الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 08:01

عكا مدينة الأسوار التي عجز نابليون عن اختراقها /بقلم: شاكر فريد حسن

كل العرب
نُشر: 30/05/13 20:48,  حُتلن: 07:54

شاكر فريد حسن في مقاله:

عكا تشتهر بأسوارها المنيعة التي كان لها الدور الأكبر في تسطير تاريخها عبر أكثر من أربعة آلاف سنة ويصدق فيها القول الشعبي "يا خوف عكا من هدير البحر"

قبل النكبة شكلت عكا صرحاً ثقافياً وفنياً وكانت تجذب اليها الزائرين من كل حدب وصوب واحتلت مكانة طليعية مهمة كمركز ثقافي وفكري ومن رحمها وثراها خرجت أسماء أدبية وفكرية وثقافية وفنية

كي نتذكر ولاننسى، نواصل في هذه الحلقة نبش الذاكرة وإلقاء الضوء على تاريخ مدينة عكا العريقة، في إطار الحديث عن المدن الفلسطينية التاريخية التي تواجه عمليات الإغتيال والتهويد، بمناسبة الذكرى الـ (65) للنكبة الفلسطينية، وذلك تعميقاً وتجذيراً للوعي الوطني، وبهدف تعريف الأجيال الناشئة بتاريخها وحضارتها. عكا هي أميرة وحورية البحر، وعروس الساحل الفلسطيني، ودرة المدائن، ومدينة الأسوار، التي عجز نابليون عن اختراقها، المسكونة بالحزن والوجع والأمل. تعتبر من أقدم مدن العالم وأهم مدن فلسطين التاريخية، اسسها الكنعانيون (الفنيقيون)، ويعود تاريخها الى الألف الرابع قبل الميلاد. وقد سقطت بأيدي تحتموس الثالث المصري، وفي عهد اخناتون اعلنت تمردها على مصر مما دفع برعمسيس لتدميرها، ولكن نظراً لاهميتها البحرية والحضارية اعاد المصريون بناءها من جديد، وجعلوها قاعدة حربية لفتوحاتهم في الشرق.

تألق الحضارة
تشتهر عكا بأسوارها المنيعة، التي كان لها الدور الأكبر في تسطير تاريخها عبر أكثر من أربعة آلاف سنة، ويصدق فيها القول الشعبي "يا خوف عكا من هدير البحر". ومنذ فجر التاريخ وحتى اواسط القرن التاسع عشر شكل ميناؤها عصبها النابض والحافز الأول لتألق حضارتها. وفي الحقبة الصليبية بلغ هذا الميناء أوجه وأصبح يوازي ميناء الاسكندرية، ودأب الفرنجة على تحصينه، وأقاموا حوله الأبراج والأسوار والقلاع، ورفعوا كاسر الأمواج وأعادوا ترميم وتحصين برج الذباب. وذكر الرحالة الصليبي مارينو ساندر أن ميناء عكا بلغ مساحته ما يقارب 60 دونما. اكتسبت أسواق عكا مكانة متميزة في اقتصاديات المدينة، وازدهرت هذه الأسواق بفضل مينائها الهادئ الجميل والخالد، وفيها ثلاثة أسواق يعود تاريخها الى العهد العثماني وهي: السوق الأبيض والسوق التركي أو العتم والسوق الشعبي، ولم يبق منها سوى سوق واحد فقد شكله الطبيعي بفعل التعديلات والترميمات التي أجريت فيه.

معالم وآثار
ومن أشهر وأهم معالم عكا وآثارها التاريخة: القلعة، التي تقع في وسط أسوارها الشمالية، وتعتبر أضخم مبانيها وأشدها حصانة، وتتألف من ثلاثة أقسام أساسية وهي برج الخزنة والجيخانة والقشلة. وقد تحولت هذه القلعة في أواخر العهد العثماني الى سجن مركزي، وفيه سجن، وأعدم نشيطو ثورة البراق عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي. هذا بالإضافة الى خان العمدان وخان الفرنج وخان الشونة وخان الشوردة وخان الحمير والسرايا والنفق الأرضي وحمام القديس حنا وحمام الباشا وحمام ظاهر العمر ومسجد الجزار أو جامع الانوار، الذي شيد على نسق الفن المعماري المتبع في بناء مساجد اسطنبول، في حين غلبت عليه الزركشة المعروفة بالعربسك، التي كانت متبعة في زخرفة مساجد القاهرة، وجامع اللبابيدي وجامع البحر وجامع الرمل الشهابي وجامع ظاهر العمر وجامع الزيتونة وجامع المجادلة وجامع البرج والكنيسة المارونية وكنيسة القديس اندراوس وكنيسة القديس يوحنا، وكذلك مقام عز الدين ومقام احمد ابو عتبة ومقام الشيخ غانم ومقام الشيخ يانس ومقام النبي صالح وغير ذلك.

فن وثقافة
قبل النكبة شكلت عكا صرحاً ثقافياً وفنياً، وكانت تجذب اليها الزائرين من كل حدب وصوب، واحتلت مكانة طليعية مهمة كمركز ثقافي وفكري، ومن رحمها وثراها خرجت أسماء أدبية وفكرية وثقافية وفنية لمعت في دنيا الإبداع الإنساني، وكان لها بصمات واضحة واسهام كبير ومهم في المشهد الفلسطيني والعربي كالشهيد الأديب والروائي غسان كنفاني والكاتبة الصحفية سميرة عزام والناقد المعروف انطوان شلحت والشاعر الباحث نظير شمالي والكاتب فايز الكردي والصحفي المرحوم محمود ابو شنب والشاعر الأديب يعقوب حجازي مؤسس "الأسوار " العكية - دار النشر الرائدة في نشر الثقافة الوطنية والفكر الانساني الديمقراطي التقدمي الملتزم، والفنان الموسيقار صدقي شكري، والمبدعة رشا حلوة والفنان وليد قشاش وغيرهم الكثير الكثير.

مهرجانات متعددة
وارتبطت مواسم الفرح في عكا بالمهرجانات الأدبية والشعرية والثقافية المتعددة في الزمن الغابر، أشهرها "مهرجانات الزجل" التي كان يشارك فيها نخبة من شعراء لبنان وسوريا وفلسطين. وكان ملتقى المطارحات الزجلية في "مقهى الدلالين" في ليل طويل يحلو فيه السهر والسمر، وكان لكل شاعر عزوته ومناصروه. ومن أبرز الزجالين والشعراء الشعبيين، الذين كانوا يترددون على عكا ومقهى الدلالين، وساهموا في هذه الملتقيات والمهرجانات الزجلية: يوسف حاتم الزخلاوي ومحمد محمود الزين الشحوري وـحمد علي الحروفي من لبنان. ومن فلسطين: مصطفى السعيد الحطيني ويحيى العمقاوي وابو خليل الشعبي ومحمد الحسين العبليني ورشيد العبد مناع وتوفيق الريناوي وأسعد عطالله ويوسف العابد ويوسف الرهوان ومحمد أبو السعود الاسدي وشقيقه قاسم الاسدي / أبو غانم وفرحان سلام وصالح العثمان وعبد اللطيف العجاوي وسواهم.

مدينة حزينة
خلاصة القول، عكا اليوم مدينة حزينة باكية تقاوم العنصرية ومشاريع الإقتلاع، ورغم حزنها وبؤسها وشقائها، تبقى "أقدم المدن الجميلة وأجمل المدن القديمة" كما وصفها وقال عنها شاعرنا الفلسطيني الكبيرالراحل محمود درويش، الذي كان يزورها مع صديقه شق البرتقالة الفلسطينية الشاعر سميح القاسم لاحتساء فنجان قهوة في مقاهيها، وأكل السمك في مطاعمها، والتمتع باللحظات الجميلة على شاطئها وبين أزقتها وخاناتها وعلى أسوارها، والمشاركة في مهرجاناتها الشعرية وامسياتها الأدبية.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة