الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 11:02

كَفاكُم خرقاً للقوانين الإسرائيلية/ بقلم: المحامي إيهاب أبوغوش

كل العرب
نُشر: 16/05/13 10:48,  حُتلن: 10:56

المحامي إيهاب أبوغوش في مقاله:

إنها قصة أسى بدموع رجل من رجال ونساء كثيرين "ابطال" دراما حقيقية تحيكها سيناريوهات "محكمة البلدية" وما أدراك ما محكمة البلدية؟

أيا سامعا لهذه البلوى إعلم انه في القدس الشرقية لا مسكن ولا مأوى قد يسلم من الشكوى وإن لم تتغلغل بعد بعمدانه أو جدرانه قرارات المحاكم وأوامر الهدم فإن غدا لناظره قريب

إن من ثنايا قوانينكم على القدس الشرقية يفيض التهجير والمصادرات وفصل شمل العائلات وجدران الفصل واللاجئون والاحتلال وتجريد الهويات وإلغاء الإقامات والأسرى والحواجز والاعتقالات الإدارية وأملاك الغائبين وهدم البيوت والغرامات المالية

مشهد من محكمة البلدية
في القدس، على مقربة من أسوار البلدة التاريخية، ومقابل "باب الخليل" وهو البوابة الغربية، تصطف أبنية متكتلة وكأنها ثكنات عسكرية، هي أبنية السلطة المحلية، هي بعينها بلدية اورشليم العبرية. في البناية رقم 3، في الطبقة السفلية حيث تجتمع الغرف والقاعات الارضية، تتمركز منذ سنوات قمرية وميلادية ما يعرف ب"محكمة البلدية"، أو كتسميتها المهنية، فهي "محكمة الشؤون المحلية".
هناك، في احدى القاعات المليئة بازدحام المظلومية، قام من قام فكان رجلا مقدسيا في مطلع سنوات الخمسين من العمر ويحمل بيده اليمنى أوراقا ملفوفة ومطوية، وفي طياتها مأساة حقيقية، ففيها أمرٌ من محكمة البلدية، يقضي بالزامه هدم قسم من شقته السكنية، بهدم غرفتين قد بناهما لتشكلا "وحدة سكن" إضافية لشقته المنسية، فتخدم عما قريب إبنه وخطيبته كعش لحياتهم الزوجية. فبعد سماع قرار محكمة البلدية وحصوله على نسخة منه، قام مستجمعاً ما تبعثر منه، تابعاً بوصلة روحه التي غادرته من شدة الأسى، اما عيناه فقد مُلئتا بماء الدمع فهما لا ترسلان الدمع أمام حشد الحضور حتى لا يعتبر من البكاء "رجلا ضعيف الشخصية". ولكن الدمع إنهمر، بعد أن سمع سؤالا عن حاله وما قد حل به باللغة العربية، وانهمرت دموعه الزكية، وأجاب قائلا: كيف ازف هذه البشرى (رافعا الاوراق المطوية)، وماذا ساقول لابني، فهو وعروسته منهمكين الآن في تجهيز "الشقة" وما تبقى من الادوات المنزلية!
إنها قصة أسى بدموع رجل من رجال ونساء كثيرين "ابطال" دراما حقيقية، تحيكها سيناريوهات "محكمة البلدية"، وما أدراك ما محكمة البلدية!

مشهد العبارات الإسرائيلية الموجهة للمقدسيين
والتي لا يقل وقعها أيلاماً من هذه التراجيديات اليومية، العبارات العلنية ذات الاعتلالات الظلماتية الموجهة للمقدسيين الفلسطينيين سكان القدس الشرقية، وتقال ضمن نبرة ونسق من توبيخ المستعمر المتكبر لمن دونه:
" كفاكم بناءً بغير تراخيص وخرقا للقوانين الإسرائيلية .... لماذا تبنون البيوت والشقق بدون تراخيص وخلافا للقانون؟ لم تقومون بالبناء دون الامتثال للقوانين التنظيمية؟ لماذا هذه التصرفات الجنائية؟ انظروا من حولكم كيف اصبحت حارات القدس الشرقية... انظروا للاكتظاظ البشع وللازدحام المروع ولحياتكم التي لا تطاق في هذه الكثافة السكانية... انظروا كيف غدت احياؤكم اشبه بمخيمات لاجئين بنيت بطرق عشوائية... انظروا الى البيئة التي هدمتموها من حولكم واي اكتراث لديكم بالامور البيئية... انكم لا تمتثلون للقوانين الإسرائيلية...انكم لا تستعملون وسائل الحذر والامان ولا تهتمون بسلامة السكان في منطقتكم الشرقية... اي حياة هذه؟ واي قدس هذه واي اماكن لها قدسية؟ يخرق فيها القانون بشكل فظ ومتعمد وباستمرارية.... والمؤسف كل الأسف ان اكثركم تتنافسون على تطبيق هذه العقلية الغوغائية والهمجية.... فقد اصبح خرق القانون لديكم حالة اجتماعية عادية وعادة متأصلة وتقليدية.... اي حياة هذه التي تعيشونها؟ فكفاكم بناءا بغير تراخيص وكفاكم خرقا للقوانين الإسرائيلية".
هذا حشد من العبارات الاستفزازية الاشبه بالعيارات النارية منها بالعبارات العتابية، تطلق في خطابات متكررة علنية ومرئية وجلية، يُسمعها الاسرائيلي، على تعدده واختلافه الوظيفي، للمقدسيين في مواقع ومناسبات مختلفة، أهمها فيما يتعلق بمشاكل البناء بغير تراخيص (وكانه يمكن البناء بموجب تراخيص! فهنالك شبه انعدام لمخططات تنظيمية) وعند التوجه الى حل مشاكل الضائقات السكنية بالمطالبة باجراء تنظيمات وتخطيطات هيكلية لوائية أو محلية )وهي اقرب لان تكون معدومة(، وفي المساءلات الادراية والمحاكمات القضائية )التي يُجرَّم فيها المقدسي في كل الحالات ودون استثناءات(، وعند تسليم أوامر هدم البيوت لاصحابها، وعند مناقشتها في المحافل المختلفة وبالأخص عند تنفيذ هدم البيوت بواسطة القوات الإسرائيلية على مرأى محزن ومدمع وعلى مسمع مبكى أصحابها الفلسطينيين وغيرهم من الاناس الناظرين.
ويجدر الذكر وبشكل واضح، وبناءا على المعطيات الإسرائيلية، بأن الغالبية المطلقة لاوامر الهدم صدرت لهدم بيوت وشقق وبنايات سكنية وليس لهدم حوانيت أو متاجر أو مصانع أو أية أبنية أقيمت لاستعمالات تجارية أو صناعية. فحاجة المقدسيين الملحة الى أماكن سكنية، تُظهر مدى الضائقة الانسانية التي يعيشونها، فإن بنوا بغير تراخيص اسرائيلية، فعلوا ذلك ليس لمخالفة اي قانون كان، ولا لكسب الارباح المادية ولا لتوسيع منطقة نفوذ شخصية أو جماعية ولا من دافع للملكية او حب للسيطرة الاستيطانية والاستفزازية، بل لعدم وجود أماكن للسكن ولا البسيط منها ولعدم توفر أراض "صالحة" لبناء البنايات السكنية وذلك لامتناع بلدية اورشليم من توفير مخططات تنظيمية تسمح بالبناء على أراضي القدس الشرقية. فلعدم توافر هذه الامكانات، وفي ظل الازدياد السكاني يلجأ المقدسي الى البناء الاضطراري.
أيا سامعا لهذه البلوى، إعلم انه في القدس الشرقية لا مسكن ولا مأوى قد يسلم من الشكوى، وإن لم تتغلغل بعد بعمدانه أو جدرانه قرارات المحاكم وأوامر الهدم، فإن غدا لناظره قريب.

مشهد جواب المقدسي للاسرائيلي
تخيّل المشهد الآتي ، فيه يقوم مواطن مقدسيٌّ في محكمة البلدية، صاعقاً بهذه العبارات:
" كفاكم إستبدادا وكفاكم فرضا لسياسات احتلالية بإسم القوانين الإسرائيلية، وكفاكم خرقا للقوانين الدولية وللمواثيق الانسانية مدَّعين بشرعية ربّانية. القدس وقدسيتها وسكانها المقدسيون لا يخالفون بطبيعتهم القانون، وخرق القانون لديهم ليس بطبيعة، ولا حتى عادة مكتسبة كانت ام موروثة، بل فرض عليهم اكراهاً حال ليس كمثله حال، وينطبق عليهم قول القائل: "القوه في اليم مكتوفا وقيل له إياك إياك أن تبتل بالماء"، فمن لا يعلم، والكل يعي ويعلم، بأنكم منذ الاحتلال صادرتم القسم الاكبر من اراضي القدس الشرقية! ومن لم يرَ، والكل يرى حتى من إستراح تحت الثرى، ما قد أقمتم على هذه الاراضي المصادرة من أحياء ومدن سكنية ومدارس وشوارع ومؤسسات تعليمية ومراكز جماهيرية ومنتزهات ومرافئ ومستشفيات وحدائق وملاعب وأماكن صناعية واخرى تجارية وبنايات للمكاتب الخاصة إضافة للأبنية الحكومية وسكك حديدية كلها يهودية واسرائيلية،
فحتى مقبرة مأمن الله الاسلامية، صودرت وجرف الكثير من قبورها ليبنى على رفات الاموات ما يزعم بحديقة للكلاب ومتحفا "للتسامح والكرامة الانسانية"! فاحتلالكم القدس وفلسطين يعتبر اكبر مخالفة لتاريخ القوانين الدولية والقيم الانسانية، قل لي يا صاحب العبارات الاستفزازية: ما هي مخططات ومشاريع التنظيم الهيكلي التي نفذتموها على الاراضي الشرقية منذ احتلاها وما هو عدد الاحياء السكنية التي ساهمتم في بنائها في القدس الشرقية؟ أهي راموت، وجيلو، وجبل جيلو، وجبل شعفاط، ومعاليه ادوميم، وميشور ادوميم، وابو غنيم، ومدينة داود، واحياء موسكوفيتش، والتلة الفرنسية، وبسجات زيئف والنبي يعقوب، وادم جبع، وجفعات زيئف وجفعون هاحاداشا وجيرانهم وجاراتهم من فرخ للبؤر الاستيطانية؟
أليست هذه كلها مستوطنات واحياء سكنية، كل حي منها أشبه بمدينة من كونه حي بمدينة! أليست كلها خُططت ونُظّمت ودُعمت وبُنيت على ارضي القدس والمقدسيين بعد الاحتلال وفق القوانين الإسرائيلية؟ والأهم والأدهى، أليست كلها لمواطنين مستوطنين يهود غير عرب؟ ألم تُقدِّم القوانين الإسرائيلية وحكوماتكم باذرعها المختلفة شتى المعونات والمساعدات المالية للسكان اليهود لتمكينهم من "شراء" العقارات في هذه المدن والاحياء السكنية؟ ناهيك عن التخفيضات الملحوظة والميزات والافضليات المقوننة المحفّزة والمنشّطة للسكن، وفضلا عن الخدمات المميزة التي يتمتع بها سكان هذه الاحياء الاستيطانية.
يا أيها المحتمي بالقوانين الإسرائيلية: أليست قوانينكم هي التي سمّت لاجئينا بالغائبين بعد ان هُجّروا من بيوتهم بعمليات قسرية؟ أليست هي التي تنادي حاضرينا بالغائبين ايضا حتى ولو حملوا الهوية او الجنسية الإسرائيلية؟ وتحت شعار "املاك الغائبين" سلبتم اراضينا وصادرتم ممتلكاتنا لتتحول كلها بلحظة ل"أراضي دولة" او "حكومية"، وأقمتم عليها مشاريعكم الصناعية والتجاريية والزراعية والقرى التعاونية، أليست قوانينكم هي التي تتذرِّع ب"الحجج الامنية" لتُحيط اقصانا المبارك بالكتائب العسكرية؟ أليست هي القوانين التي تمنعنا من إقامة الصلاة وشعائرنا الدينية؟
إن من ثنايا قوانينكم على القدس الشرقية يفيض التهجير والمصادرات وفصل شمل العائلات وجدار الفصل واللاجئون والاحتلال وتجريد الهويات وإلغاء الإقامات والأسرى والحواجز والاعتقالات الإدارية وأملاك الغائبين وهدم البيوت والغرامات المالية واخرى واخريات. فانه قاموس والحمد لله غني بمعجم مصطلحات، وإن كتبت هنا بحروف أبجدية عربية، فإن معانيها وبحصرية قد عُرّفت حسب مفردات دستورية اسرائيلية.
أيا سامعي: إنكم قد جعلتمونا، بفضل قوانينكم، في زماننا هذا اكثر من السجادة نلامس الهوية، وقد تظنون أن حياتنا تتعلق بروح وكأننا نستمدها من بطاقة تحمل من ألوان الطيف ما صبغته وزارة الداخلية! أو من تصاريح عليها خاتم "الادارة المدنية"! الى اين وصلتم في عالم قوانينكم هذا التي فيها تحاولون استبدال الهوية الشخصية والمعنوية، فكرية كانت أم قومية، بهوية تُنعت وتتمييز بالألوان الزرقاء أو الحمراء أو الخضراء أو منها حتى الهوية البرتقالية!

الخاتمة
فإن كانت معادلتكم انه من يخالف قوانين البناء الإسرائيلية تكون حياته بربرية، فكيف حال من يخالف قوانين ومواثيق عالمية وانسانية؟ كيف تكون حياته أإنسانية هي أم إجرامية ؟ بل "العدل" في قوانينكم ومحكمتكم هو اقرب لما تصفه هذه المعادلة الشعرية:

“والعدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ ويستضحكُ الاموات لو نظروا
فالسجنُ والموتُ للجانين إن صغروا
والمجدُ و الفخرُ والإثراءُ إن كبروا
فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ
و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطر
و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ”

يا من تدّعي بالقوانين الإسرائيلية، لا تقل لي شيئا، بل أنا من سيقول:
انه رغما عن ذلك كله، ورغما عن أي من قرارات لمحكمة البلدية، وما تحويه من أوامر هدم أو غرامات أو عقوبات جنائية، فإننا ها هنا في القدس الشرقية باقون. ها هنا باقون ما بقي أخضر شجر الزيتون، فنحن أصحاب البيوت والأرض والحقوق المحمية دائماً سنكون، هنا باقون، وحتى لو راح جيل فسيأتي آخرون، أجيال كلها ترفض الإستبداد والإحتلال وتنادي بإسم الحرية. ".
(فأين هو ذلك المقدسي !)
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة