الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 02 / يونيو 07:02

مسؤولية الراعي عن رعيته/بقلم:جميل أبو خلف

كل العرب
نُشر: 26/03/13 16:16,  حُتلن: 08:44

جميل أبو خلف في مقاله:

ساء حال الأمة ونحن ننظر من بعيد وكأن الأمر لا يعنينا وإقتصر دور مسؤولينا على لعن الظلام مراراً دون أن يبادروا في إشعال شمعة واحدة

غاب عن بال مسؤولينا وبالذات مشايخنا أن هناك أولويات في العمل الإسلامي يبدأ من الداخل ومن ثم الإنطلاق والتفرغ إلى أمور أخرى في الخارج

إكتفى مسؤولونا في التفرغ لأمور حزبية وسياسية من أجل تسجيل المواقف ونسوا أن الرسول الكريم هو قدوتنا

لا بد من وضع إستراتيجية تربوية ودينية من أجل ترسيخ الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة لدى أبناء المجتمع ولا سيما الشباب منهم وهذا يتطلب منا جميعاً شحذ الهمم وتضافر الجهود

اللامبالاة وقلة الرعاية تجعلنا نضيّع الرعية كما ضاعت الماشية من هذا الراعي وهذا ما أخشاه إن كنا ماضون في إتجاه والرعية بإتجاه آخر

كان لراع حمار وكلب، الحمار يستخدمه لنقل الأغراض والطعام وغيره، والكلب لحراسة البيت والماشية، وكان هذا الراعي كسولا يحبّ إستغلال من هم تحت سيطرته؛ الإهمال هو معنى المسؤولية عنده، وكان هذا الراعي يخرج كل صباح من بيته راكبا حماره ومعه طعامه وترافقه ماشيته ويحرسهم كلبه حتى يصلوا إلى المرعى، وكعادته كل يوم يأخذ الطعام من على ظهر حماره ويجلس تحت شجرة كبيرة يحتمي بظلها، يأكل طعامه ويكمل نومه، ويترك مهمة حراسة الماشية للكلب، ولبخله يطعم كلبه وحماره ما يسد الرمق فقط وهم صابرون عسى أن يصلح حال هذا الراعي، وأدى ذلك مع مرور الزمن إلى ضعف بنية الحمار وبنية الكلب كذلك، وفي أحد الأيام وكعادته أراد الراعي الخروج مع الماشية وكلبه وحماره إلى المرعى، وكانت صدمته كبيرة لم يتوقعها فالحمار رفض الحركة وكاد أن يرفس الراعي وزد على ذلك نباح الكلب عليه، فخاف الراعي ولم يعرف ماذا يحصل ولماذا؟! وماذا عساه أن يفعل ؟!.

حوار ورفسة حمار
وبدأ حوار بين الثلاثة، قال الحمار للراعي: ميّزنا الخالق بصفات منها الجدّ والصبر في العمل وسخّرنا لخدمة البشر، أعطانا صوتا هو أنكر الأصوات وميزنا كذلك بالعناد، فالعمل أعطيناه حقه ولم ننقصه وصبرنا على الجهد والتعب، أما صوتنا فلا نقاش فيه فهو خلقة الخالق وعنادنا دائما على حق عند شعورنا بالذل والإهانة، أما أنت يا إنسان، فالعمل عندك عبادة وأنت لا تعمل فعبادتك لربك منقوصة، منحك الله صوتا جميلا ومع ذلك تنهق كالحمير، وقيل لك كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فأنت تحب أن تكون مسؤولا ولكن تكره وتبغض أن تقوم بمهام وواجبات المسؤولية، العناد عندك عناد على الباطل وليس عنادا على الحق، نعمل ولنا الحق بالأجر والمعاملة الحسنة وأنت كسول لا يعمل وتطالبنا بالعمل دون إطعامنا بحق ومعاملتك لنا أسوء من أن توصف، وأزيدك أن من هداية الحمار الذي هو أبلد الحيوانات كما يقال أن الرجل يسير به إلى منزله من البعد في ليلة مظلمة، فيعرف المنزل، فإذا خلي جاء إليه، ويفرق بين الصوت الذي يستوقف به والصوت الذي يحث به على السير، فمن لا يعرف الطريق إلى منزله وهي الجنة في الآخرة فهو أبلد من الحمار وأنت كذلك، ولا يليق بلقب الإنسان أن يطلق على أمثالك، فذهل الراعي من هذا الكلام وهم بضرب الحمار، فرفسه الحمار فطرحه أرضا، وجرى الحمار خارج الحظيرة...
وما أن قام الراعي وأفاق من رفسة الحمار حتى رأى الكلب يخطو نحوه، وهنا تكلم الكلب وقال للراعي: سخرنا الله لمنفعة بني البشر، ومنحنا الله صفة هي معدومة عند أمثالك يا راعي، هي صفة الوفاء، فأمثالك لا يؤمنون حتى بها وطبعا لا يفقهون معناها، أما عندنا فهي صفة راسخة، ومن الوفاء الأمانة، فأمنتنا على حراسة ماشيتك وبيتك ووفينا بهذه الأمانة، وأنت وأمثالك اؤتمنتم على مسؤولية هي أمانة فلم تصونوها، بل ولم تكتفوا بذلك، فقمتم بخيانتها وأي خيانة، أؤتمنتم على الجار فخنتموه، وعلى الحق فضيعتموه، وعلى المال فسرقتموه، وعلى السر فأفشيتموه، منحتم المال لتعزّوا به فعزّ بكم وذلت له نفوسكم، قيل لكم إن الدّين المعاملة فأسأتم المعاملة، وهنا غضب الراعي وهم بعصا ليضرب بها الكلب، فعوى عليه الكلب فجزع الراعي وسقط على الأرض وسقطت العصا من يده، وهرول الكلب مغادرا الحظيرة.

ضياع وندم
وبعد فترة أفاق الراعي من ذهوله وخرج من الحظيرة يبحث عن حماره وكلبه ولم يجدهما، فلم يجد بدًّا من الخروج بماشيته مشيا على الإقدام حاملا طعامه بيده دون حمار يركبه أو كلب يحرسه ووصل بعد حين إلى المرعى والى تلك الشجرة، فجلس كعادته تحتها يأكل طعامه ويستظل بظلها وماشيته ترعى، ولكسله وإهماله نام كعادته تحت الشجرة ناسيا أن كلبه غير موجود لحراسة الماشية، فجاءت الذئاب وأكلت الماشية ولما إستيقظ من نومه لم يجد ماشيته وضاع رزقه وندم حين لا ينفع الندم.
ما أحوجنا والله بأن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة للنفس ونسأل أنفسنا وبصراحة مطلقة: هل نحن أصحاب مسؤولية ؟ وإن كنا كذلك، هل أدّينا دورنا بمنتهى الوفاء والإخلاص من خلال تحمل المسؤولية؟ وهل سألنا أنفسنا أو تذكرنا بأننا سنسأل عن حمل هذه المسؤولية وفي مقدمة السائلين هو الله رب العالمين؟!.

فهم الحديث النبوي الشريف
وما أحوجنا إلى فهم الحديث النبوي الشريف المشهور الذي أغلبنا يحفظه "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " وعملنا على تطبيقه بالشكل المطلوب على أنفسنا، وعلى من هم في رقابنا وتحت رعايتنا؟
وما أحوجنا والله إلى الإبتعاد عن التنظير والمراءاة والإقتراب أو التعامل بما هو نافع وعمليّ والذي يصب في مصلحة المجتمع والأمة؛ وما أحوجنا الى الإلتفات إلى أبنائنا والتقرب منهم وأن نوليهم الأهمية القصوى بالرعاية بإعتبارهم جسد الأمة في الغد القريب.
وما أحوجنا إلى القيم الإنسانية الحميدة وغرسها في نفوسنا مثل قيمة الوفاء والصبر والأمانة وغيرها؛ وما أحوجنا بالفعل إلى أن نتحلى بالصبر الذي هو نصف الإيمان والذي تتحلى به بعض الدواب وهي غير مكلفة، وكم هي الحاجة بالفعل بأن نتمتع بقيمة الوفاء والأمانة الذي يتمتع بها الكلب وهو غير مكلف.

قيم إيجابية
قد يغضب البعض من هذا الكلام أو هذا التشبيه، ولكن ما يضيرنا إذا كانت هذه الصفات أو القيم إيجابية أن نتعلمها أو نأخذها من هذه المخلوقات لطالما لم نتعلمها من تعاليم ديننا الحنيف (أو أي مصدر آخر)؟ ألم تكن هذه الصفات هي الركائز أو المقومات الأساسية في حياتنا إن كنا حقاً مسؤولين؟!
لقد ساء حال الأمة ونحن ننظر من بعيد وكأن الأمر لا يعنينا وإقتصر دور مسؤولينا على لعن الظلام مراراً دون أن يبادروا في إشعال شمعة واحدة. لقد غاب عن بال مسؤولينا وبالذات مشايخنا أن هناك أولويات في العمل الإسلامي يبدأ من الداخل ومن ثم الإنطلاق والتفرغ إلى أمور أخرى في الخارج؛ ولقد غاب عن بالهم بأن إصلاح الإنسان هو الأساس، وغاب عن بالهم أن عدم الإصلاح قد تترتب عليه نتائج وخيمة تعود بالضرر على المجتمع بأسره، وأن نار الفتنة والفساد والرذيلة قد تلتهم كل ما حولها.

التفرغ لأمور حزبية وسياسية
لقد إكتفى مسؤولونا في التفرغ لأمور حزبية وسياسية من أجل تسجيل المواقف، ونسوا أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوتنا بدأ بمعالجة القضايا التي تتعلق بالإنسان وبنى القلوب وبنى الشخصية الإسلامية السليمة ومن ثم انطلق إلى العمل السياسي بعدما إستطاع أن يبني رجالا يتحملون المسؤولية ولديهم رصيد إيماني كبير.
لقد توجهت شخصياً إلى بعض المسؤولين، وكذلك من خلال بعض وسائل الإعلام كوني أحد أفراد هذا المجتمع الكريم، وأعتبر نفسي راعيا ومسؤولا عن رعيتي من أجل لفت نظر المسؤولين والذين هم أعلى مني من حيث المركز الإجتماعي ومن حيث المسؤولية الملقاة عليهم إلا أن صوتي إصطدم بعدم إكتراثهم ولم يصلهم بعد ولم يأخذوا ندائي أو مطلبي والذي هو مطلب الجميع على محمل الجد، فلربما ذنبي الوحيد بأنني لا أملك لقبا ولم أكن شخصا مشهورا أو رئيس دولة وعندها تساءلت في نفسي لماذا هذا الإدبار عن هكذا مطلب والذي فيه مصلحة للجميع وهو بمثابة فرض عين على الجميع وبدأت أحلم أحلام اليقظة بأن أكون رئيساً لدولة (مثل ليبيا) من أجل التزاحم والإسراع للجلوس معي.

مظاهر الفساد والإنحلال
إن كنا عالمين بما يجري حولنا من مظاهر الفساد والإنحلال الخلقي في صفوف مجتمعنا وخاصة الجيل الصاعد ولا نحرك ساكناً فتلك مصيبة، وإن كنا لا ندري فالمصيبة أعظم. إن كان الحمار قد رفس صاحبه وطرحه أرضاً بسبب تخليه عن مسؤوليته فالمتوقع من الرعية التي نحن مسؤولون عنها أن تمسكنا من أعناقنا يوم القيامة وتسألنا عن تخلينا عن رعايتها أمام الله، وإن كان الكلب قد عاتب صاحبه بعدم الوفاء وتخليه عن الأمانة فلننتظر أن يسألنا كذلك من هم تحت مسؤوليتنا ورعايتنا عن ضياعنا للأمانة أمام الخالق.

ترسيخ الأخلاق الفاضلة
لا بد من وضع إستراتيجية تربوية ودينية من أجل ترسيخ الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة لدى أبناء المجتمع ولا سيما الشباب منهم، وهذا يتطلب منا جميعاً شحذ الهمم وتضافر الجهود من أجل النهوض بالمجتمع إلى ما هو أفضل مما عليه الآن، لأن حال المجتمع أقل ما يقال عنه أنه مزرٍ على جميع الأصعدة والمقاييس.
إن اللامبالاة وقلة الرعاية تجعلنا نضيّع الرعية كما ضاعت الماشية من هذا الراعي وهذا ما أخشاه إن كنا ماضون في إتجاه والرعية بإتجاه آخر.
من أجل تفادي خطورة الإنزلاق في قعر وادي الفساد والرذيلة فيجب علينا أن نبدأ بالتحرك والتغيير نحن معشر المسؤولين أولاً، وإن لم نبدأ بالعمل والتغيير فممن ننتظر هذا التغيير؟

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة