الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 18:02

مسرحية السنسلة ظاهرة منتشرة وواقع أليم/ بقلم: عبد الرحمن يوسف صديق

كل العرب
نُشر: 29/04/13 16:18,  حُتلن: 15:07

الهدف من المسرحية يكاد يكون واضحا: أن لا أحل من مال الحلال والصدق والاستقامة تنجيان الإنسان من المهالك - والهدف غير المعلن عنه أن الأمور المادية عندما تطغى على الإنسان تفقده البصر والبصيرة

يطل علينا ألأديب ألفنان والكاتب المسرحي ألأستاذ عفيف شليوط بنتاجه ألأدبي ألمسرحي ألجديد - بعنوان " ألسنسلة" . مصطلح مألوف في الوسط العربي حيث أن السنسله في الزمن القديم كانت هي الجدار الواقي لبعض المواقع الجغرافية من الإنهيار كما أنها كانت تستعمل كحد فاصل بين قسائم الأرض الجبلية ومنعا لانجراف التربة .

السنسلة اليوم أضحت دون إستعمال إلا في المواقع التي لا غنى عنها أو بهدف إرجاع النمط القديم كمنظر شبه طبيعي مألوف ومقبول . أديبنا الموهوب رجع إلى الماضي في مسرحيته بمصطلح السنسلة ولكن عاش مع الحاضر في السلوك والتوجه المادي لبعض أصحاب رؤوس الاموال وبعض أصحاب الحرف والمهن .

صورة واضحة
ألمسرحية تنقل صورة حية واضحة لأحداث وسلوك مادي في عصر إنعدم به ألضمير، وأصبح ألتعامل به على المستوى الماديألمطلق - ويعيش ألمهندس هنا ألموقف ألمتناقض وألصراع الرهيب ، حيث أن قبوله لعرض ألسيد يكسبه أموال طائلة إذا نجحفي ترميم ألسنسله وهو تقنيا يستطيع ذلك - إلا أن هذا ألترميم لا يصمد أكثر من ثلاثة أشهر ويعرض أهل ألحي للخطر- .... فهل يوافق ألمهندس أم يرفض ؟؟ فإن وافق يكون قد خان ضميره ومهنته وعرض ألناس للخطر!!! وإن رفض فسوف لا يجدقوتا لأبناء عائلته -- وهو لا يسرع في إتخاذألقرار- لأن هذا ألقرار مصيري في كلتا ألحالتين .

كاتب المسرحية ترعرع في بيت لأهل كادحين أرادوا أكل خبزهم بعرق جبينهم - وهكذا تم فعلا - فذوت الكاتب عفيف صفات والديه ليمارسها في حياته - وقد شاءت الظروف أن يكون عفيف طالبا في مدرسة ابتدائية في شفاعمرو عملت بها انا معلما وهو طالب في صف كنت قد درسته ، وقد كان طالبا مجتهدا ، ذكيا ، مهذبا ولا زال - أنهى دراسته الإبتدائية ثم الثانوية في شفاعمرو هادفا مواصلة دراسته الجامعية رغم أنه لا زال ينتمي لشريحة الكادحين .... لقد نظر إلى الحياة بتفاؤل رغم ما فيها من صعوبات، فواصل دراسته الجامعية وحصل على ألقاب متقدمة من الجامعة ، ولازال طموحه يدفعه لكتابة رسالة الدكتوراة .

يقول المثل العربي الشعبي الصادق "على الجذور تنبت الأغصان " وعلى الأغصان تنمو الثمار - وأطيب الثمار هي التي يكلفها صاحبها لأنه يحبها ويعشقها وليس لأنه يربح منها - وهذا هو الفرق بين من يؤمن بالشيء وبين من يتاجر في نفس الشيء ...
أديبنا عاشق الأدب والفن والمسرح - فهو يجيدهم ليس لربح مادي بقدر ما هو لأسمى من ذلك أي ليثري أبناء شعبه ووطنه بما طاب لهم من أدب رفيع ومسرح عميق يبعث الراحة في النفوس لتطمئن به القلوب وتنعم به العقول ...

عودة إلى المهندس والسيد الثري - فالمهندس يعيش في صراع عميق ورهيب فهو يقع بين وتحت حدي السيف واثنيهما على رقبته !!! ولا بد من القرار - وكم يصعب القرار في مثل هذه الحالات . يقول المثل العربي الشائع " من شب على شئ شاب عليه " فالمهندس المسحوق ماديا نجح بان يحظى بشهادة مهندس بقواه الذاتية ألذاتية - أي أنه تحدى الفقر والجهل فانتصر على الجهل وحصل على العلم وهو في طريقه لدفن الفقر من حياته لكن بشرف. والسيد يعرض عليه اموالا طائلة على أن يخون ضميره ومهنته - ويفكر المهندس بعمق ويطول به التفكير والسيد ينتظر بفارغ الصبر. إلى أن نطق المهندس بقراره بأنه لا يمكن أن يخون ضميره ومهنته من أجل أي مبلغ من المال - مهما كان وضعه المادي - بل سيحافظ على سكان القرية ولن يكون عقبة في مستقبل هؤلاء الشباب والاطفال الذين لديهم ما طاب من أحلام في المستقبل الزاهر. فما أن نطق باللا للسيد وإذا بالسنسلة تنهار وتكون ضحيتها الاولى السيد الثري - بينما نجا المهندس وهو يصرخ لأهالي الحي أن ابتعدوا فالسنسلة تنهار...

هدف المسرحية
مسرحية عميقة بمفهومها ومضمونها وأبعادها وأهدافها - مسرحية جاءت لتوضح للصغير والكبير أن المال الذي يكسب بطرق غير مشروعة يذهب هو وأصحابه ولا يبقى له أثر - بينما مال الحلال يذهب لوحده ويبقى أصحابه. إن الهدف من المسرحية يكاد يكون واضحا: أن لا أحل من مال الحلال والصدق والاستقامة تنجيان الإنسان من المهالك - والهدف غير المعلن عنه أن الأمور المادية عندما تطغى على الإنسان تفقده البصر والبصيرة,وفي هذا السياق المقصود - السيد الثري - الذي لا يرى في الحياة إلا الربح المادي ويمنح نفسه الشرعية في الإختلاس مبررا ذلك بقوله: " الغاية تبرر الوسيلة".

تعرف على نفسك
أما الكاتب فأراد أن يمتحنك لتعرف أنت نفسك أولا - فهل تستطيع محاربة الشر بالخير؟! وهل أنت مقتنع بما تفعل؟! وهل المال أسمى من المبدأ؟! هل الأنانية تذوب المصالح العامة ام المفروض أن يكون بالعكس؟!
للمسرحية أهداف تربوية - اجتماعية - أخلاقية بالإضافة لكونها مؤثرة من ناحية المشاعر، فعندما انهارت السنسلة وقتل جراء ذلك الثري ونفر من سكان القرية ودفنت أحلام الأطفال والشباب تحت الردم لتصبح حدثا مأساويا بسبب التفكير المادي ، بينما كان من الممكن منع هذه المأساة بالعمل الشريف والكسب المادي الزهيد . إلا أن الجشع لدى السيد الثري أودى به إلى العالم الآخر دون أن يتمتع بأمواله التي إقتنصها بطرق غير مشروعة.

المزيد من العطاء
أتمنى للكاتب الأديب عفيف سليمان شليوط المزيد من العطاء والبقاء من أجل العطاء - فكم نحن بحاجة لمثل هذه المضامين التي تنير طريقنا لنتمكن من التمييز بين الخير والشر - بين الإستقامة والغش - بين الصدق والكذب - فكما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:"آية المؤمن ثلاث:إذا حدث صدق – وإذا وعد أوفى - وإذا إئتمن صان الأمانة -" والله ولي التوفيق. مع تمنياتي لكم بالمزيد من العطاء والبقاء والتحلي بالصدق - الإستقامة والأمانة.

شفاعمرو
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة