الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 08:02

العالم بلا نيلسون مانديلا/ بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

كل العرب
نُشر: 07/12/13 07:41

د. مصطفى يوسف اللداوي في مقاله:

نيلسون مانديلا أصبح علماً تعرفه الدنيا كلها ويحفظ اسمه الصغار قبل الكبار ويحترم وجوده وغيابه قادة العالم كله

فلسطين أصابتها الغصة وعمها الحزن وآلمها غياب الرجل الذي ساندها في حقها ووقف معها في نضالها وأيدها في مواقفها وكان رمزاً لمعتقليها

قد يفرح العنصريون الإسرائيليون لوفاة نيلسون مانديلا، وغيابه عن الساحة الدولية لاعتقادهم أنهم سيرتاحون من صوتٍ عالٍ وضميرٍ حي ومناضلٍ دؤوب ومثالٍ على ظلم الأسر وقسوة السجان

رحل الرجل الذي شغل العالم كله لعقودٍ طويلة، فاقت في أثرها عقود عمره التي قاربت على المائة سنة، فقد أصبح نيلسون مانديلا علماً تعرفه الدنيا كلها، ويحفظ اسمه الصغار قبل الكبار، ويحترم وجوده وغيابه قادة العالم كله، الكبار والصغار، الملوك والرؤساء، والشيوخ والأمراء، والشعوب والأمم، الذين طأطأوا الرأس لمماته، ونكسوا الأعلام لوفاته، وتوشحوا السواد لرحيله، وملأ الحزن قلوبهم، وغشى الأسى وجوههم لغيابه، فقد غرس مكانته في النفوس حباً، وزرع محبته في القلوب شوقاً، فما من إنسانٍ إلا وتمنى مقابلته، والجلوس معه، والحديث إليه، فقد غدا للحرية رمزاً، وللنضال مثالاً، وللصبر عنواناً.

عنوان الحرية ورمز النضال
توفي نيلسون مانديلا عنوان الحرية ورمز نضال الأسرى في بيته وبين أهله، ونعاه إلى العالم كله رئيس بلاده، ووريث الحكم عنه، ولكن العالم لم يكتفِ بنعي رئيس دولة جنوب أفريقيا لمواطنه أقدم السجناء وأشهر المعتقلين، فقد نعاه إلى شعوبهم أغلبُ رؤوساء وقادة دول العالم، كما نعاه باسم الأمم كلها، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وقد كان يوماً أول رئيس لدولة جنوب أفريقيا بعد تخلصها من النظام العنصري البغيض، ولكن نفسه الأبية عافت الرئاسة، وكرهت الصدارة، وزهدت الحكم والمناصب، ونأت عن الاحتفالات والمباهج، وأبى إلا أن يبقى قريباً من شعبه، متواضعاً بين أهله، مناضلاً وسط الصفوف وبين الجماهير من أجل استكمال الحرية.

فلسطين
أما فلسطين فقد أصابتها الغصة، وعمها الحزن، وآلمها غياب الرجل الذي ساندها في حقها، ووقف معها في نضالها، وأيدها في مواقفها، وكان رمزاً لمعتقليها، ومدافعاً عن حريتهم، ومنادياً بإطلاق سراحهم، فكانت فلسطين وأهلها أكثر المفجوعين بغيابه، وأكثر المتضررين برحيله، وهو الذي جاهر بمواقفه المؤيدة للفلسطينيين، والمعارضة لسياسات الكيان الصهيوني العنصرية.

السجون الإسرائيلية
ومن السجون الإسرائيلية خرجت برقيات النعي من رفاق مانديلا الفلسطينيين، الذين عرفوا معاناته، وقدروا تضحياته، وشرفهم أن يكونوا مثله، مناضلين من أجل قضية حق، وثائرين لكرامة شعب، وعزة أمة، فنعوه إلى شعبه وإلى أنفسهم، وهم يؤمنون يقيناً أن ما حققه مانديلا لشعبه من حريةٍ وانتصار، فإنهم سيحققونه يوماً لشعبهم، وسينتصرون على عدوهم، وسيكسرون قيدهم، وسيخرجون من سجونهم، وسيشاركون في بناء وطنهم.

الحرية أقوى من القيد
إن وفاة نيلسون مانديلا في بيته وبين أهله، وعلى أرض وطنه، وهو الذي كان للقيد رفيقاً، وبين القضبان سجيناً، وفي المعتقلات مغيباً ومنسياً، تؤكد أن الحرية أقوى من القيد، وأن الإرادة تصنع الحرية، وأنها قادرة على كسر الأغلال وتحطيم القيود، والإنطلاق إلى فضاء الوطن، وأما السجانون والجلادون فإنهم يهزمون دوماً أمام إرادة الأسير، وعزم المعتقل، وأن أحداً من الأسرى لن يحرم الحرية، ولن يموت في الأسر، ولن يمنع من معانقة أهله، ومصافحة أحبته، كما لن يقوَ أحدٌ على منع دفنه تحت تراب وطنه.

المعتقلون الفلسطينيون
غيابُ نيلسون مانديلا الرجل الذي قال "إن حريته لا تكتمل بدون حرية الفلسطينيين"، يسلط الضوء بقوةٍ على قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، فقد غدو اليوم أشهر الأسرى، وأقدمهم أسراً واعتقالاً، وأكثرهم حكماً، وأطولهم مدةً بقاءً في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، فإن كان العالم قد عرف نيلسون مانديلا المناضل الأفريقي العريق، فإن فلسطين فيها مئاتٌ أمثاله، بل إن منهم من فاق في أغلاله وقيوده الفترة التي قضاها مانديلا في سجنه.
قد يفرح العنصريون الإسرائيليون لوفاة نيلسون مانديلا، وغيابه عن الساحة الدولية، لاعتقادهم أنهم سيرتاحون من صوتٍ عالٍ، وضميرٍ حي، ومناضلٍ دؤوب، ومثالٍ على ظلم الأسر وقسوة السجان، وأنهم لن يضطروا من بعده لسماع أصواتٍ منددة، أو دعواتٍ مستنكرة، تدين الكيان الصهيوني وتحمله المسؤولية، وأنه سيخلو لهم الأمر من بعده، وسيمضون قدماً في سياساتهم العنصرية ضد الفلسطينيين، ومعاملتهم القاسية للأسرى والمعتقلين، فلن تكون هناك أصواتٌ دولية عالية، محترمة ومقدرة، تدافع عنهم، وتنادي بحريتهم، كما كان نيلسون مانديلا يفعل دوماً، بجرأةٍ وقوةٍ وإصرار.

إرادة المعتقل
إن إرادة المعتقل الأشهر نيلسون مانديلا هي التي حطمت جدران الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهي التي آذنت بفجر الحرية في بلادٍ كان فيها المستعمرون البيض هم الأسياد، وسكان البلاد الأصليين هم العبيد، فصنع بإرادته وهو الأعزل إلا من حقه، دولةً أصبحت نصيراً للحق، وظهيراً للعدل، وصوتاً عالياً ضد القهر والظلم.
وإرادته نفسها هي التي صمدت وتحدت، وهي التي قاومت وناضلت، وثبتت ولم تسقط، ولم تتنازل ولم تستسلم، فقد صمد في سجنه، وثبت على حقه، ورفض كل الاغراءات، ولم يقبل بمختلف العروض، التي تنتقص من حق شعبه، وتحرمه من وطنه، وتقصيه عن بلاده، وفاوض في سجنه متمسكاً بثوابته، رافضاً تقديم أي شكلٍ من التنازل لسجانيه، مؤيداً استمرار المقاومة المسلحة، والمواجهات الشعبية، ولو تكبد فيها الشعب خسائر كبيرة، ولكنه كان يؤمن أن خاتمة الصبر نصرٌ، ونهاية الصمود حرية، وعاقبة المقاومة فجرٌ جديد، وقد علم أنه في سجنه الأقوى، وأنه في قيده الأكثر حرية.

ارتداء السواد
إن على إسرائيل وقادتها أن يلبسوا اليوم السواد، وأن يتوشحوا بالحزن، وأن يخفضوا أصواتهم، ويطاطأوا رؤوسهم، وأن ينعوا إلى شعبهم، وإلى من ناصرهم، موت دول الظلم، وأنظمة الفصل، وسياسات العزل، وانتهاء أزمنة الاستبداد، وعصور القهر، ورموز الاستعمار، فمهما طال الزمن، واشتد بأس السجان، وعظمت قوة الاحتلال، فإن فجر الحرية آتٍ لا محالة، وبيارق النصر ستنصب، وأعلام الحرية سترفع.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة