الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 08 / مايو 03:02

أهل الحكاية/ بقلم: وحيد عياشي

كل العرب
نُشر: 12/06/13 13:53,  حُتلن: 08:00

وحيد عياشي في مقاله:

ينتشي المزاج العام الملقى على عاتق الصّبا والتفكّر كأنه مدخنة تعلو سقف مقهي تفوح منها رائحة التفاح الممزوج بنكهة العسل

تفاصيل الحكاية الغريبة نوعا ما والقديمة بعض الشيء والتي خلت نفسي ملما بقدر عمقها ونسق روحها جاوزت حد صداها المطلوب عند قلبها على وجهها ومحاولة ممارستها من جديد من قبل اناس انقطعوا كثيرا وراحوا بعيدا عن وتيرة النسق العام لسردها

التيه المشوب بالفوضى يجعل من الصدفة سيدة الموقف وحاكمة الزمان ويكون في هذا السياق حيز للمرايا المقعّرة وللصور البعيدة عن شاكلتها في المسطح الصافي للماء العذب قليل العمق

في الوقت الآني والجاري وثبا والمخصوص قطعا للنوازع الفردية المدوّنة بالتحديد بعد انتهاء عهد السيد المسيح بأكثر من تضحية وصليب ماثل للعيان ، يتوقف المكان ، حد النفس الأخير من زحمة القصائد المغناة مآثر بطولات واقفة كالقصب الممتدة على مدى النظر.

وينتشي المزاج العام الملقى على عاتق الصّبا والتفكّر ، كأنه مدخنة تعلو سقف مقهي تفوح منها رائحة التفاح الممزوج بنكهة العسل ، وتنفلق دوائر الدهر مكابس حيرة في الجمود المصفح داخل الرؤوس الخشبية التي ينخرها وهن ويسكنها عّث . ان الطقس السائدة في الاجواء سميك وبليد فهو اقرب الى الجحيم منه الى الجنة من ثقل شمس الصيف التي لا تكترث ، لأجساد المستجمين الملقاة بعفوية على رمال الشواطئ المكشوفة لعيون المارّة والمتطفلين ، ولا تبالي لفداحة الروح المعنوية في عراك الاطفال التي لا تختلف كثيرا عن مزاجية ممارسة الكبار لعبة الحروب الخاطفة ، فهي مكدسة توترات اعصاب ومشحونة طلقات طيش ما ان تكاد تبدأ لتنتهي سريعا كومضة برق . ان تفاصيل الحكاية الغريبة نوعا ما والقديمة بعض الشيء والتي خلت نفسي ملما بقدر عمقها ونسق روحها جاوزت حد صداها المطلوب عند قلبها على وجهها ومحاولة ممارستها من جديد من قبل اناس انقطعوا كثيرا وراحوا بعيدا عن وتيرة النسق العام لسردها ، ولأن لكل حكاية اهل فأهل الحكاية هنا أشبه ، بقطع وجه مكسور في شظايا مرآة تعيد ذات المنظر وترده على أصاحبه ، وأقرب الى صورة حلم مجسد في عمر فراشة في فصل الربيع .

فرص
انك لا تعرف عنهم سوى انهم أناس عاديون كمعظم الناس يتبعون عادات ويتصفون بشيم فقط يؤخذ عليهم انهم ينامون بمعزل من النساء لذلك لا ينجبون الكثير من الاطفال ولأنهم يؤمنون بالقدر يتركون الامر لجبروته وبيد سادة قومهم الذين يعلمون أدق تفاصيل المخارج والمداخل لنوافذ جدوى الوجود بكافة أشكاله ويدركون فحوى محتوى الأوراق المذهّبة في الحقائب الجلدية الثمينة لخبايا عشيقات الهوى في ارض الطمي والوحل. لأجل هذا ، اضافة الى التوافق المتطابق مع طبعهم القانع طوعا بالقليل والقليل فتجد علمهم يتسع ويقتصر فقط على مساحات ادوارهم المحددة مسبقا والمفروغ منها اصلا ، وليس في المطلوب بالأخير ان يعلموا عرضا ، ترديد خواتيم القوافي أو كل ما تمليه عليهم في الامسيات اطلالة عابرة لمذيعة تلفزيونية مشغولة بالمعجبين واحمر الشفاه. ولأن للظروف في الغالب أحكام ومرابط لا بد وأن يحملوا شيئا ما ولو باليسير للمستقبل لأنه لا ضامن لاستمرارية سيولة مياه النبع في الجداول ولا ضمانة أكيدة لوصول حمولة السفن التجارية أرض الموانئ. لكن بالمجمل سيأتون على صفحة الكثبان الرملية التي تبدوا شامخة كالجبال من بعيد وتسد الفضاء بعرضها وطولها وما هي سوى حبيبات معدنية غير متماسكة تتطاير كلما شاءت مزاجية الرياح نثرها ونشرها الى كل الاماكن المتاحة علوا وانخفاضا اماما ووراء ، وستتسنى لهم يوما فرصة رؤية الخيل الجامحة الفتية صاحبة المزاج العكر التي لا يمتطيها الا الفارس المغامر العارف بمرابط ضعفها والملّم بضوابط شدها فيحميها وتعفيه من هم الجري عبثا وراء الفوز بكأس سباق محموم ونيل جائزة مشتّهاة ، ومن غير المستحيل ان يطلقوا لخيالاتهم عنان البت ايضا بالأسباب الجدية وراء غيرة أحبار اليهود الجارحة شخص الملك سليمان من مستوى الاعجاب الذي وقع في قلب بلقيس ملكة سبأ بعيدا عن مسألة الحكمة الالهية والهدهد المعجزة ، وأن الاضافة القليلة من عطر نبتة الريحان في كوب شاي ساخن تجعل له نكهة ملوكية ساحرة في فم الذواقين المترفين هذا اذا استمالوا اول رشفة من الطعم . ما العمل اذن عندما لا يسوق الهوى على السوى ولا تخفق ألأجنحة في السّرب الواحد في نفس الوتيرة ؟

المشكلة
بالطبع بدءا ستكون النتيجة فوضى متراصة للأفكار المتواردة صوب المساحة المرهونة لتسجيل المواقف والنقاط في المدى المتردي لفسحة التعبير الضيقة ، ثم سيبدو الوضع كتبصّر أعمى لمسافر اتكئ على مقعد قديم في محطة نائية بانتظار قطار لن يمر فيها بالموعد المحدد. هنا تقبع المشكلة لان هذا التيه المشوب بالفوضى يجعل من الصدفة سيدة الموقف وحاكمة الزمان ويكون في هذا السياق حيز للمرايا المقعّرة وللصور البعيدة عن شاكلتها في المسطح الصافي للماء العذب قليل العمق. فالشاهد المتيقظ لحملقة الرياح في قمة جبل تعلوه الصخور البازلتية الثابتة بقوة الصلابة والفيزياء والمراقب الثاقب لمحاولاتها المتكررة اقتلاع الاسطح الاسمنتية للمباني وشق الهياكل الفولاذية للجسور المعلقة يعي تماما قدر الجنون والمجازفة . فأيّن ما كانت مهابط القوارب وأطواق مراسيها ستخذلها العواصّف الهوجاء مرة تلوى المرة وتلطمها الامواج الكاسرة مرارا وتكرارا حتى تزهق حظها من الوثوب المعتاد في بحرها القريب او تحيلها خردة بليدة تترك لحالها وتركن على حدها المائل في كتف الميناء لتصدأ ببطء وعلى مهل. فالسرد المصفوف كحجارة البناء في حكم القدماء والذي يطفوا أحينا على السطح ويغيب كثيرا عنه وكأنه المنقذ من الضلال له طعم التراب في الفم عند محاولة فك رموزه وترجمته لتيسير هضمه من قبل أهل الحكاية الممتنعين عن لسان البلاغة وخزائن اللغة وله ملمس الالوان الزيتية الجافة على لوحات الرسامين بفعل التخزين والغياب ، اذن اي اليسيرين أجدى بالطرق والاقتحام ؟ درب آثار الصمت التي فلقت الثرى منابع للحياة جارية بين الاخاديد المتوارية ام التي تربك السعى بمحاذاة خطى تحث صوب منصة القفز الحر من علو مميت .

زمن الحكاية

ان الهوى الذي يلف زمن الحكاية والذي نرتع فيه تحمله أكف أناس لم يتعمّدوا بالماء المقدس فقط لأنهم أملوا في الطهارة البشرية الانية ، ولم يتحملوا عناء حفظ الوصايا العشرة عن ظهر قلب من باب قصد الشفقة والرحمة من جيب المحسنين ، بل أروح الى ابعد من هذا الجزم وأقر بأن أهل الحكاية بنماذجهم المتعددة وأصلابهم المتنوعة ، وفدوا الى الدنيا من جوار بيوت النمل ومن بين خف الجمال وفوق نقر حبات المطر يحملهم نهم ويقلهم شغف في احتواء المكان وجعله ملك لملامحهم المكتوبة في صفحات المستقبل وفي طيات الوجوه المتخفية وراء ضلال الأبدية المشروطة بحب الذات. وبأن أيّ من كان صاحب الزخم ، من سادة قومهم ملاكي طوابير المعاناة وساكني الحدائق المرجانية ، داخل سياج حكايتهم الغريبة والقديمة لن يقوى حراسه ولن تسعفه حامياته من نهب سفوح الملح وسهول الخبز من هوامش أصابعهم التي تملأ الحقول وتقفل الشفق . ان الخيالات المفرطة في السحيق لأغرب البشر لن تحاكي صدى السبل في البعد الجديد لروح العصر الاتي والمنسوج لأقدامهم العارية ارضا ولسمائهم المجروحة روحا. فحيثما حلوا سيتفتّح لهم الزهر الانيق وكيفما أقبلوا سيرفع لهم نصب ونشيد وما هذا الزمن منهم ، سوى لمحة حياء من الاجدى ان تختفي سريعا عن عيونهم المائية او بالكثير ، غمضة جفن حري ان تبقى مغلقة عند سارية طلائع اشراقهم القادمة من نزق الاغاني وشبق الزغاريد .

كابول

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة