الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 07:01

اللصوص والبخلاء/ بقلم: وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 09/11/13 17:51,  حُتلن: 08:07

وديع عواودة في مقاله:

قامت قيامة الإعلام العبري وأوساط الرأي العام في إسرائيل الإثنين مع الكشف عن 1500 لوحة فنية نادرة نتاج أشهر رسامي أوروبا بالقرن التاسع عشر سرقها النازيون من يهود خلال المحرقة

بعد الظهر قفزت الذكريات الصباحية للوعي وحضرني المثل المذكور بعدما مررت بعين كارم في الطريق للقدس الغربية وبفارق بسيط فقد تغيرّت الأدوار فقد صار الفلسطيني ضحية ضحايا النازية !

قال سيدنا المسيح "قبل أن تخرج القذى من عين أخيك أخرج الخشبة التي بعينك". حلاوة الموعظة ببساطتها وعدالتها وهي شائعة بكل الألسن حتى بالعبرية. لكن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين تشطبها من قاموس الحكم والأمثال أو ربما تلهج ألسنهم به وتصنع أياديهم عكسها.
قامت قيامة الإعلام العبري وأوساط الرأي العام في إسرائيل الإثنين مع الكشف عن 1500 لوحة فنية نادرة نتاج أشهر رسامي أوروبا بالقرن التاسع عشر سرقها النازيون من يهود خلال المحرقة. وشنت الصحف العبرية حملاتها على السلطات الألمانية للتستر على اللوحات المسروقة بعد ضبطها قبل عامين داخل غرفة مظلمة في ميونيخ. صباح الإثنين تابعت التقارير المستفيضة بالإعلام الإسرائيلي حول السلب والنهب بقوة السلاح وأصغيت بخشوع لصمت الضحايا اليهود ممن فقدوا أرواحهم لا متاعهم فحسب نتيجة الكراهية العمياء.
بعد الظهر قفزت الذكريات الصباحية للوعي وحضرني المثل المذكور بعدما مررت بعين كارم في الطريق للقدس الغربية، وبفارق بسيط فقد تغيرّت الأدوار فقد صار الفلسطيني ضحية ضحايا النازية!

عين كارم

عين كارم، أكبر قرى لواء القدس بعد سلوان، فتحتها عصابات الهجاناه في 48 وبخلاف شقيقاتها نجت عمارتها من الهدم وجيئ بالمهاجرين اليهود من ميناء حيفا مباشرة لها،ونجا اسمها أيضا. نجا الحجر وطرد البشر وتاه أهل عين كارم في طرق اللجوء المر بعدما أقاموا في واحدة من أجمل الأرياف في الشرق لا في فلسطين فحسب. في بيوتها وقصورها المهجّرة يقيم اليوم عدد كبير من الفنانين والمهندسين المعماريين ومخرجي السينما والرسامين والأثرياء اليهود، كما هو الحال في عين حوض. مثال على الثقافة الزائفة المصنوعة من البلاستيك. حينما تسكن في منزل مسروق أصحابه الأصليون باتوا لاجئين في مخيم قلنديا ستبقى أنت أيضا سارقا حتى لو أخرجت عشرة أفلام تفوز بالأوسكار.
أهالي عين كارم الاجئين في أصقاع الأرض لم يفقدوا لوحة جميلة بل فقدوا كل شيء دون ذنب اقترفوه وفي طريق البحث عنهم حطت " الفارة " ترحالها في موقع " زوخروت". كبقية أهالي بلدته تبقى قصة الشيخ إسماعيل محمد خطيب(84) من عين كارم غير معروفة للإسرائيليين فإعلامهم يساعدهم على طمس ونسيان ما اقترفته أياديهم رغم أن خسارتهم أكثر فداحة من فقدان لوحة ثمينة.

تحريك المواجع
خطيب المهّجر من عين كارم مقيم في الأردن يروي في موقع " ذاكرات " بعض أوجاعه. ويقول إن صديقا ألحّ عليه لزيارة عين كارم عام 98 ولو عن بعد ويتابع" أخذت حبتين مهدئ من نوع فاليوم وركبنا السيارة من القدس نحو عين كارم ولما شاهدتها من جهة القرية المجاورة بيت مزميل( كريات هيوفيل)" أصابني دوار وهبطت أرضا وأخذت أصرخ". في رسالته الكاوية يستعيد زيارته ويوضح أنه تجول في شوارعها وهو يستذكر كل نافذة من بيوتها الحجرية الجميلة منوها أنه هدأ من روعه قليلا عند زيارته المسجد وعين " ستنا مريم " وغسل وجهه بمياهها المنعشة. أما الزيارة الثانية لعين كارم بعد عامين لم تكن أسهل فالخطيب خشي وقتها من أن يبكي أمام حفيداته اللواتي رافقنه بالزيارة ويشير لقسوة زيارتهم لبيت العائلة المسكون من قبل عائلة يهودية. فهل من رسام في أوروبا وإسرائيل يقدر على لوحة ترسم حنين الخطيب للدار وغليان الذكريات لطفولة ما زالت تنزف بلا دماء؟ عن مثل هذه الازدواجية بالرد على سرقة لوحة مقابل سرقة الروح قال أديب إسحق قوله عن جريمة لا تغتفر وعن مسألة فيها نظر !
حينما زار أديب إسحق مخيلتي كانت المركبة قد بلغت بي حي القطمون الفلسطيني في القدس الغربية حيث تتكرر تراجيديا عين كارم فقصور ومنازل أهالي القدس الغربية ممن هجروا في النكبة أيضا تسكن من قبل مثقفين لصوص.

خليل السكاكيني
بعد تهجيره أهل القطمون وجد خليل قسطندي السكاكيني الكاتب الفلسطيني الباحث الشهير بالتربية نفسه وابنتاه دمية وهالة لاجئين في القاهرة. وبشهادة ابنتيه دمية وهالة بنى السكاكيني منزله عام 1937 وأسماه الجزيرة، فيما سمّى غرفه: صنعاء، دمشق، بغداد، قرطبة.. وقد تركت داخله كافة محتوياته، خاصة أعزها على قلبه، كتبه، كما يؤكد في مذكراته.
بخلاف الخطيب أطال الله عمره رحل خليل السكاكيني عام 1953 حزينا ومتألما ثلاثة شهور بعد رحيل نجله بكره الشاب، سري، فدفنا في القاهرة، فيما كانت الأم توفيت قبل النكبة ودفنت في القدس، فعادت الشقيقتان دمية وهالة لما تبقى من فلسطين، إلى رام الله.واغتنمت الابنتان الفرصة عام 1967 فقامتا برحلة الحنين لحي القطمون فوجدتاه قد تحول لحي يهودي فيما صار المنزل نُزُلا وروضة أطفال لمنظمة صهيونية. حتى الآن لم تنجح الإبنتان من استعادة حتى كتب الأسرة. زارت دمية وهالة مكتبة الجامعة العبرية في القدس حيث نُقلت مكتبة والدهما فاستقبلهما أمين المكتبة بأدب وقال وفق شهادتهما-: " من غير الممكن استعادة أي منها فهي كالبيوت والأراضي باتت " أموالا متروكة" تملكها إسرائيل".

البخلاء

ورفض طلبهما برؤية الكتب، ملامستها وتصفحها، ووافق على عرض كتاب واحد فقط ، فعرض عليهما بناءً على طلبهما كتاب " البخلاء " للجاحظ،في دلالة رمزية لبخل السارق. من وقتها لم تكرر هالة ودمية رحلة البحث عن الذكريات والحنين، فزيارة واحدة كانت كافية جدا بما أثارته من مشاعر وفتحته من مواجع تنتظر هي الأخرى من يكسر الصمت عليها في أوروبا وفي واحة الديموقراطية بلوحة بل بكلمة ؟

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة