الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 01:01

وحشية الإنسان/ بقلم: جميل أبو خلف

كل العرب
نُشر: 03/01/14 16:30,  حُتلن: 07:31

جميل أبو خلف في مقاله:

فقدان الإنسان لإنسانيته ولجوئه إلى أعمال القمع والوحشية قد يحوّل المجتمع الإنساني بأسره إلى مجتمع وحوش وحيوانات مفترسة

أن يخسر الإنسان إنسانيته فهذا غير طبيعي بالطبع وغير مألوف لمن يدّعي بأنه إنسان ويتميز عن سائر المخلوقات المختلفة بالكثير من المميزات

شراسة الوحوش لا تقارن مع شراسة الإنسان لأن الوحوش لم ترتكب مثل بشاعة الإنسان ومن هنا يمكن الاستنتاج أن وحشية الإنسان لا حدود لها وقد تفوق أفعال الوحوش بوحشيتها

فقدان الإنسان لإنسانيته هو ما يجعل كثيرا من الناس سواء كانوا أفرادا أو جماعات وسواء أكانوا في السلطة أو خارج السلطة إلى اللجوء إلى ارتكاب أعمال العنف والجريمة المنظمة وغير المنظمة والى إراقة الدماء وأعمال القمع والتعذيب


قد يخسر الإنسان ماله وهذا طبيعي، وقد يخسر الإنسان ابنه أو بعض أبنائه وهذا طبيعي أيضا، وقد يخسر مركزه الاجتماعي وما إلى ذلك... فهذا طبيعي أيضا، أمّا أن يخسر الإنسان إنسانيته فهذا غير طبيعي بالطبع وغير مألوف لمن يدّعي بأنه إنسان ويتميز عن سائر المخلوقات المختلفة بالكثير من المميزات وأولها وأهمها صفة العقلانية.


إن خسارة الإنسان لبعض الأشياء الحسّية والعملية مثل المال والجاه وغيرها لا يضيره شيئا ولا ينقص منه شيئا وان كان قد خسر بالفعل بعض الأمور الهامة في حياته، بل بالعكس قد تكون خسارته في بعض الأحيان لتلك الأشياء قد تزيده شرفا وهيبة وكرامة والخ. .. أما أن يخسر الإنسان إنسانيته فهذه هي الخسارة الحقيقية، ومعنى هذا انه يكون قد فقد مقوما هاما بحياته وبوجوده، وبمعنى آخر يكون قد فقد شعوره وإحساسه بأنه إنسان وأصبح انتماؤه ليس للمجتمع البشري أو الإنساني إنما للمجتمع الحيواني بكل المقاييس.

ولكن يبقى السؤال المطروح والأهم: ما الذي يجعل الإنسان يفقد إنسانيته ويتخلى عنها ويقبل بأن يتحول إلى وحش أو يصبح ينتمي إلى المجتمع الحيواني؟ وبكلام أدقّ ما الذي يجمل الإنسان على اختيار ألقاب أخرى تتنافى مع إنسانيته وتجعله يصبح بالانتماء تابع إلى مجموعة الحيوانات المفترسة؟! وما هو الفرق بين الوحش الحيواني والوحش البشري؟.

لقد ساهم الطب الحديث في علاج أخطر الأمراض (بشكل نسبي) وأوجد لها الدواء المناسب لحد ما من أجل أن تتعافى النفس البشرية من هذه الأمراض التي أصابتها سواء بالعلاج البيولوجي أو بالحمية والوقاية من الوقوع بهذه الأمراض، والمأمول أن يجتهد الأطباء وأهل الاختصاصات المختلفة في تخليص الإنسان من أمراض هذا العصر والذي يليق تسميته بالعصر الحيواني.
لا أتوقع أن أحدا قد يختلف معي في هذه التسمية ولا أتوقع أن أحدا قد يغضب على مثل هكذا عبارة أو هكذا مصطلح خاصة إذا ما قارن أفعال أولئك الشريرين والحاقدين والحيوانيين من قتل وسفك للدماء مع أفعال الحيوانات المفترسة، لا بل على العكس فالمتوقع أن نجد أنصارا كثيرين يؤيدون هذه التسمية وهذا اللقب على إنسان هذا الزمان خاصة وذلك لسبب بسيط جدا وهو أن الإنسان يقتل أخاه الإنسان ويشعر بأنه راض عن قتله له وهذا بخلاف ما يشعر به الحيوانات الأخرى، وعلاوة على ذلك فإن الحيوانات الأخرى لا تبنى معسكرات اعتقال أو تبتكر أساليب مختلفة للقتل مثل القتل عن طريق الغازات المختلفة أو تقوم بمجازر جماعية، وعليه فإن شراسة الوحوش لا تقارن مع شراسة الإنسان لأن الوحوش لم ترتكب مثل بشاعة الإنسان، ومن هنا يمكن الاستنتاج أن وحشية الإنسان لا حدود لها وقد تفوق أفعال الوحوش بوحشيتها.

الغريب كل الغرابة بأنه وكما أسلفت أن هذه الأمراض (القتل بوحشية وسفك الدماء) موجودة وظاهرة للعيان لكن المجتمعات الإنسانية تخجل من هذه الأمراض وتسكت عنها سواء مكابرة أو عدم اكتراث أو عدم اعترافها بأنها أمراض خبيثة ومزمنة من الدرجة الأولى.

إن ما يدفع الإنسان الحيواني في الإقدام على أفعاله الوحشية من قتل وتنكيل بأخيه الإنسان هو رغبته في الثأر لنفسه وشعوره المطلق بأنه فارض للقانون وفي بعض الأحيان يضع نفسه مكان الخالق ويمنح نفسه الحق بالتعرض لغيره وقتله بأبشع الطرق دون أن يشعر بالأسف أم الندم أو الحرقة على سفكه لدماء غيره والتي تكون في أغلب الأحيان غير مبررة، بل العكس هو الصحيح فقد يشعر بالرضا التام والسرور والبهجة ويشعر بالانتصار وربما أن مثل هذا العمل الوحشي بنظره قد يزيد في رصيده عند خالقه.

فقدان الإنسان لإنسانيته
إن فقدان الإنسان لإنسانيته هو ما يجعل كثيرا من الناس سواء كانوا أفرادا أو جماعات، وسواء أكانوا في السلطة أو خارج السلطة إلى اللجوء إلى ارتكاب أعمال العنف والجريمة المنظمة وغير المنظمة والى إراقة الدماء وأعمال القمع والتعذيب بأشكاله المختلفة وذلك من أجل الحصول على معلومات أو غيرها من الأسباب.

إن شعور القائم على السلطة وهو الحاكم بالتميز العرقي يجعل منه وحشا ويجعل منه سفاحا ويعطي لنفسه شرعية بتنقية وتصفية جميع من حوله من البشر بهدف بقاء عرقه نظيفا من هذه الأجناس البشرية النجسة بنظره وخير مثال على ذلك ما قام به هتلر من إجراءات من أجل تنقية العرق الآري وتفوقه، فأصبح التطهير للشعوب الأخرى أمرا سائغا واعتياديا في نظر هذا الوحش النازي والذي اعتبر هذه الشعوب من حوله غير بشر ولا يستحقون الحياة.

القمع والاستغلال
في ظني أنه ليس قدرا محتوما على البشر أن يتحولوا إلى جلادين وضحايا (وحوش مفترسة وأرانب وفئران ) لكن أنظمه القمع والاستغلال هي التي تريد إبقاء البشر وحوشا، فعندما يقوم هذا الإنسان (الوحش) الحاكم أو أنصاره بفرض حياة تعيسة على غيره والتي تكون أقرب إلى حياة الحيوان من حيث المعاملة فانه بذلك يختار بل يخلق عند هذا المغلوب والمقهور والمقموع بوادر احتجاج لديه من أجل قمع الحيوان المفترس الآخر الذي يريد افتراسه، ومن الطبيعي والمنطقي أن تتولد عند هذا المقموع قناعة بأن الرد على هذه الوحشية الذي عومل بها بوحشية مشابهة أو أشد قسوة.

الجلاد والضحية
إن العلاقة بين الجلاد والضحية علاقة مبنية على الكراهية المتبادلة ليس إلا؛ وبغض النظر عن الأسباب التي من شأنها يقوم الجلاد وحاشيته باضطهاد أبناء جلدته سواء أكانت مبررة أو غير مبررة فهنا يتولد عند كل طرف من الأطراف الشعور بالرغبة في الانتقام والثأر لنفسه أو لمجموعته.

إن الحاكم الطاغية والمستبد قد يلجأ إلى استخدام آلات القهر والإذلال والقتل وغيرها من أجل اضطهاد أبناء شعبه، ولكن الحاكم الأكثر حنكة وحكمة والأكثر سياسة يلجأ إلى أسلوب الحوار وأساليب الدبلوماسية وقوة الكلمة المؤثرة لدى شعبه وبذلك يكون قد وصل إلى هدفه الأسمى دون ممارسة الوحشية وبذلك يكون قد حقن كثيرا من الدماء التي تسيل ظلما وبغير مسوغ أو مبرر حقيقي.


قد تقع المسؤولية على الضحايا أنفسهم وليس على الجلاد فحسب فيما يرتكبه من أعمال عدوانية وقمعية تجاههم وذلك لأن الضحية يظهر في كثير من الأحيان خوفه من الجلاد الأمر الذي يثير شهوة الجلاد العدوانية تجاه الطرف الآخر، فتماما عندما يمر الشخص من أمام كلب فيبدأ الكلب بالعواء عليه بصوت عادي فإذا لم يكترث هذا الشخص لعواء الكلب وتابع سيره بشكل طبيعي فإن الكلب لا يهاجمه، ولكنه إذا ركض أمامه وأظهر خوفه منه فكأنه بذلك يدعوه إلى مطاردته ومهاجمته وهكذا هو الحال بتصوري بنظرة هذا الكلب الذي يجلس على كرسي البشر بتعامله مع ضحاياه (عذرا للكلب الوفي فقد اضطررت تشبيه الإنسان الشرير والقاتل به).

حرية الإنسان
إن مصادرة حرية الإنسان هو قتل نفسي ومعنوي بكل المقاييس لهذا الإنسان وان فقدان الحرية هو إحساس هذا الإنسان بأنه مضطهد من جانب الوحش الإنساني وبالتالي يعمل جاهدا على كسر هذه القيود ولو بالقوة ومن خلال ممارسة العنف المضاد من أجل انتزاع حقه في الحرية والعيش الكريم والخروج من عبوديته.

إن فقدان الإنسان لإنسانيته ولجوئه إلى أعمال القمع والوحشية قد يحوّل المجتمع الإنساني بأسره إلى مجتمع وحوش وحيوانات مفترسة وهذا يكون نتيجة طبيعية ورد فعل طبيعي من جانب المضطهد والمقهور من ممارسات وسلوكيات عدوانية تمارس ضده بذنب أو بغير ذنب ومن أجل عودة الأمم والمجتمعات الإنسانية إلى حياة الاستقرار والسكينة والأمان فلا بد من إحداث تغيير جذري وجوهري وحقيقي على تطور الفكر الإنساني برمته من خلال العمل على بناء الإنسان بناءً سليما وتهيئته لحياة حضارية من خلال استئصال أمراض كثيرة قد أصابته وهو لا يدري أنه مصاب بها وبذلك يكون هذا الوحش المفترس قد تخلى عن ثقافة القتل والاضطهاد وأصبح يعيش كانسان يمارس إنسانيته وليس إنسان بغرائز حيوانية وعدوانية لا تليق به كإنسان.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة