الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 16 / مايو 06:02

آثار ماضٍ...بقلم: فؤاد خوري – عبلين


نُشر: 26/03/08 17:01

تذكر أنّها يومًا كانت طفلة، تلعب في الفناء مع أترابها، لَكمْ آلمها أنَّ الذكرى بقيت، ليتها لم تكن لتبقَ،  ليتها خُلقت من أجل أن تموت في اليوم نفسه.
ها قد سُلب منها من أحبت يومًا، وها هي الآن تتلوع وحيدةً في زنزانةٍ لا تعرف الشمس سبيلا، طال مكوثها في هذا العالم المعتم أبدًا، الظالم دهرًا.
عرفت دومًا أبًا يسعى بكل ما أُوتي من قوةٍ لمستقبلها، فهي كانت البكر ومناهُ أن تسمو دومًا علمًا وخُلقًا، طموحها نازعت الظروف لأجل أن يكون، لأجل ألاّ يظل حروفًا تمسح عنه غبار السنين.
أينَ هو هذا الطموح من أُمٍ لم تكن تأبه إلاّ بالمال، نظرت لجميع من حولها على أنّهم وسيلة تبعث لها النشوة، لا لأجلهم، بل لأجل ما يملكون.
لا ريب أنكم تفاجئتم وصفي هذه الأم، لكن الواقع لا يُخبأ ذاته، أُمٌ جار عليها الدهر، فالمرض نهش من جسدها الشيء الكثير، عانت مدة خمسِ سنوات، بعدها منَّ الله عليها بالعافية، رأت أنَّ المرض أخذ منها الشيء الكثير، وهي التي كانت تعمل وتتفانى دومًا لأجل أسرتها، لكنْ بعد شفائها، أصبحت مجّرد شخصٍ لا يصلح لشيء، فوجدت أنّها منبوذة من قِبَل من توجهت إليهم لعملٍ، السبل مسدودة، وستار الأمل حجب ظلهُ عنها، وأزمع ألاّ يقترب.
القنوط واليأس احتلا جزءًا من حياتها، حتى أضحى كل شيء في نظرها مُستطاع، وإن كانت بغير عمل، المهم أن تبقى، حتى إن كانت عثرةً، أفضلُ لها من لا سيء.
لم تعتد إلاّ أن تكون مميزة، وها الآن التمييز انقلب ضدّها، هي مستعدةُ أن تحاربه، حتى إن استحق الموقف منها إرغاما.
سلوى أبت أن يتحرر ذلك الطموح التي حمت به دومًا، لكن إزاءَ ما تبدل، لم تجد إلاّ الرضوخ سبيلاً لِما مزمعةٌ الأم عليه، لما ينتظرها من غدٍ وبعد غد، لا تستطيع أن تُبدي رأيًا، فالموقف محتم ولن يرسم بشكل آخر ويرتدي حلةً أبهى.
حكايةٌ لا بدَّ أن تكون هي البطلة فيها، وللأم دور الإشراف، هكذا غدت حياة سلوى، فمنذ دخولها الجامعة وهي تتلقّى نصائح وتنتظر وعود، أقنعتها أمها دومًا أنَّ النجاح سيحالفها، والحياة الرغيدة بانتظارها إن هي سمعت كلامها، وهي التي عُرفت بالطاعة منذ صغرها، والبرُّ بالوالدينِ.
ظنّت كل شيء باقٍ كما كان، فالبساطة استحوذت على عقلها، لم تكنْ لتحسب أنَّ هنالك أمًا لا تحب الخير لعائلتها، لطالما أحبت أمها الخير، لكنَّ جفاءَ القدرِ لها جعل منها إنسانة محاربةً، حتى لو اضطرها الأمر أن تُغير مفاهيمها، المهمُّ ألاّ تكون كتلةً من الضعف والهوان.
الوالد لم يكن له سلطةٌ على الأمور، فرأيه لم يكن إلاّ مجرد ضوضاء يثيرها رجل في عمره، وكيف له أن يقول "لا"، هكذا هو في نظرهم، غيمةٌ يسهلُ زوالها، فلن تشّكل عائقًا.
أقنعتها أمها أنَّ العمل سوف لن يفيدها شيئًا، فالمجالات قليلة، هكذا أمها كانت تحثها، إلى أن ولجت سلوى عالم الأعمال، عالمٌ تجهل عنه الكثير فهي صغيرة، وفي ريعان شبابها، طموحها قد تبّخر في سماءٍ تنادي بصوتها، لا بصوتِ أمها الذي يتقلص شيئًا فشيئًا، جرّاءَ العذاب الذي ألمَّ بها...
زمانٌ لم يُخلق لها، خالته سيحالف ابنتها، ولكن أنّى لشخصٍ أن يعيش تجربة غيره، وإنْ كانت مرسومةً بألوان متشابهة.
دلتها أمها على صديقة قديمة عملت عندها سابقًا، والآن هي بحاجة لمن يدير المكتب من ديكور وترتيب، طرحت عليها الموضوع فوافقت، شعرت سلوى أنّها محظوظةٌ، فها القدر من جديد يبتسم لها ويهبها، حتّى لو حرمها ما تصبو إليه، لكنّه الآن يعطي كما اخذ، ظنته عطاء..... بلا حدود.
سلوى لم تكن تدري عن العلاقة الجديدة التي تربط أمها بسوزان – صاحبة العمل، فلطالما الزيارات بينهما كانت سريةً، وسلوى ظنًّا منها أنَّ الجميع يحبها لشخصها، منحت سوزان أسمى الصفات وأبهاها، وخدماتٍ بلا حدود.
رغم ما كان يكتنف الأم من هواجس، إلاّ أنّها أحبت لابنتها الحياة السعيدة، لكن سوزان أرادت أن تنتقم من صديقتها بطريقتها الخاصة، فهي لم تنسَ يوم طردتها الأم من بيتها، حين أدركت أنّها لا تريد توظيفها، قامت الأم بذلك.
والآن تريد أن تستعيد الصداقة بغية هدفٍ، لا من أجل ما تكنّه لها، انتقام سوزان ظلم سلوى، فما ذنبها هي لم ترتكب خطأ تُعاقب عليه.
سوزان كانت تملك خاتمًا فريدًا ونفيسًا، باهظ الثمن، أعلنت يومًا لسلوى أنّها سوف تسافر في "رحلة عمل" ليوم واحد، وطلبت منها المحافظة على المكتب، وأخذت سوزان ذلك اليوم الخاتم معها، ولكن ما أن رجعت حتى اتهمت سلوى بسرقته، وهو لم يكن مسروقًا، كلُّ ذلك فعلته لتنتقم....
وأيُّ جزاءٍ قد حلَّ بسلوى، وهي الآن بين جدران السجن تكفكف الدموع تارةً، وتارةً تتذكر آسى ماضيها، الذي رسم لها الدموع منذ صغرها.



لإرسال مواد أدبية وشعرية وخواطر وصور عائلية لمناسباتكم وأفراحكم وصورعجائب الرجاء تحويلها إلى البريد الالكتروني التالي، وهو البريد الخاص بالمنتدى:
montada@alarab.co.il

مقالات متعلقة