الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 02:01

النجاح في سياسة الهدم!/ بقلم: آمال موسى

كل العرب
نُشر: 06/12/13 18:34,  حُتلن: 18:39

آمال موسى في مقالها:

ليس سهلا السقوط من أعلى قمة في الحلم الاجتماعي المشروع والدخول في منطق المقارنة بين ما قبل الثورة وبعدها

 أول سؤال يستحق الطرح هو لماذا انتقلنا من طور البهجة إلى المرارة ومن حالة الحلم إلى الإحباط في تونس مثلا؟

لماذا دارت عجلة الفساد والتخلف والتدهور الاقتصادي والاجتماعي على نحو أصبح فيه البعض سرا وجهرا يشعر بالحنين إلى ما قبل الثورة؟ 

عملية البناء في مرحلة ما بعد الثورة لم تنطلق من الصفر بل هي بداية جديدة قامت على منجز أكثر من نصف قرن ومواطن الثغرات فيه واضحة وجلية

خطاب الإقصاء في حد ذاته ممارسة فعلية للهدم وتصفية مقنعة للحسابات النفسية والسياسية الرخيصة فما بالنا عندما يتم تبني هذا الخطاب من نخبة تحكم وتشرف على حاضر دولة ومستقبل شعب

إن المرور السريع والقسري والعنيف من بهجة الثورة، الحدث التاريخي الاستثنائي في بلدان الربيع العربي إلى الإحساس العميق بالمرارة والخيبة والإحباط، ليس عملية هينة أو اعتباطية. فليس سهلا السقوط من أعلى قمة في الحلم الاجتماعي المشروع والدخول في منطق المقارنة بين ما قبل الثورة وبعدها. وليس سهلا بالمرة أيضا وقوف الكثيرين عند أوهام ما سمي الربيع العربي والثورات العربية. لذلك فإن أول سؤال يستحق الطرح هو لماذا انتقلنا من طور البهجة إلى المرارة ومن حالة الحلم إلى الإحباط في تونس مثلا؟ ولماذا دارت عجلة الفساد والتخلف والتدهور الاقتصادي والاجتماعي على نحو أصبح فيه البعض سرا وجهرا يشعر بالحنين إلى ما قبل الثورة؟

بالنسبة إلى تونس، كان من الممكن أن يتم التأسيس حقيقة للربيع العربي وتقديم أنموذج ناجح ومشجع وذلك بالنظر إلى أن عملية البناء في مرحلة ما بعد الثورة لم تنطلق من الصفر بل هي بداية جديدة قامت على منجز أكثر من نصف قرن ومواطن الثغرات فيه واضحة وجلية. ولكن الظاهر أن الصعب قد حصل في تونس وهو حدث الثورة في حد ذاته. في حين أن ما هو سهل والمتمثل في تعديل المشروع التنموي التونسي والتخلص من مظاهر الفساد من خلال إرساء مفاهيم وتصورات قيمية جديدة، أظهر الواقع أنه أصعب من حدث الثورة نفسه بدليل إخفاق النخبة الحاكمة في تونس اليوم. نعم النخبة التي قدم لها التونسيون الثورة على طبق بعد أن كانت غالبيتهم قانعة بدور لا يتعدى التنديد المناسباتي من ديار المنفى الباردة، فشلت في تحقيق أبسط مبادئ البناء المجتمعي وتأمين أولى وظائف النخب الحاكمة في كل العالم وعبر التاريخ.

المصالحة الوطنية
إن الترويكا الحاكمة في تونس أخفقت في تبني خطاب سياسي يقوم على مبدأ المصالحة الوطنية. لذلك ارتبط وجودهم السياسي أو تاريخ وصولهم إلى الحكم بمحاولات تقسيم الشعب آيديولوجياً وسياسياً مما يعني أن الأحزاب الثلاثة معا تتحمل مسؤولية التخطيط ضد تجميع التونسيين. وبدل التركيز على أفكار مبدئية حول المصلحة الوطنية الواحدة وراية تونس والحلم التنموي التونسي، سارعت عدة عناصر رئيسة وفاعلة داخل الترويكا وخارجها وفق استراتيجية توزيع الأدوار إلى التنديد بالدستوريين التجمعيين وبث الرعب والابتزاز في صفوف رجال الأعمال وتطوع بعضهم - من خلال تفويض من نرجسيتهم المتضخمة - لتوزيع ألقاب النضال والوطنية على تونسي دون تونسي آخر. علاوة على الاعتماد على خيارات التهميش والمحاكمات السياسية. ولم يستطع الكثير من أشخاص هذه الجماعة الحاكمة كبح جماح نار الانتقام في داخلهم: الانتقام من الصامتين أيام حكم بن علي. الانتقام ممن لم ينتفضوا ضد سجن البعض منهم. الانتقام من كل من لم يستطع أن يكون بطلا مقداما.

الانتقام 
الانتقام ممن لم يعاملوهم كما عاملوا بن علي. الانتقام من نخب كانت إيجابية في مواقفها من النظام السابق وتبدو اليوم منتقدة للترويكا الحاكمة وتحديدا للرئيس وجماعته. من المؤسف أن تضم النخبة الحاكمة في أي بلد من البلدان بين صفوفها أشخاصا هم مرضى ماضيهم وذاكراتهم وأوجاعهم ومركباتهم. فهؤلاء هم عثرة حقيقية أمام البناء والتقدم والتنعم بالثورة. بل إن أفضل ما قامت به هذه الجماعات إلى حد الآن الإساءة لحدث الثورة وتحويله من حدث تاريخي خارق إلى حدث من نوع آخر أي أنهم أضفوا على معنى الثورة ودلالاتها مضمونا سلبيا حتى أنهم أصبحوا هم سيان! إن خطاب الإقصاء في حد ذاته ممارسة فعلية للهدم وتصفية مقنعة للحسابات النفسية والسياسية الرخيصة فما بالنا عندما يتم تبني هذا الخطاب من نخبة تحكم وتشرف على حاضر دولة ومستقبل شعب. فليس مقبولا أو متوقعا في خصائص النخب السياسية الحاكمة عدم الالتزام بقواعد الحياد الحزبي والآيديولوجي وألا تكون صوت كل المواطنين جميعا باختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية والعقائدية وغير ذلك. بل من غير المعقول أن تخوض مؤسسة من مؤسسات الدولة في مرحلة ما بعد الثورة حربا ضد قطاع من الشعب وتمارس عليه ضغوطا وتعتدي على حقوقه الإنسانية. من ذلك مثلا أن مؤسسة الرئاسة التي يترأسها السيد المنصف المرزوقي أصدرت كتابا سمته «الكتاب الأسود» وهو عمل أثار ضجة لما تضمنه من تشهير موصوف لمجموعة من الإعلاميين التونسيين والعرب والأجانب والمثقفين، أي أن مؤسسة الرئاسة رأت في الوقت الذي تعيش فيه تونس أزمة سياسية بامتياز وتدهور الدينار وتزايد مظاهر الفساد وتفجر ألغام الشعانبي وسقوط قتلى من الأمن والجيش التونسيين وغلاء المعيشة الفاحش إضافة إلى الاحتجاجات والإضرابات الجهوية العامة في أكثر من محافظة.. رأت أن تقدم ما ينفع البلاد وهو كتاب وسمته بالأسود. وهو بالمناسبة توصيف عنصري ما كان يجب على مؤسسة الرئاسة أن تقبل به عنوانا!


إن صدور مثل هذا الكتاب في حد ذاته من مؤسسة الرئاسة إنما يكشف عن خروقات صريحة ضد:
- قطاع يحاول تقديم إعلام حر ويمارس حقه في تجديد ثقة الشعب في دوره ورسالته.
- التوظيف السياسي لأرشيف ليس من حق لا مؤسسة الرئاسة أو الحكومة أو المجلس الوطني التأسيسي الاقتراب منه.
- ضعف مصداقية الأدلة الواردة في الكتاب.
- ذكر أسماء دون حتى تلك الأدلة الضعيفة المصداقية.
- التشهير بأسماء في عداد الموتى بما يعنيه ذلك من اعتداء على الموتى وتشهير بعائلاتهم.
- ذكر أسماء وتغييب أخرى.
- ذكر إعلاميين عرب وتوجيه اتهامات مخلة دون تفكير فيما يمكن أن ينجر عنه من استعداء لتونس في الخارج.
فهل تُبنى تونس ما بعد الثورة بالكتب السوداء وبسياسة التشهير وضرب السلطة الرابعة والتشفي الرخيص؟ هل هذا ما يسمى تكليفا وليس تشريفا؟!
إنه الفشل في الحياد والنظر إلى الأمام والجدية وامتلاك كفاءة البناء.
إنه – عفوا - النجاح في الهدم.

نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة