الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 12:01

قراءة في شعر سوزان دبيني/بقلم:ب.فاروق مواسي

كل العرب
نُشر: 26/01/14 15:05,  حُتلن: 22:16

قراءة في شعر سوزان دبيني
(قصيدة: بدون حبك)

يوم أن صدرتُ مجموعة سوزان الأولى "عندما تضمني إليك" قلت في مقدمتي لمجموعتها:

إنها قصائد حبية قصيرة كالومضات المدهشة. إنها قصائد فيها قفلة أو تخريج محفز للتساؤل أو مثير. قصائد انسيابية عفوية وإنسانية مفعمة بالجدة والطرافة تنفذ إلى القلب من غير جواز مرور، وتطرق باب الوجدان بالرقة الأنثوية الغارقة في الاحتواء والعابقة بالاحتواء - وعمدًا أكررها.

قصائد تقول إن المرأة مرآةٌ لنفوسنا الظمأى ..للنبرة الصادقة والتقاء مع الخلجة الولهى، واكتواء بحرقة رائعة سواء اتصلنا أم انفصلنا... وَيْ!

سوزان هذه الشاعرة الواعدة التي جعلت الشعر بتوصيفة أخرى ليس لها علاقة بالوزن ولا بالقافية ولا حتى بالإيقاع الداخلي الهلامي، وليس لها وشيجة صلة بجزالة مطروقة مسبوكة.

قصائد سوزان زهرات تتماثل كثيرًا في الروض، ولكنها عبقة أولاً، ورسم لحقيقة جديدة ثانية... غريقة بالوجد والمؤانسة.
قلت: ما أحوج شاعرتنا إلى الالتحام بالطبيعة بشكل أقوى حتى تقول على غرار ما قالت:

كلما ذكررت اسمك
تعطرت الدنيا
بأجمل أنواع العطور
فقد استخرجتك
-حبيبي-
من ذاكرة الياسمين البيضاء

ومن قصائدها التي تجند الطبيعة في أصداء الذات، سنقرأ معًا قصيدة "بدون حبك" وسنتوقف على ملامح فيها:

بدون حبك
عيوني غيوم
تمطر صيف شتاء
ألوانًا من العذب
ألوانًا من الشقاء

بدون حبك
تغيب الشمس قبل المغيب
يحني القمر رأسه
حزنًا وأسى
على القلب الكئيب

بدون حبك
تبكي أغصان الأشجار
تودع أوراقها
الصغيرة
الوداع الأخير
هنا معانقة بين التلقائية والخروج عن المألوف، فالموضوع هنا فقدان/غياب حبيب، وهذا يؤدي إلى نتائج تخرج الطبيعة عن مألوفيتها. هنا ربطت بين الحدث وبين الصورة الفنية في معادلة مركبة.
التجربة الإنسانية فيها مزج بين الواقع والمحتمل- هذا المحتمل دلت عليه هنا بالرؤى بالأحلام، فالدموع أصبحت تنهمل كمياه المطر، لكنها ليست سائلاً ...إنها ألوان من الشقاء.
والشمس ها هي وللمرة الأولى لا تجري لمستقر لها، وإذا كانت الشمس قد وقفت سابقًا ليشوع بن نون فالشمس هنا تأفل مبكرة احتجاجًا على جفاء الحبيب، وهذا القمر لا يملك إلا أن يحني رأسه حزنًا وأسى.
وهذه الأغصان هي كذلك تبكي وتودع أوراقها الصغيرة "تودع" هل لهذه اللفظة علاقة بالنهاية بينها وبينه؟
" الأخير": هل هي مجرد كلمة؟
إنها ألفاظ لها ظلال، ولكن الربط فيها غير آلي ميكانيكي، ففي النثر نرى أن الهدف هو الوصول إلى المعنى، والكلمات مدلولات موازنة للأفكار، ومنطق الفكرة هو محك التعبير، بينما هنا في القصيدة- وفي الشعر عامة- تكون كلمات الشاعر رموزًا، وليست مجرد مطايا للفكرة، فالصورة تتخذ مسارًا لفظيًا:
"بدون أحبك"- جملة عادية، لكن وراءها زفرة ألم معبأة بالغضب، أو على الأقل بالأسى، أو بالاحتجاج.
ولماذا هذا التعبير إن لم يكن للتأثير الوجداني على القارئ؟ فتنقل القصيدة التجربة إلى ساحته هو، حتى إذا اصطدمت لديه الأحداث والرؤى والأحلام انطلق القارئ في دالة رامزة...
القارئ يستوحي من خلال النص ذكرياته الشخصية، قد تشحنها كلمة هنا أو هناك: القمر، الشمس، تكرار "بدون حبك"، الأخير. إنها بالتالي أجواء قد تتواتر أو تظهر ثم تتوارى ، تتوارى ثم تستقطب، وتتناغم في نفس القارئ.
من هذا المنطلق رأيت جملاً نثرية كذلك كقولها: "ألوانًا من العذاب" وقد يسأل سائل: لماذا قبلت "ألوانًا من الشقاء" ولم تقبل الأولى.........؟
قلت إن التكرار هنا من نافلة القول، فألوان الشقاء تغني للدلالة على العذاب والمعاناة.
ثم ما ضرورة قولها: "حزنًا وأسى على القلب الكئيب"
"على القلب الكئيب"... صورة وصفية مباشرة يمكن التخلي عنها، فبقدر ما تكون القصيدة مختزلة مكثفة تكون روعتها، "حزنًا وأسى" فحسب.
وسوزان عرفت كيف تختزل وتكثف التجربة في كثير من قصائدها، ولكني أخشى عليها من النمطية، ذلك لأن إثراء الشعر يتأتى في ظروف تستجد بها الأحداث والأفكار، وعندها تغنى الرؤى الأحلام... وعندها يَغنى الشعر، وعندها نُغنّي.

.............................................

من كتابي "قصيدة وشاعر".- قراءات في الشعر الفلسطيني. نابلس: دار الفاروق- 1996، ص 73-78.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة