الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 05:02

النقد والوفاء وإرضاء الناس غاية لا تدرك / بقلم:الشيخ ناصر دراوشة

كل العرب
نُشر: 05/03/13 13:55,  حُتلن: 14:52

الشيخ ناصر دراوشة في مقاله:

بعض الناس لا يملك شيئا ويشعر أنة يملك كل شيء وآخرون لديهم كل شيء ويشعرون أنهم لا يملكون شيئا

من راقب الآخرين وأخذ نقدهم على مستوى المشاعر لن يستفيد من النقد بينما من استمع إلى النقد دون أي تأثر على مستوى مشاعره استطاع أن يستفيد من النقد البنّاء ويتجاهل النقد غير البنّاء

الوفاء معنى جميل وكبير وصفة نادرة في هذا الزمان وسراج يضيء في ليلة حالكة ضاع فيها الأمل وهو أحلى ما تتحلى به النفس البشرية يكمن في أصحاب الأخلاق والقلوب الطاهرة والنقية وحبهم للناس

ما أجمل إن وضعنا الخالق بصورة بشر وزرع فينا إيمانا بالإبتعاد عن الأذى وجعلنا نسمي الأشياء بمسمياتها فلا نستأسد على الضعفاء كما لا ننهي حياة فراشة تحوم حول قناديلنا ولا طائر يأكل بقايا خبزنا

في الكثير من الأحيان أشعر أنني أقف أمام جدار من الحيرة، لا أعرف له بداية ولا نهاية، سببه الغاية في إرضاء الناس، وبالذات من هم حولي من أقرباء وأصدقاء ومقربين، فلا أعرف لماذا أطالبهم بالكثير بينما لا أجد منهم الا القليل.. ولمجرد التقصير مني أجد اللائمة تنهال وكأنها سيل جارف، وعندما أجد منهم التقصير أكتفي بالصمت راجياً أن يتبعه إعتذار، ولكن هيهات هيهات.. فقد أيقنت الآن أنني لا أفهم من هذه الحياة إلا أني على قيد الحياة. عموما ففي حياتنا اليومية نتردد أحيانا عن القيام ببعض الأشياء بسبب أن المجتمع يستهجن هذا التصرف أو ذاك، بالرغم من مشروعيته وعدم مخالفته للشريعة أو للقانون أو حتى الذوق العام. بعض الناس لا يملك شيئا ويشعر أنة يملك كل شيء، وآخرون لديهم كل شيء ويشعرون أنهم لا يملكون شيئا. هذا الكلام الجميل يؤكد على النظرية القائلة إن الحالة النفسية للشخص هي المؤثر الأساسي في السعادة والشقاء، فمتى ما توفر الرضاء حصلت السعادة ومتى ما حل السخط يحصل الشقاء.

السيطرة على المشاعر
إن أقوى شخص في العالم هو من يسيطر على مشاعره ويتحكم فيها، وأضعف شخص هو من يتحكم الآخرون في مشاعره وإنفعالاته، ويسمى ذلك في علم النفس المرجعية، فينقسم البشر إلى قسمين: أشخاص ذوو مرجعية داخلية وآخرون ذوو مرجعية خارجية. بالتأكيد أن قناعة الإنسان السوي يجب أن تتفق مع مكارم الأخلاق والأعراف المجتمعية التي يعيش فيها، وعدا ذلك فإنه من المعلوم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وهذا متعارف عليه في مجتمعاتنا للأسف، فمن راقب الآخرين وأخذ نقدهم على مستوى المشاعر لن يستفيد من النقد، بينما من استمع إلى النقد دون أي تأثر على مستوى مشاعره استطاع أن يستفيد من النقد البنّاء ويتجاهل النقد غير البنّاء. عليه، علينا أن نقوم بما نحن مقتنعون به وما يوافق مبادئنا، بغض النظر عما سيقوله الآخرون ما دمنا لا نؤذيهم ولا نؤثرعليهم. وليكن نصب أعيننا إرضاء الله تعالى أولا، وإرضاء ضميرنا، ومن ثم إرضاء الآخرين، لأنك إن أرضيت بعض الناس لن تستطيع أرضاء كل الناس !!

صراحة مع النفس
وبالطبع إن الصراحة مع نفسك وبناء صورة إيجابية عن ذلك هي أفضل الطرق المؤدية لراحتك النفسية، مع الإعتقاد الحتمي بأنك سوف لن تحصل على إستحسان كل الناس على أي شيء تفعله، وعندما تكون شخصاً قديراً وواثقاً من نفسه لن يؤثر عليك رد أو رفض أو موافقة الآخرين أو الإختلاف في الرأي، لأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. عندئذ سوف تبني القدرة على التصرف بطريقة إيجابية في مثل هذه المواقف، وتستطيع أن تمرن نفسك على تجاهل عدم الموافقة أو الإستحسان من الغير، وبإستطاعتك قطع الصلة الوهمية بين ما يقوله أو يفعله الآخرون وبين قيمتك الذاتية، وإن كلام الناس لا يقدم ولا يؤخر، وإنها عقدة تدور في أغلب المجالس والمجتمعات، وإني هنا أتساءل هل من المعقول أن نضطر لفعل أشياء لا نرغب بفعلها من أجل إرضاء الناس وكلامهم؟... بالطبع لا وألف لا، إذا النقد وارد، وكما هو معروف له أسسه المعرفية، والمعروف عن الناس جميعاً أنهم يميلون إلى المدح والثناء، وحب الثناء في جملته خصلة حسنة محمودة العاقبة لأنه يدعو إلى طلب الكمال، ما لم يكن نزوة من نزوات الأنانية العمياء فهو سبيل إلى العمل الذي يستحق الثناء، وينفرون من الذم والإنتقاد، ولكن كراهة النقد ليست بصفة محمودة في جميع الأحوال، لأنها تنطوي على أخطاء كثيرة تدل على ضيق العقل ومحدودية التفكير، كما تدل على ضيق الخلق وضيق المجال.

حب ووفاء
وأول هذه الأخطاء إعتقاد المرء أن الناقد أفضل دائماً من المنقود، فهو إذا سمع النقد ظن أن الذي يوجهه إليه يستعلي عليه ويدعي أنه مبرأ من العيب الذي يسنده إليه، ولولا ذلك لهان وقع النقد في نفسه لأنه يشعر أنه ومن ينقده سواء، وقد يكون المنقود أفضل من الناقد فيما يتعلق بذلك العيب وفيما يتعلق بسواه، والحقيقة أن الناقد لا يكون أفضل من المنقود في عيوبه ولا أقدر منه على عمله المنتقد ولا على سائر أعماله، كل منا يستطيع أن ينظر إلى بيت من البيوت وينتقد البناء ويُوجد به العيوب، لكننا لا ندعي أننا أقدر على البناء والهندسة من بانيه ومهندسه، وكل منا يستطيع أن يقرأ كتاباً فيشعر بنقصه في جانب من جوانبه لأنه كان ينتظر المزيد من البيان في ذلك الجانب، ولنترك النقد وإرضاء الآخرين وننتقل الى الوفاء، تلك الكلمة الرائعة التي تحوي على كل ما هو إنساني أوجده الخالق جل في علاه بعبده. حيث لي قصة رويت عن رجل طاعن بالسن دخل عيادة طبية لإزالة بعض الغرز على أثر عملية جراحية، سألته الممرضة إذا كان على موعد كعادته فأجاب "لا لأنني سوف أذهب الى دارالرعاية لرؤية زوجتي وأتناول معها الإفطار"، فسألته عن سبب وجودها في الدار وليس في منزلها؟ فأجابها بأنها مريضة بمرض الزهايمر - ضعف الذاكرة، ثم سألته هل تغضب إذا تأخرت عليها قليلا؟ فأجابها قائلا "لا لأنها لا تعرفني، منذ خمس سنوات وأنا على هذه الحالة"، فقالت له "كيف تذهب كل يوم لتناول الإفطار معها وهي لا تعرفك؟" فأجاب: "هي لا تعرفني لكني أنا أعرفها". هذه القصة إن دلت على شيء إنما تدل على الحب والوفاء. الوفاء معنى جميل وكبير وصفة نادرة في هذا الزمان، وسراج يضيء في ليلة حالكة ضاع فيها الأمل، وهو أحلى ما تتحلى به النفس البشرية، يكمن في أصحاب الأخلاق والقلوب الطاهرة والنقية وحبهم للناس، ذلك الطبع الذي يعتبره البعض عملة نادرة ومعنى من معاني الصدق والعدل وصدق اللسان والفعل معا في زمن يكثر فيه الغدر والكذب والخيانة، والتي هي من طبع أصحاب القلوب المريضة، ومعنى آخر للنفاق وعدم الوفاء ونقض العهد وصفة قبيحة يتصف بها كل شخص لئيم لا يريد الخير للآخرين.

الزمان ليس له أمان!
نستطيع أن نمنع أنفسنا من الفرح والسرور ولكننا لا نستطيع أن نمنعها من الحزن والألم، نستطيع أن نكون حريصين وحذرين من جور الأيام والغدر من الآخرين ولا نستطيع أن نسلم دائما لأنه لا ينفع الحذر مع القدر، هناك أفعال كثيرة نستطيع أن نقوم بها وأخرى لا نستطيع كوننا بشراً، أقول كذلك متسائلا، لماذا الإنسان يجد الغدر والإهانة ممن يعتبرهم أهم الناس وأنجحهم؟ ويكون الغدر بالأحاسيس من الأشخاص الذين تتعامل معهم يوميا ومن مقربيك؟ الزمان ليس له أمان، العمر يسير والقدر مكتوب، فإن كنت طيباً وقلبك كله حنان تذكر أنك كنت ناجحاً من زمان، واليوم الذي يضحك لك غدا يطعنك بسكين، وا حسرتاه كم تلقى جسدي طعنات من أقرب المقربين والذين كنت وعلى مراحل عمري أعتبرهم سندا أتكىء عليهم كلما جار عليّ الزمان وأوهن فقرات ظهري!  وكما قيل "فلا تيأس لغدر زمان يخون فيه الصحب الصحيب، ولا تهتم يوما لدنيا زائلة فكلنا فيها غريب". الوفاء ليس كلمة جوفاء فارغة نطلقها متى نريد وكيفما نشاء، الوفاء كلمة وإلتزام ووثيقة عهد وصفة مواقف سلوكية لها مرجعيتها، وهوية تتبلور في المحن والشدائد بالتجرد والصبر والصدق والتضحية. لهذا نقول إن الوفاء عملة نادرة في زمان يكثر فيه الغدر والخيانة، فإن وُجد أرشدوني عليه بالله عليكم، فهناك أفاعٍ تتقمص شخصية إنسان، ونعومة ملمسها لا يقيك شرّ قرصتها، إن تركتها وشأنها تتركك وشأنك، وهم إن تركتهم وشأنهم لا يتركوك وشأنك!. في طبيعتها أن تلدغ إن آذاها أحدهم، وبعضهم يؤذيك بدون أن تؤذيه، لأن في طبيعته الأذى، وقد تجد علاجاً للدغة الأفعى لكنك لن تجده إن قرصك حاقد! إن أحضرت ثعباناً ليعيش بين الناس فإنه يؤقلم نفسه في بيئته الجديدة، وبعضهم لا يتأقلم مع الناس أبداً بل إن القرص المميت غريزة متأصلة فيه!.

لا يُلدغُ المرءُ من جحرٍ مرتين
يقولون عن الشخص الذي أمّنَ لخائن أنه يضع "حيّة في عبّه" ولا يعلم، ويُقال: "لا يُلدغُ المرءُ من جحرٍ مرتين"، ونحن نُلدغُ مراتٍ ومرات لكننا لا نتعلم أبدا!. إن هددت الأفعى حياتك فإنك تشفق عليها كونها كائنا حيا، في حين أن بعضهم لا يشفق عليك حتى إن تركته بحاله، ففي طبيعته شرٌ متأصّل وكأنه يعيش في غابة كلها وحوش ضارية، فلا المعروف ينفع معه ولا يشفع لك أنك قدمت له الكثير، ويمضي في قتلك. لا يقتل الأفعى إن ضربتها على ذيلها أو قطعت أي جزء منها، ما يقتلها شيء واحد وهو قطع رأسها، لُدِغنا غير مرة لكننا ما زلنا نضعهم في "عبّنا"، واللدغ أصبح جزءا من حياتنا، كما هو جزء من تكوينهم. ما أسوأ أن يلدغك أحدهم بعدما قدمت له كل ما لديك، بحسب أصلك، لكن أصله لم يرده وفضل أن يبقى حبيس سمه القاتل، لا يشبع ولا يقنع، وما أن تختلف معه لأتفه شيء يقترب منك ويفرغ سمّه فيك دون ذرة ضمير! هناك أنواع من بشر خلقوا بضمير مستتر تقديره غائب، لن يرجع أبداً، والأخلاق عندهم مثل "البيجاما" يرمونها قبل خروجهم من البيت أو من جحورهم، بعض الناس ملائكة بالفطرة لا يقدرون على قتل بعوضة لنظافة قلوبهم، وبعضهم إنفطروا شياطين لا يرفُّ لهم جفن ولا تُغمضُ لهم عين، ماضون بلدغ الغير، دائبون على "مص" الدم، وكأنهم لا يعيشون بدون ذبح من أحسنوا اليهم! قد يُفرضُ عليكَ أن تعيش بالغابة ومِن حولك وحوش ضارية، وقد تُحوّل نفسك مثلها أو تبقى على طبيعتك، لكنك تنتصر أخيراً للإنسان بداخلك، فلا تُبدل جلدك كما تُبدل الأفعى، ولا تنسلخ عن صفة البشر في نفسك، ولا تؤمن بشريعة الغاب.

رضاء الناس
ما أجمل إن وضعنا الخالق بصورة بشر، وزرع فينا إيمانا بالإبتعاد عن الأذى، وجعلنا نسمي الأشياء بمسمياتها، فلا نستأسد على الضعفاء، كما لا ننهي حياة فراشة تحوم حول قناديلنا، ولا طائر يأكل بقايا خبزنا، فمن أحق أن يكون وحشاً: وحوش الغابة أم أولئك المتوحشون ؟!. يبقى أنهم إتخذوا من طبائع الثعابين مسار حياة، وإبتعدوا عن إنسانيهم آلاف الأميال، وفي النهاية هُم أفاعٍ، وأكثر ما يصلون اليه هو مستوى الأرض، يتخفـون في جحورهـم، ورغم ذلك فـإن " لدغتهم وال----------- " !. أخيرا وليس آخرا، ومن المسائل المعلومة أكرر أن إرضاء الناس جميعا غاية مستحيلة الإدراك، ونستشهد بذلك ما عاناه الرسل والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، فالإعتراض والمضايقات معلومة فهم لم يحققوا لجميع الناس غاياتهم التي يريدون، فلكل واحد عقل يفكر به، وهم معادن مختلفة، ومن الغايات التي لا تدرك أبدا هي رضاء الناس والناس جميعا، متذكرا قوله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ) صدق الله العالي العظيم.

مقالات متعلقة