الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 20:02

هل الشرطة في خدمة الشعب؟ / بقلم:امنون بئيري سوليتسيانو

كل العرب
نُشر: 03/06/13 15:52,  حُتلن: 16:30

 أصغر عدد من البدو على أصغر رقعة من الأرض- هذا هو شعارهم

الشرطة تتعامل مع جمهور كامل على أنه جمهور غير مرئي في أحسن الأحوال وكعدو في الحالة الأسوأ

هل يمكن حقا أن نُرسخ بين أفراد الشرطة- أو آخرين من مقدمي الخدمات- قيم تقديم الخدمة لجمهور يتم التعامل معه على أنه تهديد أمني؟

قد تكون الإقالة السريعة، والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، لضابط محطة الشرطة في عراد على خلفية قتل الطفلتين ريماس وإسناد من قرية الفرعة، تحركًا رسميا ضروريا من جانب الشرطة، إلا أن هذه الخطوة لا تحمل أي طائل فعلي، بل وأن فيها ظلم ما على من تمت إقالتهم. عدم الاهتمام كما يجب بالشكاوى المتكررة من جانب أم الطفلتين لم يكن خطأً، كما يحاول بعض المسؤولين أو المسؤولين السابقين تصوير الأمر. وعلى الرغم من النتيجة التراجيدية، فإن المعالجة الخاطئة بحدّ ذاتها لم تكن "ذنبًا شخصيًا" أو "حالة عينية"، بل حادثة مأساوية تؤكّد على الوضع العام.

الخدمة العامة
خدمات الشرطة هي جزء مهم من الخدمة العامة، وذلك على الرغم ممّا يرافقها من مميزات، مثل حمل السلاح، استخدام القوة، الهرمية التنظيمية والإجراءات الصارمة. هذه الأمور هي من مميزات هذه الخدمة وتهدف إلى ضمان النجاعة في توفير خدمات الشرطة، خاصة فيما يتعلق بتوفير الأمن الشخصي. في السنوات الأخيرة، يُشدد جهاز الشرطة على ترسيخ مفهوم خدمة الجمهور. "نحن هنا من أجل الجمهور" هو الشعار الذي يكرره الضباط على مسمع أفراد الشرطة مرارًا وتكرارًا، "مهمتنا الإصغاء للمواطنين، والإستجابة لحالات الضائقة التي يمرون بها، والحفاظ على حياتهم وحمايتهم". وإذا كان يتوجب على الشرطة العمل بحسب قواعد عمل موظفي الجمهور، فربما وجب علينا أن نسأل ما هي هذه القواعد عندما يتعلق الأمر بالجمهور العربي- البدوي؟

الخدمة في القرى غير المعترف بها
هل تختلف الخدمة التي (لم) يقدمها أفراد الشرطة في عراد للأم البدوية المضروبة، كثيرا عن الخدمات الأخرى- الأقل أو الأكثر إلحاحًا- التي تُقدم لسكان قرية الفرعة، أبو عشيبة، الأطرش، وادي النعم، والبلدات البدوية الأخرى؟ هل الشكوى نتيجة فصل التيار الكهربائي حتى في الحالات التي لا بد منها بوجود تيار كهربائي لتشغيل معدات مُنقذة للحياة، سُتستجاب بسرعة؟ هل سيقفز تقني شركة الكوابل إلى سيارة الخدمة عندما يتصل أحد المواطنين في قرية رحمة (ألغير معترف بها) للإبلاغ عن مشاكل في جودة الشبكة؟ هل فكّر أي شخص في بناء محطة قطار بين بئر السبع وديمونا؟ في أبو تلول مثلًا؟

التحريض ضد البدو
قد تبدو هذه التساؤلات، وبمقدار من الصحة، نوعا من الغوغائية الرخيصة والبلهاء، إذ أن في غالبية البلدات البدوية لا توجد حتى شبكة كهرباء أو ماء. فهذه الخدمات لا تُقدم أصلا للبدو الذين يعيشون في عشرات القرى بين البلدات البدوية الكبيرة.  إلا أن الشفافية شبه المُطلقة للبدو في نظر مقدّمي الخدمات تُصبح ممكنة من خلال منظومة تحريض غاية في النجاعة تعتبر البدو جمهور واضحًا جدًا. بالنسبة لهذه المنظومة البدو كُثر، خطيرون، ينتشرون ويغزون، متهورون، همجيون، عنيفون، مجرمون. الخطر الذي يُشكلونه لا يهدد الدولة فقط، بل ويهدد مجتمعهم ذاته وعائلاتهم نفسها. إن التحريض ضد البدو يتم من خلال المشاهير (آفري غلعاد مثلا) ومنظّمات (جمعية رغبيم مثلا) ومنتخبي الجمهور، الذي يطمعون في الأرض. أصغر عدد من البدو على أصغر رقعة من الأرض- هذا هو شعارهم.

كسب ثقة العرب
إذا كان هذا هو الوضع، وهذه هي نوعية الخدمات المقدمة للبدو، فما الذي تريدونه من أفراد الشرطة في عاراد؟ أن لا يكونوا جزءًا من القطاع العام؟ أن لا يشاهدوا التلفاز وأن لا يقرؤوا الصحف؟ أن لا يكونوا على علم بـ "المشكلة البدوية"؟  لم نذكر بعد المهمة المزدوجة المنوطة بالشرطة تجاه الأقلية العربية. فإذا كان دور الشرطة تجاه اليهود واضحا، وهو تقديم الخدمة، فعندما يتعلق الأمر بالعرب، يكون للشرطة دورا أمنيا أيضًا. كيف يتوافق الدورين؟ هل يمكن حقا أن نُرسخ بين أفراد الشرطة- أو آخرين من مقدمي الخدمات- قيم تقديم الخدمة لجمهور يتم التعامل معه على أنه تهديد أمني؟ قامت الشرطة، أكثر من أي جهاز في الدولة، منذ أحداث أكتوبر 2000، بمجهود كبير لتحسين الخدمات المُقدمة للجمهور العربي، وكسبت رويدًا رويدًا المزيد من ثقته. إلا أنه ما دامت الشرطة موجودة في مجتمعها، وما دامت تتحمّل وزر الخدمة المزدوجة غير المعقولة تجاه المُجتمع العربي، فإنّ الحيّز الذي يمكنها فيه تحسين الخدمة للعرب يظل حيزًا ضيقًا.

جمهور غير مرئي في أحسن الأحوال
الطريقة التي تم فيها إخلاء المواطن البدوي الذي أُصيب في جريمة البنك في بئر السبع، إلى المستشفى، عبّرت بشكل لا يقبل التأويل عن حالة انفصام الشخصية في جهاز الشرطة تجاه العرب: "الضحية مكبّلة بالأصفاد".  أفراد الشرطة في عراد، بقيادة ضابط المحطة، تصرّفوا بموجب قواعد السلوك العنصرية السائدة في المجتمع الإسرائيلي. قواعد السلوك هذه تفرض على الشرطة أن تتعامل مع جمهور كامل على أنه جمهور غير مرئي في أحسن الأحوال، وكعدو في الحالة الأسوأ. أفراد الشرطة الذين تمت إقالتهم هم ورقة التين التي لا تغطي عورة الشرطة فحسب، بل عورتنا جميعا.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة