الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 18:02

وداع إلى الأبد - بقلم: جبر


نُشر: 27/04/08 18:50

وقف على صخرة أمام البحر، وأخذ ينظر إلى الأمواج العالية التي تتدافع بقوة كبيرة لتتكسر مع ارتطامها بالصخر، هذا التحدي الأزلي الأبدي بين الأمواج والصخر، لقد اعتاد الوقوف في هذا المكان ساعة الغروب، ومطالعة المنظر المتكرر يومياً، فقد كان هذا المنظر يبعث في نفسه روح التحدي، أراد أن يكون صلباً كهذه الصخور، وأن يقف بوجه أمواج الحياة العالية مهما كانت قوية، لكن هناك ما يحول بينه وبين قوته، فان نفس هذا المكان الذي يوحي له بالقوة، يجعله ضعيفاً، وبالذات هذه الصخرة التي يقف عليها، والتي تعني له نقطة تحول في حياته، وأطلق نظراته الى صفحة المياه الزرقاء، التي طالما عكست صورتها، لقد كان يرى بالفعل وجهها مرسوم على صفحة الماء وهي تبتسم، فتنزل دموعه رغماً عنه، ويستعيد الحادثة التي كانت كالشريط المسجل الذي يعرضه في أوقات متفاوتة ليرى جبنه إزاء ما حدث.
ويجلس باستسلام ويستعيد كل شيء منذ البداية، لقد كان ذلك منذ فترة طويلة، حين قدم الى هذا المكان أول مرة، وكانت هي تقف على نفس الصخرة، وجمعتهما الصدفة أو انها يد القدر الخفية التي اعتادت التلاعب بهذه المخلوقات ومشاعرها. اقترب منها متهيباً، حيث أراد سماع ما تقول، فقد كانت تتكلم دون ان يكون الى جانبها أحد، وما أن أحست بوجوده حتى أدارت وجهها تنظر اليه وهي تمسح دموعها بسرعة، أما هو فقد وقف واجماً والخجل باد عليه، وعادت بنظراتها الى البحر، لكن دون ان تحاوره هذه المرة، عندها استجمع كل شجاعته واقترب محاولاً سماع أي شيء، لكن عبثاً فلا يوجد سوى صوت الامواج.
وبعد لحظات قليلة ادارت ظهرها ذاهبة بكل هدوء، كأنها لم تكن، أو كأنها مجرد خيال لا حقيقة. ومنذ ذلك اليوم أصبح يتردد الى هذه الصخرة كثيراً، فقد أراد رؤيتها، شيء ما يشده اليها، وبالفعل كان يراها بشكل دائم، وفي احدى المرات، تشجع وألقى عليها السلام،وبعد ان ردت عليه قال: أود أن أسألك؟
فقالت: تفضل...
- لقد التقينا كثيراً هنا، وكنت أسمعك تتحدثين دون سميع لك أو جليس...
فقاطعته قائلة وهي تبتسم: إعتقدتني مجنونة حينها...
فقال: لا، لا، أبداً...
فتنهدت قائلة: الحقيقة هي أني اشعر ان البحر يسمعني، أن أمواجه تتعاطف معي، الامر الذي لا أكاد أجده في عالمنا، لذا آتي الى هنا وأرمي بهمي فيه، فأستريح...
فسألها مستغرباً: وهي يريحك هذا فعلاً؟!
فتجيبه بهدوء: اخترت هذا المكان لأنه بعيد عن العيون، ولا يأتي اليه أحد، فأستطيع ان أبكي وأن أصرخ دون ان يسمعني سوى البحر، فأشعر براحة غريبة...
- ألهذه الدرجة تعانين؟
فابتسمت قائلة: ومن منا لا يعاني، من منا لا توجد في حياته نقطة سوداء تجعله ضعيفاً ؟
فأجابها بسرعة ودون تفكير: أنا لا يوجد في حياتي أي نقطة ضعف، وأستطيع ان أواجه مشاكلي وهمومي وأتغلب عليها.
فقالت وهي تدير ظهرها ذاهبة: هذا جيد، لكن تذكر ما سأقوله جيداً، لا بد أن يأتي يوم تكون فيه ضعيفاً.
والتقيا بعدها، شعر ان بداخله شيئاً يجعله دائم الاشتياق لها دون ان يعرف السبب، وتبادلا الحديث، وشكا كل منهما همه للآخر، واعتقد أنهما لن يفترقا ابداً. وأقبل الخريف ولا زالا يلتقيان في نفس المكان، جلس ينتظرها الى ان قدمت مبتسمة، فألقت السلام ووقفت الى جانبه، فقال: لقد تأخرت. فلم تقل شيئاً بل ابتسمت، قال: أراك مبتسمة هذا اليوم، فما السبب؟
فأجابته: أشعر بفرحة هذا اليوم، فأنا لم أعتد ان يفتقدني أحد اذا غبت،أتعرف انني لم أعرف الابتسامة الا حين عرفتك.
ينظر إليها مبتسماً، فتفتح ذراعيها وتقترب من حافة الصخرة وهي تقول: أشعر اني أريد ان أعانق البحر، أحس كأنك هدية البحر لي لتكون الى جانبي...
فيصرخ بها قائلاً: عودي، الرياح عاتية ولا أعرف السباحة...
فتدير ظهرها قائلة: لا تخف علي...
وما كادت تفعل حتى انزلقت قدمها لتسقط والأمواج تتقاذفها، وهي تصرخ طالبة منه ان يساعدها، وهو يركض على الصخرة بكل اتجاه لا يعرف ماذا يفعل، ويصرخ هو الآخر طالباً النجدة، لكن دون جدوى، فلا يوجد أحد على الشاطئ، ونظر إليها وهي تغوص ...وتختفي...ولا تعود...

مقالات متعلقة