الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 00:02

جذور وثمار/ بقلم:كميل فياض

كل العرب
نُشر: 02/06/13 21:56,  حُتلن: 08:03

كميل فياض في مقاله:

ربما السماح لبعض المشاعر (الحرام) من المرور دون توقف عندها بأي همّ شخصي يكون جرعة تصقل الروح للفجر التالي وإن أسدلَ على الوعي وشاحًا داكنا ً رقيقاً فالعبور الى الشاطيء يقتضي بعض حزن

محاولة التطور والتحول بأفكار نوعية جذرية ليس فقط بطرح ذو مضامين عملية ومعان ٍ سامية كما في الإنشاء بل تتمثل بصورة تجعل الآخرين قادرين على تذوقها وقبولها وإستيعابها

المستقبل البعيد البعيد وكل مستقبل هو هنا، وهو بتغيير اللحظة الحاضرة.. ولأنك لا تغير شيء في العالم، بل تنتبه لنفسك من سفر الأشياء في عينيك ..قد يبدو انها الأفكار نفسها والإستنتاجات نفسها، بصور مختلفة ومن زوايا مختلفة، بينما هيمهاميز أخرى للصحو من ضلال الموت اليومي ..  نعم قد يبدو لك انك تولد كل صباح مع تلك العصافير نفسها.. ومع ذاك الفضاء والقهوة والابر نفسها..ولا بد أن تنتبه الى أن محاولاتك المتكررة للخروج من الواقع، هي خلق عفوي لحلم، ومحاولة قسرية للإستيقاظ منه.. طقوس اشواق احزان ورغبات تجري في حلم يقظة، على خلفية الحضور التجاوزي ذاته.. وتستيقظ فجأة مننظر كسول يمتزج بألوان وصور ونفائح خليط من الياسمين والكلونيا والمرمية والزعتر الاخضر، يطل عن الشرفة المتواصلة مباشرة مع الفضاء الكوني.. انه شيء من تطبيق نظرية العشق العفوي للحياة، مع كل ما فيها من غصات ونكسات.

الطموح للتطبيق والتحقيق
ومهما كان الطموح للتطبيق والتحقيق في التجسيد الملموس بليغا، فإن الانسان يبقى هناك خلف الأشياء وخلف الأفكار وخلف الأحلام.. خلف المشروع القادم.. يفارق العالم دون أن يستنفد ملمس واحد وعطش واحد من اي شيء يريد.. ولأن التجربة تقول أن جوهر كل تطبيق يتم ويخلص في رؤىً ومشاعر داخل العقل والقلب، مهما حملت من صفة فعل متحقق وواقع صلب..!! يجب الإستقرار في الداخل قدر المستطاع.. لقد بالغ الوضعيون الماديون المتطرفون بإنكار الروح، وبإنكار العقل، وهو فيهم يقرر ذلك الإنكار.. يا للمفارقة..!

نعيش اليقين بوجودنا الصميمي
انني مدرك بما لا يقبل الشك انني وعي اكثر من كوني لحم ودم.. وانني خيال وانا في صميم الركوب على الأمواج.. سواء أعجب ذلك فقهاء الفيزياء التقليدية أم لم يعجبهم .. مع ذلك نحن نريد أن نعيش اليقين بوجودنا الصميمي، بصورة اكثر كمالا واشد تحقيقا، كوعي في لحم ودم، وكوعي في وعي، معا وفي آن واحد.. كمن يطلب حالتيّ السكر والصحو بنفس الدرجة واللحظة..! طبعا نحن لسنا ملائكة ذوي صفات عليا مجردة .. ولسنا ايضا فقط اجساد تحركها الغرائز والإنفعالات والمشاعر .. لكن ما اريد قوله اننا يجب أن نرى بعض أفعالنا الطبيعية التي أدخلها مجتمعنا في قوالب الحلال والحرام والعيب والاثم وما الى ذلك، من الجهة التي لا يرونها عادة.. أي كمحركات ودوافع لطلب الحقيقة والخلاص – بصورة غير واعية عموما – لأنهم يعتقدون انهم يهربون من وحش إجتماعي مخيف، بينما هم يهربون من فكرة خاطئة وتاويل ما.. كذلك يظنون انهم يطمحون لتملك شيء ما، في حين هُم يطلبون حالة ما.. الى ذلك لا بد أن نصل يوم ما الى الشبع من المعاناة والعذاب.. من الإحباط وخيبة الأمل والتوقع الزائف، والى الإستنتاج بأن الإستمرار في السعي للتملك ولإشباع الشهوات، كالإستمرار في محاولة إشباع النار بمزيد من الحطب..! انه الجحيم ذاته الذي جاء عنه في الكتاب: "وقوده الناس والحجارة".

السماح لبعض المشاعر (الحرام)
وربما السماح لبعض المشاعر (الحرام) من المرور دون توقف عندها بأي همّ شخصي، يكون جرعة تصقل الروح للفجر التالي، وإن أسدلَ على الوعي وشاحًا داكنا ً رقيقاً.. فالعبور الى الشاطىء يقتضي بعض حزن، بعض ترياق من ذاك السم.. بعض غياب تحت الماء.. وبعض الغرق يعرّفنا بقيمة الأكسجين، ويُخطرنا بأهمية النجاة وبحقيقة الخلاص. فلا ذنوب هنا ولا آثام، بل محركات دافعة الى الأمام.. والى الأمام.

التطور والتحول
إن محاولة التطور والتحول بأفكار نوعية جذرية، ليس فقط بطرح ذو مضامين عملية ومعان ٍ سامية كما في الإنشاء. بل تتمثل بصورة تجعل الآخرين قادرين على تذوقها وقبولها وإستيعابها. لأن فكر عملي في نظري هو فكر يثير الآخرين في أعماقهم يلامس العلة الكامنة وراء حاجاتهم، هواجسهم.. هو فكر يكشف لهم عما غاب عنهم فيهم.. يكشف لهم عما يحتاجونه فعلا.. عما هو حقيقي أكثر.. صحي أكثر، جوهري حياتيّ أكثر.. الى ذلك أتذكر الآن قول "واين داير" (الحكيم المستنير المعاصر): لا تبالغ بعدم قدرتك على تغيير نفسك، ولا تبالغ بقدرتك على تغيير الآخرين..
 
ألغاز فلسفية
رغم اننا جميعا نحتاج الى الصفاء الى الحرية الى الغنى والأمن، والى الجمال بنفس الدرجة والطلب.. نحتاج ويجب أن نستشعر الحاجة الى ذلك في قلوبنا.. ويجب أن نستشرف النور الذي يكشف لنا عن ذلك وهو فينا.. يجب أن ننتقل من الظل الى الشيء.. ثم من الشيء الى ما وراءه.. انها ليست الغاز فلسفية للترف الثقافي الأدبي.. بل تقنية للوصول عبرها الى الحقيقة.. أنت لا تستطيع أن تتعرف الى جسدك بصورة كاملة، إلا إذا خلعت ملابسك كلها..كذلك أنت لا تستطيع أن تتعرف الى ذاتك غير المحدود، إلا إذا خلعت أفكارك كلها، فهي لباسك الداخلي وظلامك الداخلي.. إنها جدران ونوافذ وأبواب السجن الذي تقيم فيه، تحافظ عليه، مع كثير من الجهد والعمل لصيانته وتقويته.. حتى ينهار عليك أخيراً بحكم التقادم والإنسحاق والتفكك، وتبات في العراء تنتظرمع المنتظرين، مُصلح أو نبي، ليبني لهم سجون جديدة.. أما الفلاسفة فبعضهم يهدم ذلك السجن مبقيا الأساس يقيم فوقه سجن جديد يلائم عصره او مزاجه.. وبعضهم يزيل الأساس ايضا.. فيبقى في العراء معتقدا انه حُر تماما وفي أمان، فلا يلبث ليلة وضحاها حتى تمزقه رياح الشك والظلام وتطيح بلبه لكل جهة.. ولك بهذه الفرصة أن تستنر بهدي الآن.. بكشف الستار..
إخلع نظارة النظر الحسي.. لمحة برقة، وانت ساكن في ليل حواسك الخمس،المنجمة عادة بالأغراض والتطلعات.. ماذا يحدث عندما تبرق الدنيا في ليل غائم معتم..؟
بلمحة واحدة ترى كل شيء .. بينما التلمّس والتحسّس في العتمة ماذا يعطيك غير أحاسيس غامضة، وغير الخوف من الحفرة الأخرى القادمة..!

إنجازات وجنات
يقيمون مراكز للفكر من إسمنت مُسلّح.. بينما هو لا يشغل حيز لا في الزمان ولا في المكان وهما من خلقه.. وهو الآن يخترق الجدران.. لكنه مثقل أحيانا كثيرة بهموم العيش وظلام الأنا، حتى يبات كطيور مكبلة الأجنحة.. نحن ندفع بذلك الفكر الى الخارج نقصده طيورا وفراشات، نقصده كلمات قوية مسموعة، نقصدة رصاص وصواريخ وطائرات، نقصده ثورات وإنقلابات، نقصده إنجازات وجنات.. لكنه يخرج روحا كسيحا محطما مبعثرا من فضائنا الذاتي المطلق، ونعطيه عكاكيز وإقدام من حبر وأصوات، كي يحبو بها في نفوس الآخرين، صور مثيرة لجمال سماوي منسي .. ونسمي ذلك أدب وفلسفة وثقافة وصحافة إلخ.. يؤسسون معابدا للروح وهو فضاء حي غير محدود.. انهم يتعبدون ظلال أشواقهم الى سعادة وهدوء لا ينتهيان، تحت أسقف منازلهم، إذ يبتهلون الى سماء غير متناهية.. فكيف لي أن أهدأ وهم على أعتاب الشمس، ينامون ويحلمون بغد مشرق ..؟!!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة