئه لا بأس بها من الناس مُتفرّدة بنفسها داخل قَوقعة صمّاء تغُطُّ في سباتٍ عميقٍ مع ضيفٍ زارها منذ سنوات قليلة ثقيل الهمّة مُتطفّل يهوى زرع الوُجوه المُقنّعة

مُطأطئي الرؤوس، ظهورُنا مُنحنية دوماَ إلى الأمام، عُيون لا تَتكلّف برمقِ الشّمس للنظر قليلاً إلى الأعلى، لحظات ثمينة غالية باتت تتطاير وتضيع من أمامنا دون أن نشعر...بعد أن حلّ على عصرنا أحد وساوس التكنولوجيا الواسعة المجال الموقع الإجتماعي "الفيسبوك"... 

الفيسبوك الذي حرّف معنى الإجتماعيات من تَقارُب الأجساد والأرواح في جلسة دافئة مليئة بالمشاعر المُختلطة بين الناس، مِن بسمات وقهقهات ودُموع وعُبوس وكل ما مَلك الوجه من تعابير كلامية إلى رُسومات مُزخرفة مُزيّفة كأنها ناطقة بِصور وجوه كأنها تنوب عن نُطق ولسان ومشاعر المرء عبر الفيسبوك، وعلى الشّخص المُقابِل المُتلقّي للأشياء أن يتقبّل هذا التّعبير المُقنّع على أنه حقيقه ومشاعر، ينوب عن الواقع، يُلغي أرقام الجوّال، لم نَعُد نُصغي لذبذبات الصّوت لنعي حقيقة البسمة المرسومة من خلف الظلمة، أطياف صُورٍ مُبتهجة نراها منشورة على صفحات الفيسبوك, نلمَحُ أصحابها في الطّريق كالطيور الجارحة، صُقورٌ عابسة، أفرادٌ لا تُقدّر معنى الكلام ولا تملك قُدرة قراءة ما وراء السطور، وعندما تَتراءى أمامك صفحاتها عبر الفيسبوك، سُبحان الله الخالق، كأن الإلهام الالهي قد أشفق عليها وقنّعها بلباس العلم والأدب، وتراهم وبإتقان يقومون بدور العامِل الإجتماعي المُصلِح لمشاكل الناس، يُوزّعون النّصائح بالمجّان، يقطُر لسانُهم بِحُلو الكلام مُجاملةً بكل من أبدى إعجابه، هذا يُصبح صديقُ الفرد المُحبّب، وتلك زميلتها التي ليس بعدها بديل، وذاك مَثَلُهُ الأعلى في الوقار والأخلاق، وكلُّ يُجامل الآخر ويُنافق، وتتوسّع دائرة العلاقات الفيسبوكيّة لِتُشكّل شبكة مُختلطة من المجموعات الوهمية ، حيث تجعلنا نتخيّل من شدّة وهميّتها أنّه يصدر منها ضجيج ثرثرةٍ فاضِحٌ يلجُّ داخل رؤوسنا حتى عند ساعات النّوم، وكأنّ التّجمُّع الفيسبوكي اليومي لا يكتفي بما نافقه خلال النّهار، فيُتابع ثرثرة الأخبار والمُجاملات حتى في أوج الظلام، وكأنه زائرٌ ثقيلٌ تطول ساعات سهراته... ونحن بتنا نُتقن فن الإصغاء له كي لا تفوتنا معلومة أو مُجاملة أو خدعة كلامية جديدة.

ضاحية المفرق
أنا لا أنكر، بل وأؤكّد أن الفيسبوك، والذي به اليوم أكثر من مليار شخص والمُتوقّع تضاؤلُهم بالملايين خلال السنوات الثلاث المُقبلة حسب الدراسات والأبحاث، هو كموقِع إجتماعي لديه الكثير من الإيجابيات التي لا تقل عن السّلبيّات المُلَمّح بها...جَمَع الكثير من الناس التي أصرّت أن تتعارف وتلتقي على أرض الواقع، وَحَّدَ مصالحهم الشخصية في شتّى المجالات إن كان في العمل أو في العلاقات الخاصّه التي نتيجتها كانت الزواج أحياناً....هي صفحة مفتوحة للجميع، منهم من أتقن استعمالها وبرزَ ونجح وكسب الشهرة في مواهبه ومنهم في حياته العمليه والتقدّميه...وآخرون يستغلّوا صفحات الفيسبوك يوميّاً لتفاهاتهم وهدر الوقت في الولوج لتفاصيل يومِهم الدّقيقة، حتى أنّ حياتهم قد باتت بالفعل "فيسبوكيه" وجه كتاب مفتوح يخلو من الخصوصيّة، حيث تجعل الشّخص المُتلقي يرتدي قناع الإشمئزاز والنُّفور.

التّعليق والإعجاب في الفيسبوك أصبحوا سر ارتباط الناس ببعضهم أو تفكّكهم، الحساسية بين الناس تزايدت بناءاً على متانة ربطهم ببعض بهذا السّر...مثلا: تعليق من فُلان ونسبة لا بأس بها من الإعجاب ترفع هذا الشخص لمرتبة الرُّقي، تَجاهُل فلان لِما كتب علّان أو ربّما أنه لم ينتبه لما نشر من صور وكلام تولد الحساسية بين الأفراد...لا تعليق ولا إعجاب يُنعَت بالمُتكبّر...أصبحت وللأسف تُبنى العلاقات بهذا الإتجاه بين الأغلبية، وأشدّد على الأغلبية، لأن المُجتمع لا يخلو من كبار العقول المُتمسكة بالنّزاهة بالحكم على شكل دائرة العلاقات الإجتماعية، وللأسف أصبح هو العامود الفقري الذي تُبنى عليه العلاقات الإنسانيّة أو تُهدَم.

خلافات، جدالات ونقاشات تافهة تدور حول هذا الوضع، حتى كلمة "صباح الخير" باتت مُنوّطة بمَوْقف الآخر عن طريق الفيسبوك.

عصر التطوّر اليوم أصبح مصدراً للتّعثّرات البشرية والعلاقات الإجتماعية التي باتت مُعظمها فيسبوكيّة خائنة، فبالإضافة للعلاقات الحقيقيّة المُتنوّرة الحضارية، أُنتِجَت فئه لا بأس بها من الناس مُتفرّدة بنفسها داخل قَوقعة صمّاء، تغُطُّ في سباتٍ عميقٍ مع ضيفٍ زارها منذ سنوات قليلة، ثقيل الهمّة، مُتطفّل، يهوى زرع الوُجوه المُقنّعة التي سُرعان ما تكشف عنها لمُجرّد ارتطامك بها في طريق سيرك على ضاحية المفرق.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة