الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 10:01

ما بعد الانقلاب/بقلم: محمود صالح عودة

كل العرب
نُشر: 04/07/13 18:08,  حُتلن: 08:53

محمود صالح عودة في مقاله:

بعد إنتخاب الرئيس محمّد مرسي رئيسًا للجمهوريّة بدأ المعارضون الخاسرون سعيهم لإسقاطه من خلال عدّة مليونيّات دعوا إليها فلم تستجب لهم إلّا قلّة من الشعب

بعد الإحتجاجات المتتالية، وأعمال العنف والبلطجة والتشويه الإعلامي وتوحّد قوى المعارضة مع النظام السابق وضخّ الأموال وتحريض بعض الكنائس المصريّة إستطاع كلّ أولئك حشد الجماهير ضدّ الرئيس المنتخب بعد عام

فورًا بعد الإنقلاب أغلق العسكر القنوات الإسلاميّة واعتقل طواقمها ومنع القنوات الأخرى من البث من أماكن إعتصام الإسلاميّين والأحرار

الأيّام المقبلة لن تكون هادئة أبدًا في مصر بتقديري فهناك إحتمالات كبيرة لإستمرار العنف المسلّح الذي بدأ ليلة إعلان الإنقلاب العسكريّ إلى جانب تظاهرات إسلاميّة وطنيّة خالصة دعمًا للحريّة والشرعيّة

التحريض اللّا-نهائي على التيّار الإسلاميّ وقتل أتباعه وسحلهم وإحراق وتفجير مقرّاتهم والإنقلابات المتتاليّة على خيارات الشعوب الحرّة التي تأتي بالإسلاميّين تزيد من شعور المسلمين عامّة بأنّهم هم المستهدفون ودينهم المستهدف وليست أحزابهم أو حركاتهم فقط

لم يكن مخطط الإنقلاب الذي تمّ مساء الأربعاء 3.7.2013 وليد اللحظة، فمنذ أن قامت الثورة المصريّة وهناك من يتربّص بها من الداخل والخارج. الداخل تمثّل في بقايا نظام حسني مبارك، إلى جانب بعض النخب العلمانيّة والمؤسّسات الدينيّة الفاسدة. أمّا من الخارج فكانت إسرائيل وأمريكا الأكثر قلقًا، نظرًا لوضع مصر الجيو-إستراتيجي وأهميّتها في العالم العربي.
حاول المجلس الأعلى للقوات المسلّحة الذي تولّى السلطة بعد مبارك الإلتفاف حول الإرادة الشعبيّة بعد كلّ إستحقاق إنتخابيّ، وأطال مدّته في الحكم، وشهد المشير طنطاوي لصالح مبارك في محاكمته التي تمّت آنئذك.

إنتخاب مرسي وإسقاطه
وبعد إنتخاب الرئيس محمّد مرسي رئيسًا للجمهوريّة، بدأ المعارضون الخاسرون سعيهم لإسقاطه، من خلال عدّة مليونيّات دعوا إليها، فلم تستجب لهم إلّا قلّة من الشعب. إلّا أنّه بعد الإحتجاجات المتتالية، وأعمال العنف والبلطجة، والتشويه الإعلامي، وتوحّد قوى المعارضة مع النظام السابق وضخّ الأموال، وتحريض بعض الكنائس المصريّة، إستطاع كلّ أولئك حشد الجماهير ضدّ الرئيس المنتخب بعد عام. لم تحتشد المعارضة وحدها، فقد خرج أنصار الرئيس مرسي والشرعيّة في معظم أنحاء مصر كذلك، بأعداد لا تقلّ عن أعداد المعارضين، إن لم تكن أكثر منها. فبعض الصور الهوائية التي التقطت ونشرت على أنّها كانت للمعارضة كانت على أرض الواقع للموالاة، تحديدًا في محيط مسجد رابعة العدويّة. فورًا بعد الإنقلاب أغلق العسكر القنوات الإسلاميّة واعتقل طواقمها ومنع القنوات الأخرى من البث من أماكن إعتصام الإسلاميّين والأحرار. كما اعتقل قيادات في جماعة الإخوان المسلمين ومسؤولين في الدولة منهم رئيس الوزراء هشام قنديل.

أعمال عنف
لم تخلُ الساحة من العنف فقد تمّ قتل أكثر من 40 من أنصار الرئيس خلال أسبوع وجرح المئات، وتمّ تفجير وحرق مقرّات الأحزاب الإسلاميّة، تحت صمت قوّات الشرطة وبمساعدتها أحيانًا. كما لم يخلُ ميدان التحرير الذي ضمّ المعارضة من الإغتصابات الجماعيّة، وقد ذكرت "قوّة ضدّ التحرّش" إنه حتى الساعة 1.30 صباحًا من ليلة 4 يوليو حصلت على 68 بلاغ إعتداء جنسيّ و"على الأقلّ" حالة إغتصاب واحدة.
لم يكن الحشد المعارض بريئًا ولا التوقيت، فمهلة القائد العام للقوّات المسلّحة عبد الفتاح السيسي للفرقاء السياسيّين كانت مخطّطة ومدروسة، وتمّ التوافق عليها مع معظم المعارضين للرئيس محمّد مرسي، فقد جاء الإنقلاب العسكريّ بعد أن وافق الجميع على الخطّة، وتمّ إخراج مرسي من المشهد ورفضت المعارضة الجلوس معه كما كانت ترفض قبلها.

إنقلاب مصر
لقد أثبت الإنقلاب في مصر عدّة نقاط، أهمّها: 1) ما زالت هناك إمكانيّة لإنقلاب عسكريّ حتى بعد الثورات، ولو لفترة محدودة. 2) إنّ الإستقطاب الإسلاميّ – العلمانيّ جعل الجهة الأخيرة تخوض في أسفل مستنقعات العداوة، والتضليل، والكذب، حتى تحالفت مع النظام السابق، وأعداء الخارج، واستدعت العسكر للقضاء على الحكم الإسلاميّ، لأنّه بدأ يثبت كذب روايتها التاريخيّة بأنّ الدّين لا يختلط مع السياسة، لا سيّما وأنّ بوادر نجاح المشروع الإسلاميّ بدأت تظهر بقوّة. 3) الدور الأمريكيّ ومن ورائه الإسرائيليّ كان المحرّك الأساسيّ للإنقلاب، فقد بدأ مرسي بتجميد العلاقات مع إسرائيل وأذلّها في موقفه من حرب غزّة الذي عزّز من موقف الفلسطينيّين، ورفض دعوة أوباما للتنحّي قبل إعلان الإنقلاب بساعات معدودة.

إشعال فتيل الحرب الأهلية
لقد إنقلب العسكر التركي المدعوم من الغرب 4 مرّات على خيارات الشعب، وقد قام الجيش الجزائري بإنقلاب على الإسلاميّين بعد أن فازوا في الإنتخابات وتسبّب حينها بإشعال فتيل الحرب الأهليّة، وقد رفض العالم الإنتخبات الفلسطينيّة عام 2006 لأنّ حماس فازت فيها، وفي عام 2002 حاول السي آي إيه الإنقلاب على هوغو تشافيز مع خروج كميّات كبيرة من الشعب ضده لأنّه لم ينبطح للغرب. في كلّ هذه الحالات كانت حالة شعبيّة معارضة بشكل أو بآخر، كما كانت هناك إنتخابات ديمقراطيّة نزيهة بإرادة شعبيّة حرّة، فاز فيها وطنيّون بإمتياز يملكون قرارهم ولا ينبطحون للغرب، وهو ما جعل أمريكا بالدرجة الأولى تسعى لإسقاط المشروع الوطنيّ والإسلاميّ في معظم الأمثلة السابقة مع عملاء الداخل في كلّ منهم، وهو تمامًا ما حدث في مصر.

إستمرار العنف المسلح
الأيّام المقبلة لن تكون هادئة أبدًا في مصر بتقديري، فهناك إحتمالات كبيرة لإستمرار العنف المسلّح الذي بدأ ليلة إعلان الإنقلاب العسكريّ، إلى جانب تظاهرات إسلاميّة وطنيّة خالصة دعمًا للحريّة والشرعيّة. إنّ التحريض اللّا-نهائي على التيّار الإسلاميّ، وقتل أتباعه وسحلهم، وإحراق وتفجير مقرّاتهم، والإنقلابات المتتاليّة على خيارات الشعوب الحرّة التي تأتي بالإسلاميّين، تزيد من شعور المسلمين عامّة بأنّهم هم المستهدفون، ودينهم المستهدف، وليست أحزابهم أو حركاتهم فقط.
بالتالي فإنّ ردّ الفعل الطبيعيّ هو الدفاع عن النفس، وحريّة الرأي، والمعتقد، والحفاظ على الحقوق والكرامة الإنسانيّة، والعدالة التي ما إن نلحق أن نستمتع بها حتى تُسلب منّا من جديد، لكنّها لن تطول حتى تعود بإذن الله، ولا يلومنّ الظالمون يومئذٍ إلّا أنفسهم.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (يوسف: 21).

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة