الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 08 / مايو 16:01

ترف اسمه التخطيط/ بقلم: د. محمود الخطيب

كل العرب
نُشر: 21/01/14 08:05,  حُتلن: 08:10

د. محمود الخطيب في مقاله:

الحقيقة أن التخطيط لا يضمن النجاح! ولكنه يبقى أفضل بكثير من عدم وجود تخطيط

كثير من الناس لا يخططون على الصعيد الشخصي وعلى صعيد عملهم وعلى الصعيد الاجتماعي ويعتقدون أن التخطيط مضيعة للوقت

التخطيط في مجتمعنا هو أقصى أنواع الترف الذي يزهد فيه الكثيرون وعند أول ضائقة يقدم قربانا على حساب الأمور الأخرى التي تقل عنه أهمية

الذين يخططون هم أولائك الذين يصنعون التغيير! فالناس مع التغيير أربعة أنواع: النوع الأول لا يشعر به الثاني يكتشف أن العالم قد تغير بعد حدوث التغيير الثالث يدرك التغيير أثناء حدوثة!! الرابع يتوقع التغيير قبل حدوثه

ان كثرة المجالات في حياتنا وتنوعها وتعددها، وكثرة الاحتمالات في كل واحد من هذه المجالات، وكثرة الملهيات والمغريات التي قد تشتتنا أكثر جعل من عملية التخطيط أمرا لا بد منه لكل فرد يريد أن لا يتشتت وأن يعرف ما هو الأفضل له في ظل الإمكانيات والمقدرات المتوفرة له وحتى يستطيع أن يعيش في هدوء وسكينة ويحقق اهدافه.

كثير من الناس لا يخططون على الصعيد الشخصي وعلى صعيد عملهم وعلى الصعيد الاجتماعي، ويعتقدون أن التخطيط مضيعة للوقت. ومع ذلك عندما تسألهم ان كانوا يخططون للمستقبل لن تجد أحدا لا يدعي أنه لا يخطط، لكن المشكلة تقع عندما نسأل:
1. كم من الوقت يأخذ معك التخطيط؟ (كلما كان أكثر كلما كان أحسن)
2. كم تستثمر في التخطيط من مال وطاقات بشرية؟ (كلما كان أكثر كلما كان أحسن)
3. ما هي منهجية التخطيط؟ (منهجية علمية أم شعبوية)

لذلك نجد أن كثيرا من حراكنا متعثر ومبني على الأهواء والمشاعر والعواطف ويتميز بالارتجالية. ما زال المشوار أمامنا طويلا حتى تدخل ثقافة التخطيط على حياتنا كأفراد وأسر، وشركات، ومؤسسات، وحراك اجتماعي، ومجالس محلية، وجمعيات. وقد يدعي البعض أنه نجح بدون تخطيط بعد ان تُبين له كيفية التخطيط بشكلها الصحيح. وهذا صحيح لكن قد ينجح البعض بدون تخطيط (لكن الأكثر لا ينجحون). ربما "تنجح" بدون تخطيط وتكون قد تكبدت X (من الجهد) لتحقق Y (من الإنتاج) مع كثير من الهم والقلق، لكن مع تخطيط تحتاج فقط ل 0.5X (من الجهد) لتحقق 2Y (من الإنتاج) بدون هم وقلق.
يبقى السؤال هنا هل التخطيط يضمن النجاح؟ قبل أن نجيب على السؤال أسوق هنا مثالا سيسعد له من لا يحبون التخطيط، أعظم مفكر استراتيجي في التاريخ الحديث يدعى "بروفيسور مايكل بورتر" أقام شركة للاستشارة الاستراتيجية قبل سنتين.. الشركة أعلنت افلاسها قبل ستة شهر.. الحقيقة أن التخطيط لا يضمن النجاح! ولكنه يبقى أفضل بكثير من عدم وجود تخطيط.
إن التخطيط السليم لا يقلل من كمية المفاجآت ولكنه يؤثر في نوعيتها!!.. فيزيد من نسبة المفاجآت الإيجابية ويقلل من نسبة المفاجآت السلبية.. وحتى يحدث ذلك فعليك أن تستعد دائما للأسوأ وتتوقع الأفضل!! حتى إذا كانت هنالك مفاجآت.. لتكن مفاجآت سعيدة.

ما دامت فوائد التخطيط كذلك فلماذا لا يخطط كثير من الناس؟ الغطرسة أو الجهل بقيمة وأهمية التخطيط تجعل الكثيرين لا يعطونه حقه من الوقت والجهد. وخصوصا أنه يكون مكلفا جدا في المدى القصير لكن أثره عظيم في المدى البعيد، ولأن التخطيط يحتاج إلى وقت، ولأنه يحتاج إلى عقل ودراية، ولأن نتائجه غير آنية، ولأنه من الصعب تحديد حجم أثره، ولأنه لا يجد له صدى في الإعلام، لأن الإعلام يركز على النتائج، ولأنه كذلك وبالرغم من فائدته العظيمة، أستطيع أن أجزم أن التخطيط في مجتمعنا هو أقصى أنواع الترف الذي يزهد فيه الكثيرون، وعند أول ضائقة يقدم قربانا على حساب الأمور الأخرى التي تقل عنه أهمية..

في الغرب يفكرون في مستقبل مستقبلهم ونتغنى بما مضى من ماضينا.. التخطيط يتعلق بالأساس في المستقبل، وكل شيء زاد عن حده نقص، فيجب علينا أن لا ننسى الماضي. لكي تحافظ على صحتك فعلاقتك مع الفراغ الذي في معدتك يجب ان تكون على النحو التالي: ثلث للطعام وثلث للماء وثلث للهواء ولكي تحقق "النهضة" فعلاقتك مع الفراغ الذي في عقلك يجب ان تكون على النحو التالي: سدس للتفكر في الماضي (الاستخلاص العبر وليس للبكاء على الأطلال) سدسان للتفكير في الحاضر (لتجنب الأخطاء وتحقيق الإنجازات وليس للمتع والملذات) ثلاثة أسداس للتفكير في المستقبل (لوضع الأهداف والخطط وليس للأحلام والأوهام). "الأمم التي تنهض هي تلك الأمم التي استخلصت العبر من ماضيها وتنازلت عن كثير من حاضرها من اجل مستقبلها"..

الذين يخططون هم أولائك الذين يصنعون التغيير! فالناس مع التغيير أربعة أنواع: النوع الأول لا يشعر به، الثاني، يكتشف أن العالم قد تغير بعد حدوث التغيير، الثالث، يدرك التغيير أثناء حدوثة!! الرابع يتوقع التغيير قبل حدوثه، النوع الرابع عادة ما يكونوا رجال أعمال أو سياسيين أو أصحاب نفوذ ناجحين جدا.. حتى تكون من النوع الرابع فعليك بالتخطيط والعلم والتجربة والخبرة، هذا ما اعتقده جازما لذلك فإن وجودك في النوع الرابع يجعلك تبدو غريبا ومغامرا، ولا بأس عندي أن أكون مغامرا أو غريبا ما دمت أعرف سبب الغربة ونتائج المغامرة..

أن تخطط لمستقبلك هذا يعني أن تكون كما قال أحدهم C.E.O of your LIFE. (C.E.O = Chief Executive Officer المدير الرئيسي لشركة أو منظمة ) أي ان تكون أنت من يدير حياتك لا أن الظروف هي التي تديرك. أن تخطط يعني أن تكون قائدا لنفسك لا مقودا..

• الكاتب مستشار ومحاضر ومدرب مدير معهد ستيبس للتفكير الاستراتيجي والنجاح الريادي

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة