الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 10:02

مانديلا رجل السلام/ بقلم: صباح ناهي

كل العرب
نُشر: 06/12/13 14:22,  حُتلن: 14:43

صباح ناهي في مقاله:

الرجل الأسود العليل بعد سجن 27 سنة قدم صورة مناقضة لفكرة الوأد والاجتثاث والنفي والإلغاء وصرامة الوجوه والرايات الداعية الى قتل الخصوم وتطهير المدن من الاستبداد

لقد رسم مانديلا راية بلاده من جديد بإيمان بأن السلام هو الطريق الى الحقيقة واسترداد الحقوق بمقدرة الإعداد المنظم ورجاحة العقل والحكمة

مانديلا القائد لم يرَ غير شعاع شمس إفريقيا تبزع على عينيه من جديد ويرى تناغم ألوان الأسود والأشقر فوق رأس الصبيين أمامه احتضنهما ليتحسسا نور قلبه المؤمن بأن المقبل حجره الاساس العفو" عند المقدرة" 

برحيل الزعيم الوطني الإفريقي نيلسون مانديلا يودّع الفكر الإنساني أيقونة أخرى من أيقونات عالم الحرية الرحب، وإذا كان رحيلة مرّ هادئاً، إلا أنه ترك خلفه ثورة اجتماعية كبيرة قدمت للعالم صورة مناقضة لفكرة الإرهاب والترهيب وانتزاع الحقوق - من وجهة نظر أصحابها ودعاتها - عنوة وبحدّ السيف الذي يقطر من جوانبه الدم، كما درج العرف لدينا.

لكن الرجل الأسود العليل بعد سجن 27 سنة قدم صورة مناقضة لفكرة الوأد والاجتثاث والنفي والإلغاء وصرامة الوجوه والرايات الداعية الى قتل الخصوم وتطهير المدن من الاستبداد، حين خرج مانديلا من سجنه لعله حدق بوجه صبي أسود بشعر مجعّد تعود أصوله إلى قلب إفريقيا وبقبضة مغلقة، وهو يتطلع إليه ليأتمر بأمر قائده المُحرر للتو وهو يقف أمام صبي أبيض بشعر منسدل اشقر وعيون زرقاء من أصول القارة الأوروبية المُستعمرة.

سجن طويل
ماذا يفعل القائد وهو قد نفض للتو غبار سجنه الطويل، هل يأمر بقتل خصومه وعتاة المستعمرين الذي سلبوه أحلى أيام شبابه وهو قابع كل تلك السنين العجاف خلف قضبان التمييز العنصري، لعله شريط مر سريعاً ببال مانديلا الذي ينظر لمواطنين أمامه كلاهما ضحية الحقد الاعمى والتمييز المقيت والتجنيس الذي خلا من أية قيمة إنسانية عقود من القهر والذل والمهانة. مانديلا القائد لم يرَ غير شعاع شمس إفريقيا تبزع على عينيه من جديد ويرى تناغم ألوان الأسود والأشقر فوق رأس الصبيين أمامه، احتضنهما ليتحسسا نور قلبه المؤمن بأن المقبل حجره الاساس العفو" عند المقدرة" وأن الانسان من سلم الناس من يده ومن لسانه، انه بدفء القلب والانسانية التي تعلمها لحظات السجن المريرة أوقدت فيه روح السلام والتعاطف مع الغير الذي هو دون شك إما "اخ له في الدين والوطن أو نظير له في الخلق " فرجّح المحبة على البغضاء، رجّح الايمان على الكفر بالناس والظروف التي سلبت حريته.

العيش المشترك
لقد أدرك أنه لا مناص من العيش المشترك، وأن الوطن الافريقي يسع الجميع، وأن الارض معطاءة كي يأكل منها الأعم الأغلب من سكن بلاده المبتلاة بعهد هو تركة ثقيلة ليتحمل وزر تغييرها من جديد، لقد ساوى بين الصبي الاسود الافريقي صاحب الارض والحجارة وبين الاشقر الاوروبي الذي يحمل جنسيته الجديدة الجنوب إفريقية وجواز إفريقي، ولد في أرض استعمرها أسلافه، ليحل مانديلا معضلة أخرى كانت كمنجم بارود يمكن أن تدخل مئات الألاف السجون أو القصاص من مرتكبي جرائم التمييز العنصري المقيت، وليسدل الستار عن صفحة من صفحات الموت والاضطهاد ويعتلى قمة الهرم الانساني بإقناع قومه بأن التسامح والحب كفيلان بأن يعيدا البشر الى إنسانيتهم وطباع السلام لديهم، وبذلك قدم صورة أخرى للتسامح والعفو والمواطنة الحقة. توفي الزعيم الوطني الإفريقي نيلسون مانديلا، الذي تمكن بفضل شجاعته وقيادته من كسر أسوار التمييز العنصري وحول معقله جنوب إفريقيا الى بلد ديمقراطي متعدد الاعراق. لقد رسم مانديلا راية بلاده من جديد بإيمان بأن السلام هو الطريق الى الحقيقة واسترداد الحقوق بمقدرة الإعداد المنظم ورجاحة العقل والحكمة، اثبت ان الشعوب دوماً تحتاج الى الحكمة أولا والشجاعة اخيراً.

* نقلا عن العربية.نت

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة