الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 13:01

الثقافة كحالة حب/ قلم: جودت عيد عبر منبر العرب

كل العرب
نُشر: 12/09/13 07:57,  حُتلن: 09:01

جودت عيد في مقاله :

عدد البرامج الثقافية أحيانا يحول دون إمكانية المشاركة في جميعها واضطر مرغما أن اختار بعض البرامج

دعيت لحضور مسرحية "يوم من زماننا" لمركز "كان يا ما كان" الثقافي المسرحية تأليف سعد الله ونوس وقد شدَّني الأمر

أبتعد عن المبالغة واللاموضوعية فأجدني أمام واقع فرض ذاته من خلال أداء مثير للغاية لمجموعة شبابية حيث قامت بأداء مشاهد مختلفة لينقلوا النص إلى صورة ستبقى في أذهاننا لفترة غير وجيزة 

على العرض الفني الثقافي أن يمنحك المتعة والاندهاش إضافة إلى مركبات عديدة على صعيد الأداء والمهارة والرسالة والمضمون وما إلى ذلك كما الأدب الجيد الذي يحملك بسحر خاص إلى عوالم ذاتية تحلق من خلالها إلى أينما تشاء

كم هو لافت ذلك الكَمّ الكبير من الأعمال على الساحة الفنية الثقافية، فليس الوضع بهذا السوء كما يدّعي البعض لأسباب انتخابية سياسية، انه يوجد أزمة ثقافية؟! أي نعم هناك مشكلة، نتاج تنشئة اجتماعية محدودة لاستهلاك الثقافة، إضافة إلى أسباب تعود إلى شح في الميزانيات والإمكانيات التي تسير جنبا إلى جنب مع سياسة متبعة تجاهنا كأقلية. لكن بالرغم من هذه الوضعية فإن عدد البرامج الثقافية أحيانا يحول دون إمكانية المشاركة في جميعها واضطر مرغما أن اختار بعض البرامج وأحيانا تكون اختياراتي صائبة وأحيانا اقل، ولكن في كل مرة أجد نفسي أما قدرات جميلة وواعدة ترقى بالإنسان وقدرته على الإبداع، بتفاوت طبعا.

كنت قد دعيت لحضور مسرحية "يوم من زماننا" لمركز "كان يا ما كان" الثقافي، المسرحية تأليف سعد الله ونوس... وقد شدَّني الأمر، على الرغم من انه لم تكن لدي توقعات بتاتا ولم يشغل بالي نوعية العرض، غير أنني وجدت نفسي ألبي الدعوة وفي قلبي فرح كبير لم أفهمه إلا بعد انتهاء العرض. كان ذلك العمل المسرحي الرابع لمركز "كان يا ما كان"، على خشبة مسرح مركز محمود درويش الثقافي البلدي في الناصرة، لم تتركب الفرقة من ممثلين محترفين لكن كانت لديهم مهمة تثير الانطباع من اجل انجاز عمل راق ومتميز.

موهبة وقدرات
أبتعد عن المبالغة واللاموضوعية فأجدني أمام واقع فرض ذاته من خلال أداء مثير للغاية لمجموعة شبابية، يوسف، نزار، قصي، كلودين، أسيل، ميرنا، ميلانية، حسين وفراس، حيث قامت بأداء مشاهد مختلفة لينقلوا النص إلى صورة ستبقى في أذهاننا لفترة غير وجيزة بالرغم من الهفوات اللغوية (لصعوبة النص)، لقد استطاع الممثلون والممثلات والفنيّون أن يشركوننا بالتجربة المسرحية وأن يجعلوا منا كجمهور نتفاعل مع الشخصيات، نتعاطف معها ونرفضها ونتضامن معها... من خلال قدرتهم على التمثيل والحركة والانتقال بدرجات الصوت والانتقال بين الشخصيات بشكل حرّ ومستقل وكامل، على الرغم من صغر سنهم وتجربتهم... أظهروا عرضا يعتمد الموهبة أساسا ويثبت مدى القدرات الموجودة في مجتمعنا والتي تستطيع أن تلعب دورا في إنتاج عمل يدوَّن في سجل ثقافي لحراك لا يتلقى أي دعم يذكر من المؤسسة الثقافية والعامة حتى الآن، ومن هنا فإن الثقافة والحراك الثقافي الاجتماعي يعتمد الإنسان في النهاية الذي يستطيع فرض حضوره، رغم الصعوبات، من خلال فنّه وإبداعه، بإصرار وإيمان كبيرين.

سحر خاص
على العرض الفني الثقافي أن يمنحك المتعة والاندهاش إضافة إلى مركبات عديدة على صعيد الأداء والمهارة والرسالة والمضمون وما إلى ذلك، كما الأدب الجيد الذي يحملك بسحر خاص إلى عوالم ذاتية تحلق من خلالها إلى أينما تشاء وكيفما تشاء دون رقيب، ومن خلال انسجامك هذا ينقل لك خبرا أو فكرة أو رسالة أو إحساس بالراحة والمتعة أو أي إحساس آخر يزاوله تفكيرك وجسدك في حالة ميتافيزيقية خاصة بوضعك الآني، فمن إحدى وظائف الفن أن يشدّك ويتركك مع طعم متميّز يحاكي نفسك وفكرك وصيرورتك، يتركك مع تجربة ناجحة، ايجابية وموفقة مع الذات أساسا ويطور لديك الرغبة في ممارسة النشاط الثقافي كجزء من عملية تنشئة التي تحفَّز ايجابيا من خلال فنّ راقٍ ويصلك بطريقة سلسة ناجحة. لقد نجحت هذه المجوعة في هذا العرض من رفعنا إلى مستوى العمل وإشراكنا بكل مجريات النص حتى درجة الانسجام مع الأحداث... من خلال موهبة وعمل جاد وتدريبات مكثفة كمركبات مهمة في البنية الثقافية، إضافة إلى الجهد باختيار الموسيقى وتنسيق الإضاءة والديكور التي عملت بانسجام مطلق وبتواصل لافت للانتباه مع بعضها ومع المدرب الفنان عاصم زعبي وأعضاء الهيئة وجميع من حضّر للعمل...

الحب غير المشروط
في تلك اللحظة وعندما شهدت هذه الحالة، أدركت ذلك العامل الذي دفعني إلى تلك الأمسية وهو العامل الموجود لدى أعضاء هذه الفرقة والذي يشكل جزءًا من "سياسة" المكان وطريقة عمله المثيرة وهو عامل الحب غير المشروط، الذي ينعكس بعطاء دون حدود في جو دافئ يوفّره المكان، قبل الأمور الماديّة أو التنظيميّة التي تأتي لتعطي صبغة مهنيّة للعمل. كما يبدو فإن "الحب" هو أحد العناصر الهامّة في المنحى الثقافي، وهو الذي يدفع العجلة نحو عمل متميّز يعكس شغف الشباب من خلال أدائهم ويعكس ما يعنيه المسرح والمكان الذي نسجوا على منبره أحلامهم ومشاعرهم وبكاءهم وتطلعاتهم ووفّر لهم بيتا ومساحة للتواصل والإبداع، وللتَّطهير - "كتارزيس" وللانسجام مع كل التنوع بين الأفراد والتنوع الداخلي للفرد ليولد عملا مفعما بالحب.

العمل الثقافي والحب
من هنا أريد، من خلال هذه التجربة، أن أضيف ذلك المركب الذي يجب أن يتوفر كأحد أسرار نجاح العمل الثقافي وهو الحب الذي انعكس من خلال هذه المجموعة اليانعة التي بذلت جهدا بكل حب وسيستمر بعضهم في المعاهد الأكاديمية منطلقين من هذا المكان ويحملون بجعبتهم حصة كبيرة من الانتماء والعمل المتميز المنبلج من عمق التجربة الإنسانية في مساحة خاصة بنوها بتلقائية الزهر وعفوية الجداول، بنوها بانسجام طبيعي غير معقد بعيد عن التصنّع وخارج من صميم تجربة ذاتية معطاءة. هنيئا لتلك المجموعة وهنيئا لنا بأولاء الذين يصنعون الثقافة من منظار آخر يرتفع عن المادية ويعتمد العطاء والفن والإبداع من اجل الفن وفوق الكل الحب!

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة