الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 10:02

من أهم وأخطر ما يقال في حقيقة الوجود/ كميل فياض

كل العرب
نُشر: 19/10/13 10:08,  حُتلن: 11:23

كميل فياض في مقالته:

إنفصال الروح عن الجسم ليس مجرد انفصال كما يتم بين برتقالة وقشرتها مثلا فلو كان الموت كذلك لكان تجربة لذيدة حلوة بسيطة لا تحتاج الى ما يحتاجه الموت من تكاليف اخلاقية ومادية وعصبية وعاطفية فردية وجماعية كما هو معروف

الفضاء الذي هو العلة القائمة وراء كل ادراك على الاطلاق هذا الفضاء هو الوعي المذكور آنفا الذي يبحث عبرنا في كل شيء عقلا وحسًا ولا يمكن ان يكشف عنه العقل ولا الحس، الا كما يمكن للمرآة ان تكشف عن الضوء

هل يمكن للمرآة ان تكشف عن الضوء بنفسها فقط انه الضوء ذاته هو من يكشف عن نفسه وعن سواه به في كل الاحوال

وانا هنا ارمي الورقة الاخيرة، وهي بمثابة قص البستونة ازاء كل ما قيل في الموضوع ، من كتابات صوفية وغنوصية ، وبكل مفهوم شئت وفي كل مستوى اردت .. لا مشكلة من اي نقطة نبدأ في هذا .. ليكن الموت لأنه نقطة نهاية لكل روح ، تماما كما باعتباره نقطة ولادة وبداية جديدة ، وكلاهما ( البداية والنهاية) من خلق الفكر الفردي والشخصي ، ولا واقع لهما ولا حقيقة خارج الفكر حيث لا بداية ولا نهاية للروح .. الموت بالمعنى الحرفي المختصر هو انفصال الروح عن الجسم ، لكن له انعكاسات كثيرة ذهنية عقائدية نفسية عاطفية وجدانية فيزيقية الخ . فانفصال الروح عن الجسم ليس مجرد انفصال ، كما يتم بين برتقالة وقشرتها مثلا ، فلو كان الموت كذلك لكان تجربة لذيدة حلوة بسيطة ، لا تحتاج الى ما يحتاجه الموت من تكاليف اخلاقية ومادية وعصبية وعاطفية فردية وجماعية كما هو معروف . بالرغم اننا نكون المأكولون في حالة البرتقالة . فلا ادري ان كانت تعاني هي وجماعتها من برتقال ابان التقشير والاكل ، ما يعانيه الانسان ابان الموت .

كشف الضوء
لكن كل ذلك يحدث داخل وعي واحد في نهاية الامر ، وعي غير مشروط بشيء ، فهو سبب لذاته ، ولا يحتاج في وجوده لسبب خارج عنه ، ولكونه سبب وجود لذاته فهو سبب وجود لكل شيء يحتاج الى سبب من غيره ليوجد . فلا يوجد شيء يمكن ان يُدرَك من خارج الوعي ، وبأي شيء سيُدرك ..؟ باي شيء سيتم ، لا يتم الا داخل الوعي نفسه .. نحن عادة وبغض النظر عن مستوى وعن طبيعة علاقتنا بالاشياء والافكار ، لا ننتبه لهذا الامر ، ومن راعي الماشية الى الخبير العالم في مختبره .. ذلك ان الموضوعات التي يبحث فيها الانسان عموما ، هي موضوعات ملموسة ، قابلة للاتصاف والتحديد ، وبغض النظر عن صحة التعامل معها او عدم صحته . نحن نشاهد الموضوعات – سواء عبر العين المجردة ، او عبر تلسكوب او مايكرسكوب – دون ان نعطي اهمية لمسار الادراك ولمصدر الادراك . دون عناية واهتمام ووعي بالفضاء الذي هو المسافة بين الشاهد والمشهود ، ودون اهتمام بالضوء الذي يملأ تلك المسافة و يمكّن من المشاهدة . لكن ماذا مع الخلفية القائمة وراء الفضاء الحسي ووراء الضوء الحسي ايضًا، هذه الخلفية التي هي فضاء هو ذاته ضوء في آن واحد . الفضاء الذي هو العلة القائمة وراء كل ادراك على الاطلاق .. هذا الفضاء هو الوعي المذكور آنفا ، الذي يبحث عبرنا في كل شيء عقلا وحسًا ،ولا يمكن ان يكشف عنه العقل ولا الحس، الا كما يمكن للمرآة ان تكشف عن الضوء . وهل يمكن للمرآة ان تكشف عن الضوء بنفسها فقط .!؟ انه الضوء ذاته هو من يكشف عن نفسه وعن سواه به في كل الاحوال .


الفاصل الوهمي هو الفكر المميز المصنف والمحدد
الوعي المقصود هنا ليس وعيا شخصيا تابعا لشخص دون شخص ولكائن دون كائن .. انه مُكنة حيادية مطلقة كالبحر بالنسبة لكل ما فيه من كائنات ، وكالفضاء. الوعي الذي يبحث عن كل شيء باشياء ووسائط وادوات في البشر ، لا يمكن ان يكشف عن نفسه الا بنفسه مباشرة خارج كل صفة بشرية ، وذلك يمكن في حالة من التأمل الذي يصل بالفكر الى نقطة الصفر والانعدام .
عموما وفي كل الحالات ، كل ما يحدث ويمكن ان يحدث ، لا يمكن ان يتم خارج الوعي ، فاذا حدث شيء خارج الوعي – افتراضا – فان هذا الافتراض نفسه اولا يتم بالوعي وداخل الوعي ، ثانيًا لو جاء من خارج ، فهل سيتخذ صفة لا واعية الا بوعي من الوعي ..؟!  تماما الامر نفسه ازاء الحجر غير الواعي لوجوده والانسان الناضج كلاهما داخل وجود واحد ، او انسان نائم وآخر يقظ . فهل يمكننا اعتبار الحجر خارج الوجود بسبب عدم وعيه بوجوده ؟ لكننا نتحدث عنه نصفه نستعمله كل ذلك يؤكد وجوده ، ويؤكده بوعينا وداخل وعينا . كذلك اي كائن نؤمن به ونبني منه حياة آمنة وسعيدة. ان تأمل الوعي لذاته وتأمل الوعي للاشياء ، دون ان يتدخل الفكر ليشرح لنا ما لا يراه الا بالوعي عمليا لأن الفكر اعمى يدعي ما لا يراه وهو يرى بغيره . كالقمر الذي يضيء بنور الشمس لا بنفسه .
في هذه الحالة نكتشف ان لا فاصل بيننا وبين العالم ، بيننا وبين الطبيعة ، بيننا وبين البشرية . الفاصل الوهمي هو الفكر المميز المصنف والمحدد .

الخالق ينشأ مع خلقه داخل الوعي :
لو افترضنا خالقا للوعي وللاشياء – سواء كان خلقه من عدم ، او من شيء ، اوعن طريق مسار بشيء – فهل تقرر ويتقرر كل ذلك قبل الخلق ام بعد الخلق ..؟ طبعا بعد الخلق وبالوعي وداخله ، لأنه لم يكن احد قبل الخلق ليشهد عملية الخلق . فاذا جاء ملاك او رسول او نبي وشرح لنا قصته عن الخلق والخالق ، هل يستطيع نقل ذلك لنا الا بادوات ومفاهيم متجانسة وادوات فهمنا وادراكنا ، وهل يتلقى بدوره الصوت او الايحاء ، دون عبور في وعيه هو كمتلقي ؟ من هنا صُوِّر ويصور الخالق على مثالنا كبشر وليس العكس كما اعُتقِدَ واشيع . فلا فكرة ولا تصور ولا شكل ، يمكن ان يتم الا داخل فضاء لا شكلي من الوعي ، وفكرة الله وتصوره باي شكل من الاشكال وبأية صفة ، يتكون داخل الوعي اللاشكلي واللامحدود ، والا لو كان فضاء الوعي قالب محدد بصفات واشكال ،او قوالب عديدة ، لجاء كل شيء وفقا لهذه القوالب والصفات والاشكال، ولكان محدودا ومقيدا .. لكن الوعي غير محدود ولذلك ليس له شكل ولا صفة .. ولو جاء خالق ليخلق سيخلق وتتم عملية خلقه داخل الوعي كفضاء مطلق لا يخرج عنه شيء .. فالسقف الاخير لكل شيء هو الوعي .. الفرح والحزن والغضب والشهوة والتفكير والتصور والتأمل والاثبات والنفي والجهل والكفر والايمان والعلم والوعي واللاوعي ، كل ذلك لا يخرج عن الوعي .. فاذا كان الله شخصا قبل خلق الاشخاص كان لا بد ان يكون المخلوق – سواء فرد واحد او ما لايحصى – متطابقين تمام التطابق مع الخالق كنسخة او نسخات اخرى عنه ، ولما كان هذا التنوع في الكائنات كما هو قائم . اما فكرة العدم فهي فكرة خرافية تتناقض مع العقل تماما .. ولو افترضنا وجود عدم لكان العدم وجود .. فنور الوعي في كل الاحوال لا يستطيع ان يرى شيء الا ويوجده – سواء بمنطق عقلي او لاعقلي – لكن ايضا لو افترضنا قيام فترة لم يكن فيها شيئا ، هل معنى ذلك ان المُوجد كان نائما او عاجزا او ساهيا عن الايجاد ، ثم تغير الحال عليه فأوجد ما اوجد ؟! اوليس ذلك مما يجافي – ان لم نقل يناقض – فكرة الكمال المطلق لله .. ؟! ليس من الاليق بجلال الله الا يكون هو الخالق المباشر للخلق ، انطلاقا من كماله وجلاله ..؟! وهل الكامل يحتاج الى الناقص ليكمل به ذاته .؟ بل ان ما يناسب الكمال المطلق الا يكون قد خلق شيئا ، لانه مكتف بذاته ،اما وقد جاء الخلق فذلك فيض من فيض في فيض غير مبرمج مسبقا ، بل هو عفوي كفيض الشمس التي لا تدري عن فيضها ولا ترى شيء منه لأن قلبها هو مركز ومحور نشاطها . وكما لا يوجد بالنسبة للشمس ليل ونهار ، بل ذلك بالنسبة لنا فقط كحواس وافكار . كذلك بالنسبة لله كوعي محض مطلق لا يوجد خير ولا شر ، بل لا يوجد خليقة ، فالخليقة ظل لشيء صادر عنه عفوا . او كالشرار المتطاير من نار عظيمة .. او كالزبد فوق امواج فوق محيط ..

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة