الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 00:02

انتصار جرايسي بأصوات الجنود سيكون نصرا شرا من هزيمة/ بقلم: سميح القاسم

كل العرب
نُشر: 08/11/13 14:27,  حُتلن: 20:55

الشاعر سميح القاسم رئيس التحرير الفخري لصحيفة كل العرب في مقاله:

انهارت التعبئة الطائفية على رؤوس أصحابها رغم محاولات التستر بالشعارات "الوطنية" و "الثورية" في هذه البلدة أو تلك

موقف جبهة الناصرة من أصوات الجنود هو موقف عبثي سريالي ماكيافيللي يفتقر الى الحد الأدنى من المصداقية السياسية والفكرية الأخلاقية

أعرف ما حظي به رامز جرايسي من تقدير محلي نصراوي وقطري وأعترف بقدراته الإدارية والتنظيمية وبنظافة اليد التي يشهد له بها خصومه قبل حلفائه

أعرف علي سلام ولقب "البولدوزر" الذي أطلقه عليه كثير من مواطنيه لانخراطه في العمل البلدي بمثابرة وشجاعة وبصدق شعبي وانساني معروف لا ينكره عليه إلا الجاحدون

الأطر الوطنية وفي مقدمتها الجبهة "مسحت الأرض" بالكاهن جبرائيل ندّاف المتهم بالدعوة لتجنيد المسيحيين ومن المستبعد جدا أن يصوّت "المتطوعون" للخدمة في جيش الإحتلال الإسرائيلي لحزب أو لحركة أو لإطار يعتبر نفسه وطنيا وتقدميا ثوريا!!


أفرزت الانتخابات البلدية الأخيرة عدة حالات ملفتة للنظر. اتضح، مثلا، أن النفوذ القلبي والطائفي آخذ في التراجع والإنحسار، رغم ضعف الأطر الحزبية الناشطة في مدننا وقرانا بأساليبها وأداواتها التقليدية. وفي عدة مدن وقرى نجح في انتخابات الرئاسة والعضوية شبان ينتمون الى عائلات صغيرة لا تحشد كمّا كبيرا من الأصوات.

انهيار التعبئة الطائفية
وانهارت التعبئة الطائفية على رؤوس أصحابها، رغم محاولات التستر بالشعارات "الوطنية" و "الثورية" في هذه البلدة أو تلك. وبرز في عدد من المدن والقرى هبوط شديد في دور الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ونفوذها الجماهيري، رغم دورها التاريخي الكبير الذي لا ينكره عليها سوى نفر من خصومها الحاقدين المعروفين.

انتخابات الرئاسة لبلدية الناصرة
وحول هذه المسألة بالذات قال أحد الأصدقاء غاضبا ومستاء: "لم يعد الناس معنيين بالتصويت للتاريخ. إنهم معنيون بالحاضر والمستقبل ولا يكتفون بالعبارات الإنشائية عن الماضي". وكما هو في شأن الإنتخابات، دائما فهناك من يربح وهناك من يخسر، وفق قوانين تداول السلطة بالصيغة الديمقراطية المعمول بها عبر صناديق الإقتراع. وكان من الممكن أن تندرج انتخابات الرئاسة لبلدية الناصرة في هذا الإطار، سواء كان الفائز هو رامز جرايسي أو زميله لسنوات طويلة والقائم بأعماله علي سلام.
وعلى المستوى الشخصي فأنا أعرف الرجلين وأعرف ما حظي به رامز جرايسي من تقدير محلي، نصراوي وقطري، وأعترف بقدراته الإدارية والتنظيمية، وبنظافة اليد التي يشهد له بها خصومه قبل حلفائه، وأعرف علي سلام ولقب "البولدوزر" الذي أطلقه عليه كثير من مواطنيه، لانخراطه في العمل البلدي بمثابرة وشجاعة وبصدق شعبي وانساني معروف لا ينكره عليه إلا الجاحدون.

الصدمة المروعة!
كان من الممكن أن تسير الأمور بشكل ديمقراطي راقٍ، يصون للناصرة وجهها الوطني الناصع، بغض النظر عما تفرزه صناديق الإقتراع من نتائج، كان ذلك افتراضا ممكنا، لو لم تقع الصدمة المروعة بكل المقاييس السياسية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية. وأصل الصدمة أن جبهة الناصرة تتوجه الى المحاكم الإسرائيلية لمنع نشر النتائج إلا بعد فرز أصوات الجنود! حتى هذا اليوم لا يستوعب العقل والمنطق مثل هذا الموقف.. إنه موقف عبثي، سريالي، ماكيافيللي، يفتقر الى الحد الأدنى من المصداقية السياسية والفكرية الأخلاقية.

الجبهة والكاهن جبرائيل ندّاف
لو كانوا ينتظرون "صندوق الجنود" في يركا أو في كفركما لتفهمنا الوضع، فهناك تجنيد إلزامي إجباري قسري يمقته معظم المجندين إن لم يمقته جميعهم، ومن المتوقع أن نجد أصواتا للجبهة أو للحركة الإسلامية أو للتجمع أو للحركة العربية للتغيير أو لأبناء البلد أو لأي إطار يعارض المؤسسة الصهيونية الحاكمة.. أما في الناصرة، فإن الأطر الوطنية، وفي مقدمتها الجبهة "مسحت الأرض" بالكاهن جبرائيل ندّاف المتهم بالدعوة لتجنيد المسيحيين، ومن المستبعد جدا أن يصوّت "المتطوعون" للخدمة في جيش الإحتلال الإسرائيلي لحزب أو لحركة أو لإطار يعتبر نفسه وطنيا وتقدميا ثوريا!!

موقف إنتحاري
ما الذي حدث إذا؟ من يستطيع أن يفسر لي هذا الموقف الإنتحاري سياسيا واجتماعيا وفكريا وأخلاقيا؟؟ وبصيغة أخرى، فحتى لو "انتصر" مرشح الجبهة رامز جرايسي بأصوات الجنود المتطوعين للخدمة في جيش الإحتلال الإسرائيلي، فإن ذلك سيكون "نصرا شرا من هزيمة" حسب تعبير راحلنا الكبير توفيق زياد.

الشماتة للشامتين
واسمحوا لي بأن أترك الشماتة للشامتين، صغارهم قبل كبارهم، ولهم أن يشمتوا بي أنا أيضا لأنني كنت في طليعة أصدقاء رامز جرايسي ومؤيديه. ولا أعرف كيف حدث ما حدث، ولا أتخيل مبررا واحدا لهذه السقطة-الصدمة. وأدرك مدى ثقل العبء الملقى على ظهور كوادر الجبهة، لا في الناصرة وحدها بل على المستوى القطري أيضا، في أعقاب هذه السقطة-الصدمة المشينة والمفزعة والمهينة، في كل الاعتبارات وبكل المقاييس. ومن الصعب علي هنا أن أضع نقطة، لأبدأ سطرا جديدا..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة