الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 14:01

الجبهة والرئاسة حتى على حساب جرايسي!/ بقلم: يوسف شداد

كل العرب
نُشر: 06/11/13 15:05,  حُتلن: 19:01

يوسف شداد رئيس تحرير موقع العرب في مقاله:

الجبهة تصرفت بأنانية مع جرايسي ولم تحافظ على ما قدمه لها بعد عمل طويل امتد قرابة 35 عاما لأنها ارادت الرئاسة بكل ثمن ولا يهم كيف وعلى حساب مَن

وجع رامز جرايسي مضاعف فالأول وجع خسارته بعد سنوات حافلة والثاني وجع خسارته لرفيق دربه علي سلام الذي خرج مطرودا وعاد منتصرا الى البلدية

رامز جرايسي رجل سياسي وإداري مخضرم لا يشوب عمله وسلوكه كرئيس بلدية شائبة أخطأت قيادة الجبهة عندما أغلقت عليه على مدار سنوات طويلة مر خلالها بفترات عصيبة لم تكن في صالح ازدياد شعبيته كرئيس بلدية

في نظر العديد من الجبهويين غامر جرايسي بسمعته السياسية لانه ذهب في اتجاه معاكس لأيديولوجية الجبهة والحزب الشيوعي عندما توجه مطالبا بأصوات الجنود وفتح نار النقد على نفسه وحزبه ودخل الى مرحلة لا يحسد عليها اعلاميا وسياسيا

من قرأ الخارطة الانتخابية في الناصرة أغفل حقائق كثيرة من أبرزها ان علي سلام حصد شعبية لا يستهان بها بين اوساط مهمشة في الناصرة وأخرى تتطلع الى التغيير وكلها كانت اشارات وعلامات انتبه لها مهندسو الجبهة ولكن الرغبة بالانتقام السياسي من علي سلام عمت بصيرتهم

المحنكون في الجبهة أكدوا لي أن الحزب والجبهة أكبر من أي رجل ينتمي سياسيا لهما والغريب أن ذلك مورس على علي سلام الذي اقترح نفسه دائما ودوما قبل انشقاقه في المكان الثاني خلف رامز جرايسي مؤكدا بقاءه تحت مظلة جرايسي ورغم كل ذلك سمحت بانشقاقه بينما لم تطبق هذه القاعدة على جرايسي نفسه عندما طلب اعفاءه من مهمة قيادة الجبهة وهنا ناقضت الجبهة ذاتها لأنها تصرفت مع جرايسي على انه اكبر من الجبهة والحزب

لقد قالت جبهة الناصرة إنها تعتز وتفتخر بكل من منح صوته لها ولذلك ومن وجهة نظري عليها أن تكون بحجم المسؤولية السياسية والأدبية تجاه كل انصارها وان تتعامل مع الوضعية الجديدة بكل مسؤولية وأن تبارك لعلي سلام والا تتنكر للواقع الجديد وألا تقودها رغبات وأحقاد اشخاص ومصالحهم الضيقة

الجبهة أمام مرحلة جديدة في الناصرة تقتضي خطابا مختلفا عن خطابها السابق لسببين الأول خسارتها الرئاسة لأول مرة منذ عام 1976 والثاني لأنها على الارجح ستكون في المعارضة

 

تحمل نتائج انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة قصتين انسانيتين، الأولى بطلها علي سلام رئيس بلدية الناصرة المنتخب ، والثانية بطلها رامز جرايسي رئيس البلدية المخضرم في ثلاث دورات متتالية المنتهية ولايته والذي سيسلم رسميا الشؤون الادارية لرفيق دربه السابق بعد أيام من الآن.

سلام رد الصاع صاعين للجبهة
بإعتقادي فإن القصتين مؤثرتين. فعلي سلام الذي أقصته الجبهة دون تردد وطردته من كوادرها وصفها الاول بعد 20 عاما من العمل البلدي الميداني المكثف رد الصاع صاعين، وانتصر على من ذله في الجبهة ومس به في المؤتمر العام وفتح الباب في وجهه الى الخارج من خلال اتباع اجراءات تكتيكية من الدرجة الاولى، تمثلت بمحاولة بعض الأقوياء في الجبهة الدفع به لخوض الانتخابات الداخلية التزاما بالمسار الديمقراطي، وهم على دراية أنه سيخرج بنتيجتها مهزوما مهانا ما يفسح المجال للاطاحه  به قانونيا من واجهة القيادة وتصفيته سياسيا، باعتبار انه لن يحظى بغالبية الاصوات وقد كان ذلك انتقاما سياسيا.
المعضلة هنا ليست بتبني التصويت الديمقراطي، وهل نرفض الديمقراطية ؟! إنما هي الكيل بمكيالين . فعندما كان سلام في السابق ملائما للجبهة كان المكان الثاني مخصصا له من حديد حتى اكبر الطغاة كانوا سيسقطون في محاولة ازاحته عنه.  وعندما سألت المحنكين في الجبهة عن أزمة الجبهة وعلي سلام بعد أن أصبحت حديث الكبير والصغير في الناصرة أجابوا بالحرف الواحد، بأن الحزب والجبهة أكبر من أي رجل ينتمي سياسيا لهما مهما كان. الغريب في الأمر أن ذلك تم تطبيقه على علي سلام الذي اقترح نفسه دائما ودوما قبل انشقاقه في المكان الثاني خلف رامز جرايسي مؤكدا بقاءه تحت مظلة جرايسي دون تردد، بينما لم تطبق هذه القاعدة على جرايسي نفسه عندما طلب اعفاءه من مهمة قيادة الجبهة في المعركة الانتخابية الشرسة التي كانت تنتظره! جرايسي أُجبر على البقاء، وهذا يعني ان الحزب الشيوعي والجبهة تعاملا مع جرايسي على أنه أكبر منهما باعتباره بنظر الجبهويين طوق النجاة والقادر على حسم الانتخابات لصالح بقاء الجبهة في سدة الحكم المحلي، وبذلك وبموقفها هذا وتشبثها بجرايسي تسجل الجبهة تناقضا صارخا.

جنون العظمة في جبهة الناصرة
خلال اكثر من ثلاثة عقود كان السؤال السياسي الابرز في الناصرة عشية كل انتخابات تشهدها المدينة، من هو الجسم السياسي القادر على تحقيق الفوز على الجبهة ؟ . ممن يتسمون بجنون العظمة في جبهة الناصرة اجابوا ان "لا احد قادر على ازاحة الجبهة، أما الجبهويون العقلاء فأجابوا ان الجبهة قادرة على الحاق الهزيمة بنفسها ". اليوم وبعد اعلان النتائج الرسمية ندرك كم كان هؤلاء على حق بعد أن ارتكبت الجبهة خطأ استراتيجيا برفض علي سلام والتنكر له وعدم تقدير قوته التي لم تكن بفضله هو فحسب، إنما بفضل فئات في الناصرة تتطلع الى التغيير رأت في سلام مفتاح التغيير وبيضة الذهب التي فرطت بها الجبهة لتتلقاها فئات التغيير التي لهثت خلفه وحضنته بحبها له، بغض النظر إذا كانت هذه الفئات ذات مصلحة سياسية أو شخصية واذا كان هذا الحب مزيفا أم حقيقيا فقد بات واضحا للعيان ان الجبهة خسرت ذراعا شعبيا ترجمة لرغبة عمت بصيرتها. طبعا من الصعب على كل جبهوي المجاهرة بذلك ولكن بداخل الكوادر الحزبية يدركون ان خطأ جسيما قد إرتكب وقد وقع الفأس بالرأس وفات ميعاد التصحيح.
لقد عمل كثيرون من الجبهويين من أصحاب الرؤيا البعيدة الذين أخلصوا لعلي سلام حتى الدقيقة الاخيرة التي سبقت خروجه من الجبهة من اجل التوصل الى تسوية تبقيه مع الجبهة إلا أنهم لم ينجحوا. لقد ادركوا العواقب ولكن لم يكن في اليد حيلة فهم كانوا أبعد ما يكون عن مواقع اتخاذ القرار.

قصة رامز جرايسي
اما القصة الانسانية الثانية فهي قصة رامز جرايسي. رجل سياسي وإداري مخضرم لا يشوب عمله وسلوكه كرئيس بلدية شائبة، أخطأت قيادة الجبهة عندما أغلقت عليه على مدار سنوات طويلة مر خلالها بفترات عصيبة لم تكن في صالح ازدياد شعبيته كرئيس بلدية ليس بإرادته إنما بحكم الظروف، ومنها أدراج اسمه في قائمة الرؤساء المهددين في اسرائيل ما زاد من ابتعاده عن الشارع. لقد سألني أحدهم: "متى رأيت رامز جرايسي يسير مشيا على الأقدام في أحد شوارع الناصرة؟ وإذا كان ذلك فتجد أن برفقته تله من الرجال لحمايته" يقول لي هذا الشخص في محاولة منه لتأكيد "عدم شعبية جرايسي مقارنة بعلي سلام الذي كان يوميا بين الناس وفتح باب مكتبه لهم".
في نظر العديد من الجبهويين غامر جرايسي بسمعته السياسية لانه ذهب في اتجاه معاكس لأيديولوجية الجبهة والحزب الشيوعي عندما توجه مطالبا بأصوات الجنود وفتح نار النقد على نفسه وحزبه ودخل الى مرحلة لا يحسد عليها اعلاميا وسياسيا. يقول الجبهويون المستاؤون "حتى لو كان ذلك تكتيكا كما يقول جرايسي كان من المفروض التريث بهذا القرار وانتظار نتائج فرز اصوات محدودي الحركة " يقول عدد من الجبهويين المستائين والمعارضين لهذا القرار.
هنالك انطباع بأن الجبهة تصرفت بأنانية مع جرايسي الذي لا يستحق نهاية سياسية كهذه، ولم تحافظ على ما قدمه لها بعد عمل طويل امتد قرابة 35 عاما لأنها ارادت الرئاسة بكل ثمن ولا يهم كيف وعلى حساب من. جرايسي متعب جرايسي مرهق جرايسي مش عارف شو، المهم الرئاسة التي سيظفر بها جرايسي كرت الجبهة الرابح في 3 انتخابات سابقة. فالرئاسة أولا وقبل كل شيء حتى لو كان الثمن المخاطرة بحياة جرايسي السياسية ورصيده، ورغم كل ذلك فإن تسلسل الاحداث التي سبقت الاعلان عن ترشيح جرايسي مرة رابعة وما يحدث من مسار قضائي بعد فرز النتائج لا يبعده عن المسؤولية المباشرة لما حصل حتى لو انه تعرض للضغط والتدخلات الخارجية لخوض المنافسة الانتخابية مرة اخرى كما قال مرارا وتكرارا، لأنه بنظري يبقى صاحب القرار الاول والأخير هذا الى جانب كونه رئيسا لجبهة الناصرة وكان بمقدوره أن يقول لا وألا يقبل ان يكون قربانا. اعتقد ان وجع رامز جرايسي مضاعف. فالأول وجع خسارته بعد سنوات حافلة والثاني وجع خسارته لرفيق دربه علي سلام الذي خرج مطرودا وعاد منتصرا الى البلدية في مشهد يدخل التاريخ السياسي المحلي.

لا حاجة لان تكون محاميا أو طبيبا او مهندسا
لقد اثبتت نتائج انتخابات بلدية الناصرة بشكل قاطع ان لا حاجة لان تكون محاميا أو طبيبا او مهندسا أو مربيا أو حتى نجما برلمانيا لامعا لتفوز بالرئاسة، الى جانب عبر اخرى مختلفة تنصب بمجملها في كيفية تسخير العوامل الاجتماعية لمصلحة تحقيق النجاح السياسي. يسألني كثيرون بدهشة واستغراب عن نجاح علي سلام في الحصول على اكثر من 16 الف صوت، في الوقت الذي أغفلوا فيه قدرة سلام في هذه الانتخابات على استثمار الفراغ السياسي في الناصرة لصالحه مقدما نفسه للشارع النصراوي خلال أربعة أشهر من يوم تأسيسه لقائمته "ناصرتي" وحتى يوم الانتخابات على انه البديل الوحيد للجبهة وجرايسي.

المسؤولية السياسية والأدبية
لقد قالت جبهة الناصرة إنها تعتز وتفتخر بكل من منح صوته لها ولذلك ومن وجهة نظري عليها أن تكون بحجم المسؤولية السياسية والأدبية تجاه كل انصارها، وان تنظم بيتها من الداخل وتستخلص العبر من المنافسة الانتخابية الاخيرة وان تتعامل مع الوضعية الجديدة بكل مسؤولية وان تبارك لعلي سلام فوزه والا تتنكر للواقع الجديد وألا تقودها رغبات وأحقاد اشخاص ومصالحهم الضيقة، لأن مرحلتها الراهنة تقتضي خطابا مختلفا عن خطابها السابق لسببين، الأول خسارتها الرئاسة لاول مرة منذ عام 1976 والثاني لأنها على الارجح ستكون في المعارضة، وبين هذا وذاك عليها مراجعة حساباتها وإستراتيجيتها وعملها الميداني في القطاعات والاحياء المختلفة ومن يدري ربما تكون النتيجة التي تعرضت لها رافعة نحو النهوض بمشروعها الجبهوي المتجدد.
لا اوافق الرأي القائل بأن علي سلام حصل على شعبيته هذه بأربعة أشهر فقط، إنما هو جنى ثمار عمله في الجبهة على مدار عقدين اشغل فيهما لسنوات طويلة منصب نائب لرئيس البلدية وكان قائما بأعمال الرئيس، بمعنى انه انتظر هذه اللحظة طويلا وقد حصل على قوته من نواتين للأصوات، الأولى وهي النواة الطبيعية والمتمثلة بمؤيديه والثانية هي نواة مصوتي القائمة الموحدة والحركة الاسلامية في الناصرة (تراجعهما الكبير على مستوى التمثيل البلدي هو دليل على ذلك) والتجمع الذين صوتوا لسلام لتحقيق الانقلاب وكان ما كان.
علي سلام رئيس بلدية الناصرة المنتخب سيكون مراقبا من الجمهور الذي سيتابع بدقة اسلوب ادارته وسيحاسبه في انتخابات 2018، لأن نتائج انتخابات الناصرة في عام 2013 أثبتت أن كرسي الرئاسة من الآن فصاعدا لن يكون حكرا لأحد. وللحديث تتمة.
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة