الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 08:01

كميل فياض يكتب على منبر العرب:من قلب التجربة

كل العرب
نُشر: 15/10/13 14:52,  حُتلن: 14:59

قد أبدو في معظم ما أقوله غامضا .. مخالفا ومختلفا .. قد أبدو بعيدا عن الواقع .. مثاليا ، مجردا ومجرد فلسفيا .. فاطرح ما ليس له علاقة حقيقية وموضوعية لا بنفسي ولا بالواقع .. واقول: رغم إختلاف اللحظة التي اكتب فيها – احيانا كثيرة، عن اللحظة التي حصلت فيها الرؤية وتحقق الشعور وتمكن الإحساس – شفيفا خفيفا ، او قويا عميقا – فان الذي أطرحه ينزل على الورق او على اللوح الالكتروني ، صادقا بريئا .. ولذلك اعتبرني – بالمفهوم العلمي – جدلي ديالكتيكي - اي لا أتجاهل إشكاليات الواقع المرتبطة بوجودي ، ولا افشِّق عن الطبيعي والقسري منها بصورة نعائمية اعتباطية ، فأنا لا أسير وراء مثال تاريخي ولا أقلد أي نموذج، وسابقى مخلصا لأوجاعي الخاصة المختلفة، حتى لو لم تعجب أحد، وعلى قدر الإستجلاب من الغوص في الأعماق التي لا يصلها الفكر ولا الحواس، أحاول أن لا أترك تعبيرا مجردا تماما عن تلك الأعماق، التي عمليا لا تُقرأ بكلام ، فاقرنها واشفعها بِمَثلٍ وقياسٍ فكري وحسي وعاطفي من عالمنا المفتكر والمحسوس ، في محاولة لنقل وتوضيح مضمون التجربة ..

ومن مبدأ الصدق مع الذات اولا أقول: ولا بد من القول اننا عموما وجميعا في عالمنا هذا،  تسيطر علينا نزعات حسية عاطفية وغريزية، مهما حاولنا الافلات والانفصال والتحليق عاليا . نحن نجري بسيلان طبيعي للأغراض الحسية، كالماء في منحدر، وعندما نريد الإمتناع عن الأغراض، نقلب جرياننا عكس المنحدر، فيكون سعيًا بالقوة ، ولأن الأمر كذلك فقد إبتكر بعض العارفين والحكماء عبر تاريخ تلك التجربة الوجودية الجدلية – فهي ليست فلسفة كميل فياض، إذ أن مبدأ التجربة العرفانية التجاوزية جدليا هو مبدأ الوجود نفسه وليس مبدأ فكري شخصي، أقول في سبيل مواجهة اننا ننزع بالطبيعة شعوريا عاطفيا وغرائزيا الى اغراض الطبيعة من اكل وشرب وتزاوج ، مما يتعارض (كما يظهر) مع التجربة الروحية السليمة والعارفة.

إضافة الى الرؤية الإستنارية التي تجعل صاحبها يميّز تمييزا صادقا بين ذاته الجوهرية التي لا تمت الى العالم المادي بصلة، وحيث لا سُلطة عليه من هذا العالم، مهما بدى في الظاهر عكس ذلك، إضافة الى ذلك، إبتكر بعض المجتهدين المستنيرين الشرقيين القدامى، طرقا وتقنيات تساعد في الإنسجام مع الذات ، دون معاناة الشعور بالتناقض والتصادم مع الجسد ومع الحياة الواقعية الملموسة " كالتنترا " وهي طريقة للتواصل الجنسي الطبيعي بصورة منسجمة مع التجربة الروحية الأعمق، وبهذا يتم تلافي الشعور بالغربة عن الروح وعن الجسد في آن، ولا اقول تلافي الشعور بالذنب والخطيئة ، اذ لا خطيئة اشد من الغربة عن الذات والجهل بالذات وبالواقع الجنسي الخال طبيعيا من الانا .. والفعل الطبيعي هو فعل طبيعي ، ولا يصيّره امرا آخرا ، اي امر آخر .. حين ننظر بتجرد وعمق من الداخل الى علاقة الروح بالجسد ، نرى توافقا وانسجاما (رهيبا) وفقط عند الخروج من ذاتنا وعند التقائنا بالناس وبقوانينهم السماوية والارضية ،تطلع الهواجس والافكار والمشاعر، وهي حاملة اوجه واحتمالات شتى ، معظمها ينطوي على التصادم مع الواقع، وانا هنا لا أريد معالجة نشوء المفاهيم الدينية التغريبية الترهيبية التي تعود الى مصادر محض إجتماعية بشرية ولا علاقة لها بالسماء، كي لا أخلط بين موضوعين الواحد منهما يحتاج الى أكثر من مقال ، أريد الحديث هنا حصريا عن ضرورة الإنسجام مع الحياة الجسدية الطبيعية، ومن منطلق روحي تجاوزي بالذات، إذ أن هذا المنطلق يضمن لنا ضياعًا أكثر إخلاصًا معه لأنفسنا وللواقع في صلب تيار الحياة، الذي لا يترك شيء لا يأخذه معه، سواء كان صلبا او رخوا، ثقيلا او خفيفا، دينيا او فلسفيا ، نعم الإنسجام مع الجسد ومع مطالبه الطبيعية - في حدود المعقول والصحي طبعا – يخدم العيش في الله كمصدر للحياة، بصورة سليمة أكثر بكثير من التمترس عبثا ضد أجسادنا وضد طبيعتنا .. مع العلم أن التمترس الديني الإعتقادي ضد الجسد يُتنج العكس من تفكير وسلوك .. وهاك قصة تفسر الأمر: كان طالبا روحيا مبتدئا يلح على معلمه دائما ان يعطيه تقنية للسيطرة على فكره وعلى حواسه ، ولأن المعلم يعرف مدى عبثية هذا الطلب ، فقد اعطاه تقنية يجربها وهو عارف مسبقا فشلها .. قال المعلم للطالب حسن : لا تفكر بالقرود، مسموح لك التفكير بكل شيء عدا القرود، ترك الطالب معلمه وهو مسرور بهذه الطريقة .. لكنه انتبه الى انه اخذ يفكر بالذات بالقرود في نفس اللحظة التي طلب اليه المعلم عدم ذلك، في طريقه الى البيت وفي طريقه الى السوق والى المعبد وفي المعبد وفي الحمام وفي غرفة النوم وفي كل مكان ، اصبح لا يرى سوى قرود، ثم فهم وحده انه اذا كان تحدي امر كهذا غير قسري طبيعيا يأتي بنتيجة عكسية، فكيف تجاه ما هو طبيعي ومغروز فينا بالطبيعة ؟!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة